الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

تعاني من مرض جلدي في الوجه دفعها إلى محاولة الانتحار

196020

تاريخ النشر : 22-03-2013

المشاهدات : 8671

السؤال


أنا مريضة بمرض جلدي في وجهي ، وهو تصبغات الشمس ، وأدرس في الكلية ، وطلبت من والدتي أن أقدم اعتذارا عن إكمال هذا الفصل الدراسي إلى حين أن أتعالج ؛ لأن وجهي بهذا الشكل : أنفي أبيض ، وخدي الأيمن أسود ، وخدي الأيسر أفتح من الأيمن بقليل ، سبب لي حالة نفسية لا يعلم بها إلا الله عز وجل ، فرفضت والدتي رفضا قاطعا ، وأخي الأكبر بما أنه هو المسؤول عني بعد وفاة والدي رحمه الله رفض هو أيضا ، مع العلم أني حاولت الانتحار عدة مرات بسبب هذا الموضوع ، وأهلي لم يدروا إلا في مرة واحدة كانت عندما حاولت قطع وريدي أمام والدتي ، ولكنها ما زالت مصرة على عدم اعتذاري عن هذا الفصل ، مع العلم أني أبكي معظم الوقت ، وصرت عصبية ، وأدعو الله بالشفاء العاجل لي ، وأيضا الطلبة والمدرسين في الكلية لا يساعدوني كثيرا ، فنظراتهم تقول لي إني قبيحة ، وتصرفاتهم تدل على ذلك ، هذا غير الكلام الجارح الذي يقولونه خلفي أو أمامي أحيانا ، لم أعد أتحمل ، أفكر بالانتحار أحيانا كثيرة ، كلما أتوب أرجع وانتحر ولا يحصل معي شيء ، لا أعلم هل لأن الله يحبني ، أم لأنه غاضب علي ويريد تعذيبي ؟، أحيانا أفكر بأفكار سيئة ، أن أكره الله - أستغفر الله - ، أو أن الله لا يحبني مع أن نيتي طيبة وأحب كل الناس .


ساعدني فإني لا أعلم ماذا أفعل ؟

الجواب

الحمد لله.


يعيش كثير من الناس في هذه الدنيا بتصورات خاطئة ، يتوهمون بسببها أن ما هم عليه من حال الصحة والعافية ، أو الغنى والرفاه ، أو الأمن والأمان ، كلها أحوال دائمة لا تتغير ولا تتبدل ، وهم يشاهدون كل اليوم الأمراض والأوجاع والأهوال التي تصيب البشر من حولهم ، أو في بلاد قريبة إليهم ، ويحسبون أنهم في مأمن من ذلك ، أو أن الله سبحانه وتعالى خصهم بالحفظ والصيانة دون سائر الناس !!
وبعضهم يبقى في دائرة الأمل ، وربما الأماني والغرور ؛ حتى يفجأه من البلاء ما لم يكن في الحسبان ، فلا يملك حينها حيلة يدفع عنه ما هجم عليه من هم وغم .
إن أهم ما يجب على كل منا أن يوطن نفسه عليه – كي يتمكن من تجاوز مصائب الدنيا – أن يكون في ترقب دائم لأحواله ، وتوقع لكل نقص وابتلاء ، بل وانتظار لما يصيبه من حوادث الزمان ، فمن المحال دوام الحال ، ومن أخطر الأوهام التي يعيش بها الإنسان أن يظن أنه سيحيا ويموت بعيدا عن أي ابتلاء ، فقد ابتلي الأنبياء أعظم البلاء ، أصابتهم الأمراض والأدواء بجميع صنوفها وأشكالها ، منهم من سجن ، ومنهم من قتل ، ومنهم من طرده قومه ، وآخرون عذبوا وأوذوا ، وهذا ما أصاب العلماء والصالحين من بعدهم ، وهو ما نشاهده اليوم في كثير من البلدان الإسلامية حولنا ، يصبح الناس فيها ويمسون بأنواع من البلاء لا يعلم بها إلا الله عز وجل .
كل ذلك ينبغي أن يدفعك إلى التساؤل المنطقي الطبيعي : هل أنت أكرم على الله من هؤلاء جميعا ! أم هل أخذت عهدا من الله أن يقيك من أي مصاب دون سائر الناس ! أم كل هؤلاء الناس كانوا من الفسقة فاستحقوا ما أصابهم ! أما أنت فقلبك سليم لا تستحقين ما ابتلاك الله به ! والله عز وجل يقول : ( فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ . وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ) الفجر/15-16.
وإذا أردت أن نذكرك بأن ما أصابك ، مهما كان شديدا ، فهو يسير في جنب ما يصاب به غيرك من الصابرين المحتسبين ، فإننا ندعوك أن تنظري في حال الأسيرات ، والمظلومات ، والمضطهدات في السجون ، ومن أقعده المرض ، وبرح به البلاء حتى لم يعودوا يقدرون على حركة أو منطق وكلام ، فأين أنت من هؤلاء ؟!
نحن نقدر ما تقولين ، ونألم لما أصابك ، وأنت فتاة جامعية ، لكننا أيضا نقدر نعم الله عليك وعلى عباده جميعا ؛ ونعلم أنك لو تأدبت بأدب النبي صلى الله عليه وسلم لمن أصابه شيء من البلاء ، لهان عليك ما تجدين :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ ؛ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ) .
رواه مسلم (2963) .
إنك لا تعانين ألما جسديا يقطع عليك أحشاءك لا قدر الله ، ولا يصيبك منه فقر معدم تضطرين معه إلى سؤال الناس ، ولا تتعرضين معه إلى القهر والظلم من شرار الناس ، ومن ترينهم من المعافين حولك فإنما ترين منهم الوجه الظاهر ، ولو فتشت عن بواطن أحوالهم لرأيت فيهم وفي بيوتهم أقدارا من البلاء لم تخطر لك على بال ، ولو عرفت بشيء منها ، لحمدت الله على ما أنت فيه من العافية :
أَتَجزَعُ مِمّا أَحدَثَ الدَهرُ بِالفَتى وَأَيُّ كَريمٍ لَم تُصِبهُ القَوارِعُ
فالسعيد من حمد الله تعالى على ما هو عليه ، ورضي بربه ، ورضي عنه ، وتقبل منه بقلب مطمئن ، واثق بما عند الله سبحانه من خلف وأجر عظيم ، وأن هذه الدنيا دار ممر وليست دار مقر ، وما هذه الابتلاءات إلا تذكرة لنا كي لا نحب العاجلة وننسى الآخرة ، فهي في حقيقتها رحمة مهداة من الله سبحانه وتعالى ، كي لا نطغى فنكفر ، ولا ننسى فنقصر ، فنبقى على ذكر دائم بسفرنا فنتزود من الصالحات ، ونستكثر من التقوى ، فإن خير الزاد التقوى .
نحن بحاجة إلى القوة القلبية التي نواجه بها مصابنا ، ولا نحقق ذلك إلا بالتفكر في المعاني السابقة ، وبتذكر ما نحن فيه من نعم أخرى حرمها كثير من الناس ، وفوق ذلك كله أن يعيش كل منا حياة عمل وإنجاز للوصول إلى الأهداف المرسومة لجميع المسلمين ، المتمثلة بإقامة العبودية لله عز وجل ، ونشر القيم والفضيلة ، وجلب السعادة لجميع البشر ، فحين نستغرق في هذا الهم ، ونحيا ونموت لإنجازه وتحقيقه ، فحينها فقط ستهون علينا هذه العوائق أثناء الطريق ، وسندرك أن كل ما دون النار ، وغضب الجبار : محتمل ، ومقدور عليه .
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَوَدُّ أَهْلُ العَافِيَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ ، حِينَ يُعْطَى أَهْلُ البَلاَءِ الثَّوَابَ ، لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالمَقَارِيضِ ) رواه الترمذي (رقم/2402) وقال : حديث غريب . وحسنه الألباني في " صحيح الترمذي ".

فأقبلي على دراستك ، ولا ننصحك بتأجيلها بسبب مرضك ، فلو أن كل مصاب قطع مسيرته نحو النجاح والإنجاز ، لما تحقق له ما يصبو إليه ، ولانقطع عن وصول القمم جميع البشر ، وإننا نشير عليك بأن تلبسي النقاب ، فهو طاعة لله وقربة ، ثم هو يعفيك من شعورك بالنظر الدائم إليك ، ولو كان عندك كلية أخرى نظيرة لما تدرسين فيها ، وأمكن أن تحولي إليها دراستك ، وتبدئي في وسط جديد ، فهو خير .

واعلمي أن الله عز وجل قد أكرمك بإنقاذك من الموت ومحاولتك الانتحار ، فقد عافاك من ذلك الإثم العظيم ، وفتح لك باب التوبة من تلك الوساوس الخاطئة ، وذلك من علامات الخير والحمد لله ، يجب عليك شكرها بالعمل الصالح ، والتوبة النصوح ، والاستغفار ، من جميع ما بدر منك من محاولات الانتحار ، فحين تستذكرين عظيم إثم من يقع في هذا الذنب الكبير علمت جليل نعمة الله عليك ، فالحياة فرصة نادرة واحدة لا تتكرر ، والأمة تحتاج إنجازك وإبداعك ، فأنت لبنة في بناء أمتنا العظيم ، فلا تظني في نفسك الضعف والوهن عن تقديم الخير وإن صغر .
عن نافع قال : " كان ابن عمر إذا جلس مجلسا لم يقم حتى يدعو لجلسائه بهذه الكلمات ، وزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهن لجلسائه : ( اللهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تُحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ ، وَمَنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ ، وَمَنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا ، اللهُمَّ أَمْتِعْنَا بِأَسْمَاعِنَا ، وَأَبْصَارِنَا ، وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا ، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا ، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمْنَا ، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا ، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا ، وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْثَرَ هَمِّنَا ، وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا ، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا ) رواه النسائي في " السنن الكبرى " (9/154)، والترمذي في "السنن " (رقم/3502) وقال : حسن غريب . وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وعن عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : " صَلَّى بِنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ صَلَاةً ، فَأَوْجَزَ فِيهَا ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ : لَقَدْ خَفَّفْتَ أَوْ أَوْجَزْتَ الصَّلَاةَ ، فَقَالَ : أَمَّا عَلَى ذَلِكَ ، فَقَدْ دَعَوْتُ فِيهَا بِدَعَوَاتٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا قَامَ تَبِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ هُوَ أُبَيٌّ غَيْرَ أَنَّهُ كَنَى عَنْ نَفْسِهِ ، فَسَأَلَهُ عَنِ الدُّعَاءِ ، ثُمَّ جَاءَ فَأَخْبَرَ بِهِ الْقَوْمَ : ( اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي ، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي ، اللَّهُمَّ وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ ، وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى ، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ ) رواه النسائي في " المجتبى " (رقم/1305) وصححه الألباني في " صحيح النسائي ".
وللمزيد ينظر الفتوى رقم : (21677) ، (111938) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب