الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

إخفاء العمل الصالح ، والفرح بثناء الناس على صاحبه ؟

148158

تاريخ النشر : 04-05-2010

المشاهدات : 122670

السؤال

سؤال يسبب لي المتاعب : في بعض الأحيان يغلب على ظني أن الناس سيثنون علي إذا أخبرتهم بعمل من الأعمال الصالحة "من باب شكر الله عز و جل" ؛ فهل أخبرهم به ، وهل علي شيء إذا كنت ممن يفرح بثنائهم علي؟ وكيف نوفق بين الأدلة التي تحث على إخفاء العمل ، وبين التحديث بنعمة الله التي أهمها نعمة العمل الصالح ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

التحدث بنعمة الله تعالى من دواعي شكرها ، ومن إقرار المسلم بفضل الله عليه ، قال الله تعالى : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) الضحى / 11.

قال السعدي رحمه الله :

" وهذا يشمل النعم الدينية والدنيوية ( فَحَدِّثْ ) أي : أثن على الله بها ، وخصصها بالذكر إن كان هناك مصلحة ، وإلا فحدث بنعم الله على الإطلاق ، فإن التحدث بنعمة الله ، داع لشكرها ، وموجب لتحبيب القلوب إلى من أنعم بها ، فإن القلوب مجبولة على محبة المحسن " انتهى .

"تفسير السعدي" (ص928) .

وقال ابن كثير رحمه الله :

" قوله : ( وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُم ) فيه دلالة على أن إسرار الصدقة أفضل من إظهارها ؛ لأنه أبعد عن الرياء ، إلا أن يترتب على الإظهار مصلحة راجحة ، من اقتداء الناس به ، فيكون أفضل من هذه الحيثية ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة والمُسِر بالقرآن كالمُسِر بالصدقة " 

والأصل أن الإسرار أفضل ، لهذه الآية ... " انتهى .

"تفسير ابن كثير" (1/701)

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" الذي يتحدث عن نفسه بفعل الطاعات لا يخلو من حالين :

الحال الأولى : أن يكون الحامل له على ذلك تزكية نفسه وإدلاله بعمله على ربه ، وهذا أمر خطير قد يؤدي إلى بطلان عمله وحبوطه ، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عباده عن تزكية نفوسهم فقال تعالى : (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) .

الحال الثانية : أن يكون الحامل له على ذلك التحدث بنعمة الله سبحانه وتعالى ، وأن يتخذ من هذا الإخبار عن نفسه سبيلاً إلى أن يقتدي به نظراؤه وأشكاله من بني جنسه ، وهذا قصد محمود ؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ) "

انتهى من "نور على الدرب" (12/ 30) .  

قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله :

" جَاءَ آثَارٌ بِفَضِيلَةِ الْجَهْرِ بِالْقُرْآنِ ، وَآثَارٌ بِفَضِيلَةِ الْإِسْرَارِ بِهِ وَالْجَمْعُ بِأَنْ يُقَالَ : الْإِسْرَارُ أَفْضَلُ لِمَنْ يَخَافُ الرِّيَاءَ ، وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ لِمَنْ لَا يَخَافُهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤْذِيَ غَيْرَهُ مِنْ مُصَلٍّ أَوْ نَائِمٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْجَهْرِ يَتَعَدَّى نَفْعُهُ إِلَى غَيْرِهِ أَيْ مِنْ اِسْتِمَاعٍ أَوْ تَعَلُّمٍ أَوْ ذَوْقٍ أَوْ كَوْنِهِ شِعَارًا لِلدِّينِ ، وَلِأَنَّهُ يُوقِظُ قَلْبَ الْقَارِئِ وَيَجْمَعُ هَمَّهُ وَيَطْرُدُ النَّوْمَ عَنْهُ وَيُنَشِّطُ غَيْرَهُ لِلْعِبَادَةِ . فَمَتَى حَضَرَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ النِّيَّاتِ فَالْجَهْرُ أَفْضَلُ " انتهى من "تحفة الأحوذي" (8/191)

وعليه :

فإذا كان التحدث بنعمة الله من باب نسبة الفضل إلى الله تعالى ، والإقرار بمنته على عبده ، وأنه الجواد الكريم ، أو كان ليقتدي بالإنسان غيره في فعل الخير ، حتى يكون له أجره وأجر من اقتدى به : فهذا مستحب مشروع .

وإن كان من باب تزكية النفس ، أو نسبة الفضل إليها ، أو المراءاة وتسميع الناس بالعمل ، وكسب الجاه والمنزلة  بما له من الطاعات ، ونحو ذلك : فهذا أمر مذموم مقبوح .

وينظر: جواب السؤال رقم : (137984) .

ثانيا :

إذا تحدث العبد بنعمة الله عليه على الوجه المشروع ، فأحسن الناس الثناء عليه فأعجبه ذلك ، ولم يخالط ذلك في قلبه طلب الرياء والسمعة ، فهو من عاجل بشرى المؤمن .

وعاجل بشرى المؤمن أن يعمل المؤمن العمل الصالح ، يرجو به وجه الله ، فيطلع الناس عليه من غير تعمد منه لإظهار ذلك ، أو مراءاة الناس به ، فيثنوا عليه خيرا ، فيعجبه ذلك .

روى مسلم (2642) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ : قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنْ الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : ( تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ )

وينظر جواب السؤال رقم : (145731) .

ولمعرفة أنواع دخول الرياء على العبادة ينظر جواب السؤال رقم : (9359) .

وينظر أيضا : يراجع جواب السؤال رقم : (6356) ، (135634)  

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب