الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

أوصى بمبلغ من المال في مشاركة بناء مسجد فهل للوصي دفعها للفقراء للحاجة ؟

201054

تاريخ النشر : 14-07-2021

المشاهدات : 11998

السؤال

جدتي أوصت بمبلغ معين للمساعدة في بناء جامع ، ونتيجة الظروف الحالية التي تمر بها سوريا ، ووجود الكثير من العائلات المحتاجة : هل يجوز أن يتم توزيع المبلغ المخصص بالوصية على بعض العائلات المحتاجة ، بدلاً من المساعدة في بناء الجامع ؟

الحمد لله.

أولاً:

بناء المساجد من أفضل أعمال البر

بناء المساجد وعمارتها وتهيئتها للمصلين ، من أفضل أعمال البر والخير التي رتب عليها الله تعالى ثواباً عظيماً ، وهي من الصدقة الجارية التي يمتد ثوابها وأجرها حتى بعد موت الإنسان .

قال الله تعالى : إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ  التوبة/18

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : مَنْ بَنَى مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ رواه البخاري (450) ومسلم (533) من حديث عثمان رضي الله عنه .
وللاستزادة ينظر جواب سؤال رقم (146564). 

 

ثانيا :

الواجب إنفاذ الوصية وعدم كتمانها

قال الله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ  البقرة/180-180

جاء في "التفسير الوسيط" – مجمع البحوث الإسلامية - (1/280):

"هذا تحذير من الله، لمن يبدل وصية الميت من الأوصياء والشهود، بعد ما تأكد من صدورها عنه، وإنذار له بأنه آثم مرتكب لكبيرة من الكبائر. ومن كان كذلك، عُوقب عقاب كبائر الذنوب، لأنه أعان على قيام باطل، بدلًا من الإعانة على تنفيذ حق شرعه الله. وتبديل الوصية: يكون بإنكارها، أو بالنقص فيها، أو بتغيير صفتها، أو بغير ذلك.

{إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} فيسمع أقوال المبدلين والموصين، ويعلم نياتهم، فيجازيهم على حسبها، وفي هذا وعيد مؤَكد للمبدلين، ووعد للموصين العادلين. " انتهى.

وعلى ذلك: فالواجب إنفاذ وصية الموصي، وعدم كتمانها، أو كتمان شيء منها، أو نقصانها عما أوصى به، ما دامت في حدود الثلث مما تركه من مال.

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى - : عن رجل أوصى في مرضه المتصل بموته بأن يباع شراب في حانوت العطر قيمته مائة وخمسون درهما، يضاف ذلك إلى ثلاثمائة درهم من ماله وأن يشترى بذلك عقار؛ ويجعل وقفا على مصالح مسجد لإمامه ومؤذنه وزيته . وكتب ذلك قبل مرضه ؟

فأجاب :

" الحمد لله رب العالمين ، إذا أوصى أن يباع شيء معين من ماله، من عقار أو منقول، يضم إلى ثمنه شيء آخر قدره من ماله، ويصرف ذلك في وقف شرعي : جاز .

وإذا كان ذلك يخرج من الثلث: أُخرج، وإن لم ترض الورثة..." انتهى، من "مجموع الفتاوى" (31/318).

وسئل الفقيه ابن حجر الهيتمي، رحمه الله: عن امرأة تشاجرت هي، وزوجها فقالت: حقي بعد عيني صدقة على مسجد كذا؛ فهل هو وقف أو وصية أو نذر؟

فأجاب : " ... إذا أرادت بقولها (بعد عيني)، بعد موتي؛ كان وصية.

وإن لم تُعلم إرادتها؛ فالظاهر العمل بعرف أهل بلدها المطرد في المراد بتلك الكلمة .." .

انتهى، من "الفتاوى الفقهية الكبرى" الهيتمي (4/34).

ثالثا:

حكم تغيير الوصية 

ثم إن الواجب أيضا: ألا تغير هذه الوصية، بما يوقع في الإثم، باتفاق أهل العلم، ولا بجعلها في باب أقل خيرا، أو أقل نفعا مما أوصى به.

قال الإمام أحمد، رحمه الله: "ما أحب أن يُتعدى في الوصية ما أوصى بها الرجل؛ تُمضى كما أوصى بها، ولا يُتعدى ذلك؛ فإن ذلك يلحقه إن شاء الله."، انتهى، من "الوقوف والترجل من كلام الإمام أحمد" (78).

وعلى ذلك؛ فإذا كانت الجدة قد أوصت بمبلغ معين، يوضع في بناء مسجد، فالأصل أن يلتزم ذلك المصرف الذي أوصت له الجدة، ويجعل في بناء مسجد، ما دامت الوصية في حدود الثلث.

ولا يقال: إن دفع حاجة المحتاجين أفضل، فإن المال الموضوع في بناء مسجد: يصير وقفا، وصدقة جارية، يجري على الموصي أجره بعد موته. وذلك أفضل من الصدقة المنقطعة.

وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: " لقد أوصى جدي بثلث ماله على يد والدي، حيث يخرج من الثلث أربعين صاع تمر للصوام في رمضان وسراج دائم للمسجد، وثلاث ضحايا؛ واحدة له وواحدة لأبيه وواحدة لأمه، والباقي من الثلث في أعمال البر، وقد جعل والدي ثلث جدي بيتا وقد توفيا -رحمهما الله-، وهذا البيت يؤجر، وإيجار البيت يكفي الأضاحي والتمر وسراج المسجد، ويفضل ريع من الإيجار وليس البيت محتاجا إلى عمار. ماذا يعمل في هذا الريع الفاضل، أفتوني مأجورين؟" .

فأجابوا:

" إذا كان الواقع كما ذكرت، فاصرف ما فضل من ريع البيت بعد إنفاذ المعين، في الوصية الذي ذكرته في أعمال البر، ولا تحبسه؛ إنفاذا لوصية جدك، وطلبا لجريان عمل البر الذي نص عليه، ومن أعمال البر الصدقة على الفقراء والمساكين، وتعمير المساجد ونحو ذلك. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم." . "فتاوى اللجنة" (16/388).

وجاء فيها أيضا: " والدي .. توفي منذ سنوات طويلة، وخلف أربعة رجال وثلاث بنات وزوجة، وله بيت في بلدة زميقة بالدلم والبيت جوار المسجد الجامع في زميقة تنازلنا نحن الورثة عن البيت سعة للمسجد ومواقف، وله مزرعة قمنا بقسمتها، وكل اختص بنصيبه، الوالد رحمه الله أوصى بثلث ماله في بناء مسجد، واختص بالثلث واحد من الورثة، وهو صالح بن إبراهيم الزير، وأنا بصفتي الوكيل الشرعي للجميع في المخاصمات وإخراج حجة الاستحكام على المزرعة وطلبت من أخي تنفيذ الوصية في بناء مسجد وإعطائي صكا شرعيا باسم والدي إبراهيم بن صاع الزير، وقدر الثلث بثمن ثلاثمائة ألف ريال، ويقول الأخ صالح: سوف أقوم بترميم عدة مساجد وبناء مساجد صغيرة، ونحن نقصد من ذلك براءة ذمة الورثة وتنفيذ الوصية، ولا يلحقهم شيء في ذلك التأخير الذي هو بسبب أخي صالح.

هل تصرفنا جائز أو يكتفى بتصرف صالح على ترميم بعض المساجد حسب قوله؟ أفتونا في ذلك." .

فأجابوا:

" يجب على القائم على تنفيذ الوصية أن يتقي الله سبحانه وتعالى في هذه الوصية، وذلك بتنفيذها كما حدده الموصي، فإنه مؤتمن فيما وكل إليه، فإذا كان والدك قد أوصى بثلث ماله لبناء مسجد فإنه يجب أن يصرف هذا المبلغ في بناء مسجد واحد كما حدده الموصي، ولا يجوز أن يصرف هذا المال في ترميم بعض المساجد وبناء مساجد صغيرة؛ لأن في ذلك مخالفة لوصية الموصي، وتفويتا للغرض الذي أراده الموصي من الوصية، وينبغي للقائم على الوصية أن يراعي المصلحة عند بناء المسجد؛ وذلك ببنائه في مكان مناسب يحقق الغرض الذي أقيم من أجله، فكلما كان المسجد في مكان سكانه بأشد الحاجة إلى إقامته فيه كان أفضل؛ وذلك براءة للذمة وأداء للواجب كما ينبغي. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو ... عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس

بكر أبو زيد ... صالح الفوزان ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز آل الشيخ ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى، من "فتاوى اللجنة" (16/351).

وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز، رحمه الله: " أوصى رجل قبل وفاته بربع ماله يقسم كما يلي: أضحية تذبح له كل عام - صدقات للفقراء والمساكين - أعمال بر ووجوه خير، وماله الذي أوصى بربعه هو عبارة عن عقارات وأرصدة قليلة في بعض البنوك. وسؤالي هل يجوز أن نصرف ما أوصى به في بناء مسجد فقط أم نتقيد بالأشياء التي حددها الموصي فقط؟ .

فأجاب:

" الواجب في مثل هذه الوصية التقيد بما ذكره الموصي، وهكذا جميع الوصايا الشرعية يجب التقيد فيها بما ذكره الموصي وتنفيذ ذلك حسب الإمكان. والله ولي التوفيق. "مجموع فتاوى ابن باز" (20/99).

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب