الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

معنى قوله تعالى: (ولا تنس نصيبك من الدنيا)

131088

تاريخ النشر : 12-04-2009

المشاهدات : 174259

السؤال

ما معنى الآية : (وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا)

الجواب

الحمد لله.

لأهل العلم في تفسير هذه الآية قولان مشهوران :

القول الأول :

أن المعني : لا تنس نصيبك مما أباح الله لك فيها من المآكل والمشارب والملابس والمساكن والمناكح ، فإن لربك عليك حقًّا ، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقا .

"تفسير ابن كثير" (6/253) .

وهذا قول الحسن وقتادة وابن جريج .

وقد سئل الإمام مَالِكٌ رحمه الله عَنْ هذه الآية فَقَالَ : (أَنْ يَعِيشَ وَيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ غَيْرَ مُضَيِّقٍ عَلَيْهِ فِي رَأْيٍ) انتهى .

"المنتقى" (4 / 302) .

ويؤيده قوله تعالى قبلها : ( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ ) أي : استعمل ما وهبك الله من هذا المال الجزيل والنعمة الطائلة ، في طاعة ربك والتقرب إليه بأنواع القربات ، التي يحصل لك بها الثواب في الدار الآخرة ، ولا تنس مع ذلك نصيبك من الدنيا .

فلا نأمرك أن تتصدق بجميع مالك وتبقى ضائعا ، بل أنفق لآخرتك ، واستمتع بدنياك استمتاعا لا يضر دينك ، ولا يضر بآخرتك .

راجع : "تفسير الطبري" (19 / 625) - "تفسير ابن كثير" (6/253) – "زاد المسير" (6/241) - "تفسير السعدي" (ص/623) .

"والإسلام وسط في العمل للدنيا والآخرة ، فكل منهما عبادة لله تعالى ، وتحقيق لغاية الوجود الإنساني ضمن شروط معينة ، بينما تأرجحت المذاهب الأخرى بين الاهتمام بالنواحي المادية الذي يظهر في المدنية الغربية الحديثة ، وأصبح معبودها هو المال والقوة والرفاهية والرقي المادي - وبين الإزراء بهذا الرقي المادي والمتاع الدنيوي كما هو الشأن في المذاهب التي تدعو إلى الرهبنة وتعذيب الجسد من أجل الروح وتهذيبها للوصول إلى مرحلة الفناء ، أما الإسلام فيقول الله تعالى : (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة /201  ، وقوله : (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) القصص/77 " .

"بحوث ندوة أثر القرآن في تحقيق الوسطية ودفع الغلو" (ص/400) .

والقول الثاني :

لا تنس نصيبك من الدنيا بأن تعمل فيها للآخرة .

وهذا القول اختاره أكثر المفسرين ، وهو قول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما .

قال الشوكاني :

"قال جمهور المفسرين : وهو أن يعمل في دنياه لآخرته ، ونصيبُ الإنسان : عمرهُ وعملُه الصالح . قال الزجاج : معناه : لا تنس أن تعمل لآخرتك ، لأن حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا الذي يعمل به لآخرته" انتهى .

"فتح القدير" (4/266) .

وعن مجاهد قال : عمرك تعمل فيه لآخرتك . "تفسير ابن أبى حاتم"  (9 / 3010) .

وقال مجاهد أيضا : لا تترك أن تعمل في الدنيا للآخرة حتى تنجو من العذاب ، لأن حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا أن يعمل للآخرة .

"تفسير البغوي" (6 / 221) .

وقال عون بن عبد الله : إن قوما يضعونها على غير موضعها (وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا) :

تعمل فيها بطاعة الله .

"تفسير الطبري" (19 / 524) .

وقال الطبري يقول : ولا تترك نصيبك وحظك من الدنيا ، أن تأخذ فيها بنصيبك من الآخرة ، فتعمل فيه بما ينجيك غدا من عقاب الله .

"تفسير الطبري" (19 / 524) .

وقال القرطبي : "اختلف فيه ؛ فقال ابن عباس والجمهور : لا تضيع عمرك في ألا تعمل عملا صالحا في دنياك ؛ إذ الآخرة إنما يعمل لها ، فنصيبُ الإنسان : عمره وعمله الصالح فيها ، فالكلام على هذا التأويل شدة في الموعظة .

وقال الحسن وقتادة : معناه : لا تضيع حظك من دنياك في تمتعك بالحلال وطلبك إياه ، ونظرك لعاقبة دنياك . فالكلام على هذا التأويل فيه بعض الرفق به وإصلاح الأمر الذي يشتهيه" انتهى .

"الجامع لأحكام القرآن" (13 / 314) .

ولا منافاة بين القولين فالمؤمن لا ينسى نصيبه من الدنيا ـ فيتمتع بها تمتعاً مباحاً ، لا يجره إلى الحرام ، ويستعين بهذا المباح على طاعة الله تعالى ، فهو ترويح عن النفس ، واستجماع لنشاطها .

والمؤمن لا ينسى نصيبه من الدنيا ، وهو عمله الصالح الذي سيصحبه في قبره ، ولهذا أثنى الله تعالى على من يدعو قائلاً : (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) البقرة/201 .

قال ابن كثير :

" فجمعت هذه الدعوةُ كلَّ خير في الدنيا ، وصرَفت كلّ شر ؛ فإن الحسنة في الدنيا تشملُ كلّ مطلوب دنيوي ، من عافية ، ودار رحبة ، وزوجة حسنة ، ورزق واسع ، وعلم نافع ، وعمل صالح ، ومركب هنيء ، وثناء جميل ، إلى غير ذلك مما اشتملت عليه عباراتُ المفسرين ، ولا منافاة بينها ، فإنها كلها مندرجة في الحسنة في الدنيا .

وأما الحسنة في الآخرة فأعلى ذلك دخول الجنة وتوابعه من الأمن من الفزع الأكبر في العَرَصات ، وتيسير الحساب وغير ذلك من أمور الآخرة الصالحة " انتهى .

"تفسير ابن كثير" (1/558) .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب