السبت 11 شوّال 1445 - 20 ابريل 2024
العربية

ترك المصحف ليحترق في منزله ، ويتهم الجاني بذلك ؟

191311

تاريخ النشر : 21-01-2013

المشاهدات : 8485

السؤال


مجموعة أشخاص قاموا بحرق بيت ، وفي البيت بعض نسخ القرآن ، وما علموا بالقرآن ، ولكن صاحب البيت أخرج بعض أوراق ومواد مهمة بالنسبة إليه ، وترك القرآن ليحترق ، وفعل هذا حتى يتهم الأشخاص بالكفر ، فيعيبوهم بذلك . فهل هذا الرجل آثم بذلك ؟ وهل هذا من باب إحراق القرآن بنفسه ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
إلقاء المصحف في النجس أو القذر ، أو إحراقه امتهانا واستخفافا بحرمته : كفر باتفاق أهل العلم .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (2/ 123) :
" الْمُصْحَفَ الصَّالِحَ لِلْقِرَاءَةِ لاَ يُحْرَقُ، لِحُرْمَتِهِ ، وَإِذَا أُحْرِقَ امْتِهَانًا يَكُونُ كُفْرًا عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ .
أَمَّا كُتُبُ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَغَيْرِهَا فَقَال الْمَالِكِيَّةُ : إِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الاِسْتِخْفَافِ فَإِحْرَاقُهَا كُفْرٌ مِثْل الْقُرْآنِ ، وَأَيْضًا أَسْمَاءُ اللَّهِ وَأَسْمَاءُ الأْنْبِيَاءِ الْمَقْرُونَةِ بِمَا يَدُل عَلَى ذَلِكَ مِثْل : " عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ " لاَ مُطْلَقُ الأْسْمَاءِ " انتهى .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" إذا حرقه كارها له ، سابا له ، مبغضا له ، فهذا منكر عظيم وردة عن الإسلام ، وهكذا لو قعد عليه ، أو وطئ عليه برجله إهانة له ، أو لطخه بالنجاسة ، أو سبه وسب من تكلم به، فهذا كفر أكبر وردة عن الإسلام والعياذ بالله " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (ص 85) .

ثانياً:
ترك المصحف في القذر ، أو تركه ليحترق ، مع القدرة على صيانته من ذلك : محرم ، لا شك في تحريمه ؛ بل حكمه في ذلك حكم من فعله ؛ لأنه مأمور بصيانته وإكرامه ، ولم يفعل ، مع القدرة عليه .
جاء في "شرح الدردير على مختصر خليل" :
" (بَابٌ فِي الرِّدَّةِ وَأَحْكَامِهَا) (الرِّدَّةُ كُفْرُ الْمُسْلِمِ) ... (بِصَرِيحٍ) مِنْ الْقَوْلِ ... (أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ) ؛ أَيْ : يَقْتَضِي الْكُفْرَ وَيَسْتَلْزِمُهُ اسْتِلْزَامًا بَيِّنًا ؛ (كَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ بِقَذَرٍ) ، وَلَوْ طَاهِرًا كَبُصَاقٍ أَوْ تَلْطِيخِهِ بِهِ ...
وَمِثْلُ ذَلِكَ تَرْكُهُ بِهِ ؛ أَيْ : عَدَمُ رَفْعِهِ إنْ وَجَدَهُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الدَّوَامَ كَالِابْتِدَاءِ ، فَأَرَادَ بِالْفِعْلِ مَا يَشْمَلُ التَّرْكَ .. " .
" وَمِثْلُ هَذَا مَنْ رَأَى وَرَقَةٌ مَكْتُوبَةٌ مَطْرُوحَةٌ فِي الطَّرِيقِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَا كُتِبَ فِيهَا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَرْكُهَا مَطْرُوحَةً فِي الطَّرِيقِ لِتُوطَأَ بِالْأَقْدَامِ ، وَأَمَّا إنْ عَلِمَ أَنَّ فِيهَا آيَةً أَوْ حَدِيثًا وَتَرَكَهَا كَانَ ذَلِكَ رِدَّةً " .
وقال الدسوقي في حاشيته على الموضع السابق :
" أَيْ مِثْلِ إلْقَاءِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَذَرِ فِي كَوْنِهِ رِدَّةً تَرَكَهُ أَيْ الْمُصْحَفَ بِهِ أَيْ بِالْقَذَرِ (قَوْلُهُ : إنْ وَجَدَهُ بِهِ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ وَلَوْ عَلَى الْجُنُبِ رَفْعُهُ مِنْهُ " .
انتهى من "الدردير وحاشية الدسوقي" (4/301) .

وقال الشيخ عليش ـ في كتابة البسملة على الأرض ، للتعليم : " وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي لِنِسْيَانِهِ فَيُوطَأُ بِالْأَقْدَامِ وَالنِّعَالِ وَتُلْقَى عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ وَالْقَذَرُ وَلِكِتَابَةِ الصِّبْيَانِ ذَلِكَ عَلَى الْأَرْضِ النَّجِسَةِ وَتَرْكِهِ فَيُوطَأُ وَوَسِيلَةُ الْحَرَامِ مُحَرَّمَةٌ " (5/295) شاملة .
ثالثا :
إذا ظهر من حال هذا التارك عدم قصد الامتهان والاستخفاف بالمصحف ، إنما فعله لغرض آخر ، كالذي ذكر في السؤال من قصده الكيد لغيره ، أو الانتقام منه ؛ فمع تحريم حرق المصحف ، إلا لمن قصد صونه عن الامتهان ، فإن من فعل ذلك لا يكفر به .
قال الدردير ، بعد الموضع السابق :
" وَحَرْقُ مَا ذُكِرَ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْفَافِ فَكَذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ صِيَانَتِهِ فَلَا ضَرَرَ بَلْ رُبَّمَا وَجَبَ وَكَذَا كُتُبُ الْفِقْهِ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْفَافِ بِالشَّرِيعَةِ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا " .

وجاء في "الموسوعة الفقهية" (2/ 123) :
" قَال الشَّافِعِيَّةُ: الْخَشَبَةُ الْمَنْقُوشُ عَلَيْهَا قُرْآنٌ فِي حَرْقِهَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ : يُكْرَهُ حَرْقُهَا لِحَاجَةِ الطَّبْخِ مَثَلاً ، وَإِنْ قُصِدَ بِحَرْقِهَا إِحْرَازُهَا لَمْ يُكْرَهْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْحَرْقُ لِحَاجَةٍ ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ عَبَثًا فَيَحْرُمُ ، وَإِنْ قَصَدَ الاِمْتِهَانَ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَكْفُرُ " انتهى .

والخلاصة : أن الظاهر من حال هذا الذي ترك المصحف ليحترق ، ويظهر شناعة فعل هذا المعتدي ، الظاهر من حاله أنه لا يكفر بمجرد ذلك ، وإن كان وقع في أمر محرم منكر .

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب