الحمد لله.
أولاً:
الحديث الذي يشير إليه الأخ السائل هو ما رواه أَبو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ - وفيه : - وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ... ) .
رواه البخاري ( 629 ) ومسلم ( 1031 ) .
وقد ذكرنا الحديث بتمامه وشرحناه في جواب السؤال رقم ( 924 ) فلينظر .
ثانياً:
اختلف أهل اللغة ، وتبعهم الفقهاء ، في تحديد سن الشباب متى يبدأ ومتى ينتهي ،
والأقرب : أن زمن " الشاب " يبدأ بالبلوغ ، وينتهي إلى الثلاثين ، أو اثنين وثلاثين
، ثم تبدأ مرحلة " الكهولة " .
قال ابن الأثير – رحمه الله - :
والكهل من الرجال : من زاد على الثلاثين سنة إلى الأربعين ، وقيل من ثلاث وثلاثين
إلى تمام الخمسين .
" النهاية في غريب الحديث " ( 4 / 313 ) .
وقال الزبيدي – رحمه الله - :
الشَّبَابُ : الفَتَاءُ والحَدَاثَةُ كالشَّبِيبَة . وقد شَبَّ الغُلامُ يَشِبُّ
شَبَاباً وشُبُوباً وشَبِيباً وأَشَبَّهُ اللهُ وأَشَبَّ اللهُ قَرْنَه بمَعْنىً
والأَخِيرُ مَجَازٌ والقَرْنُ زِيَادَةٌ في الكَلاَمِ .
وقال مُحَمَّد بنُ حَبِيب : زَمَنُ الغُلُومِيَّة سَبْعَ عَشَرَةَ سَنَةً مُنْذُ
يُولَدُ إِلى أَن يَسْتَكْمِلَها ثم زَمَنُ الشَّبَابِيَّة مِنْهَا إِلَى أَنْ
يَسْتَكْمِلَ إِحْدَى وخَمْسِينَ سنة ثم هُوَ شَيْخٌ إِلَى أَنْ يَمُوتَ .
وقيل : الشَّابُّ : البَالِغُ إِلَى أَنْ يُكَمِّل ثَلاَثِين .
وقيل : ابنُ سِتَّ عَشَرَةَ إِلى اثْنَتَيْن وثَلاَثِين ثُمَّ هُوَ كَهْلٌ . انتهى
.
" تاج العروس من جواهر القاموس " ( 3 / 92 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
الشاب ما بين الخمس عشرة سنة إلى الثلاثين .
" شرح رياض الصالحين " ( 1 / 462 ) .
ثالثاً:
اختلف شرَّاح الحديث في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم ( وَشَابٌّ نَشَأَ فِي
عِبَادَةِ رَبِّهِ ) على أقوال ، أشهرها : ثلاثة :
1. أن معناه : أن الشاب كان تربَّى على الطاعة ونما عليها في صغره ، ولم يأت سن
الشباب عليه إلا وهو على خير ، فشغل شبابه بالطاعة ، وأفناه فيها .
قال المباركفوي - رحمه الله - :
( نَشَأَ) أي : نما وتربى .
( بعبادة الله ) أي : لا في معصية ، فجوزي بظل العرش ؛ لدوام حراسة نفسه عن مخالفة
ربه .
" تحفة الأحوذي " ( 7 / 58 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - :
( شاب نشأ في عبادة ربه ) : ( نَشَأَ ) منذ الصغر وهو في العبادة ، فهذا صارت
العبادة كأنها غريزة له ، فألفها وأحبَّها ، حتى إنه إذا انقطع يوماً من الأيام عن
عبادة تأثر .
" شرح صحيح البخاري " ( 3 / 79 ) .
ويدل على هذا التأويل : أثر سلمان رضي الله عنه موقوفاً عليه : ( ورجلٌ أفنى شبابه
ونشاطه في عبادة الله ) وهو بمعنى حديث أبي هريرة . وقد رواه سعيد بن منصور في "
سننه " ، كما قال ابن حجر ، وحسَّنه في " فتح الباري " ( 2 / 144 ) .
2. أن معناه : من كانت حسناته وطاعاته في شبابه أكثر من سيئات وذنوب من نشأ على غير
طاعة ثم عبَد ربَّه آخر عمره .
قال أبو الوليد الباجي - رحمه الله - :
( وشاب نشأ في عبادة الله تعالى ) يحتمل – والله أعلم – أن يريد به : أقل ذنوباًً
وأكثر حسنات ممن نشأ في غير عبادة الله عز وجل ، ثم عبَده في آخر عمره وفي شيخوخته
.
" المنتقى شرح الموطأ " ( 7 / 273 ) .
رابعاً:
أيها الأخ الكريم ؛ إذا قدر أنه قد فاتك شيء من هذا الفضل ، لأجل الزمان الذي انقضى
قبل أن تفرغ للطاعة ، وتنشغل بها ؛ فإنك لا تزال شابّاً ؛ فأر ربَّك من نفسك خير ما
عندك من همة تصرفها في طاعته وعبادته .
ثم إن في الحديث نفسه أموراً أخرى تستطيع أن تكون من أهلها ، فيظلك الرب تعالى تحت
عرشه يوم القيامة ، فكن ممن يتعلق قلبه بالمساجد ، وكن من المتصدقين بالسر ، وكن من
الذاكرين الله تعالى في الخلوة فتفيض عينك بالبكاء ، واجعل محبتك واجتماعك مع إخوان
الطاعة ، واتخذ لك منهم صاحبا وخليلا ؛ تجتمعان على طاعة الله ، وتفترقان على محبته
.
واحذر – أخي - من كيد الشيطان أن يصدك عن هذه الطاعات
والأفعال الجليلة بحجة أنك لم تنشأ في شبابك على الطاعة .
فاحرص على الخير لنفسك ، ولا تترد في أن تبلي شبابك فيما يحب ربك تعالى منك .
وتأمل تلك الهمة العالية ، في الاستمتاع بالشباب ؛ همة عبد الله بن عمرو رضي الله
عنهما :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ :
جَمَعْتُ الْقُرْآنَ فَقَرَأْتُ بِهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( إِنِّي أَخْشَى أَنْ
يَطُولَ عَلَيْكَ زَمَانٌ ، أَنْ تَمَلَّ ؛ اقْرَأْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ ) .
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي !!
قَالَ : ( اقْرَأْهُ فِي كُلِّ عِشْرِينَ ) .
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي !!
قَالَ : ( اقْرَأْهُ فِي كُلِّ عَشْرٍ ) .
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي !!
قَالَ : ( اقْرَأْهُ فِي كُلِّ سَبْعٍ ) .
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي !!
( فَأَبَى ) .
رواه أحمد (11/68) ط الرسالة ، وابن ماجة (1346) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة ،
ومحققو "المسند" .
ونرجو منك التأمل في الكلام الآتي للشيخ العثيمين رحمه
الله فهو منطبق على حالك .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
هناك شباب يعودون إلى الله في سن الخامسة والعشرين وفي سن الرابعة والعشرين ، يعني
: يكون أثناء البلوغ في ضياع ، ويكون قد عصى الله سبحانه وتعالى وقد يكون تاركاً
للصلاة ، فبعد هذا السن يرجع إلى الله سبحانه وتعالى ويكون من عباد الله سبحانه
وتعالى ، هل يكون داخلاً في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ،
وهو الشاب الذي نشأ في طاعة الله ؟ .
فأجاب :
السن عندهم درجات ، سن الشباب ، وسن الكهولة ، وسن الشيخوخة ، وسن الهرم ، فيرجع
إلى هذا ، فالذي في الخامسة والعشرين لا يزال في الشباب ، ولكن مع ذلك لو فرض أنه
لم يستقم إلا بعد الثلاثين : فإن الله تعالى يقول في كتابه : ( وَالَّذِينَ لا
يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ
اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً
. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً .
إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ
اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الفرقان/ 68
– 70 .
فهؤلاء الذين تابوا بعد أن كبروا وعملوا عملاً صالحاً يبدِّل الله سيئاتهم حسنات ،
ويكتب لهم إن شاء الله ما يكتب لغيرهم ، وإذا قدِّر أنه لم يكن شابّاً : فقد فاتته
خصلة من الخصال التي يستحق بها أن يظله الله عز وجل فلا تفته الخصال الأخرى .
" لقاء الباب المفتوح " ( 5 / السؤال رقم 25 ) .
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى ، وأن يجعلك من العاملين لدينه ، وأن يظلك تحت ظل عرشه .
والله أعلم
تعليق