الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

عقد على امرأة ثم سمع أنها كانت على علاقة بغيره ويريد تطليقها بحجة أن أهلها قد أخفوا عنه ذلك

203229

تاريخ النشر : 14-01-2014

المشاهدات : 5680

السؤال


عقدت على امرأة ، وقبل الدخول تبين لي أن خطيبتي كانت على علاقة مع شاب يحبها وتكلمه ، وقد كان سببا في طلاقها من خطيبها الاول ، وقد فضح هذا الشاب أمر خطيبتي في بلدنا بالوثائق (الفيس بوك) ، واشتهرت القضية ؛ لأنه يريدها والأب يرفض. وأنا عازم على تطليقها لإخفاء أهلها عليَّ هذا الأمر ، وقد سألتهم قبل الخطبة عن سبب طلاقها ، فأجابوني أن خطيبها الأول كان مجنونا. فما حكم الهدايا والمصاريف والمهر شرعا ؟

الجواب

الحمد لله.


جاء القرآن الكريم شفاء لكل ملمة تنزل بالناس في أمور دينهم أو دنياهم , فمن اهتدى بهدي القرآن واتبع أوامره فلا يضل ولا يشقى , ومما أمر به القرآن الناس عند مجيء الأخبار أن يتثبتوا ويتبينوا , قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) الحجرات/ 6 ، يقول الشيخ السعدي رحمه الله : " وهذا أيضًا، من الآداب التي على أولي الألباب ، التأدب بها واستعمالها، وهو أنه إذا أخبرهم فاسق بخبر أن يتثبتوا في خبره ، ولا يأخذوه مجردًا ، فإن في ذلك خطرًا كبيرًا، ووقوعًا في الإثم ، فإن خبره إذا جعل بمنزلة خبر الصادق العدل : حكم بموجب ذلك ومقتضاه ، فحصل من تلف النفوس والأموال، بغير حق، بسبب ذلك الخبر ما يكون سببًا للندامة ، بل الواجب عند خبر الفاسق ، التثبت والتبين ، فإن دلت الدلائل والقرائن على صدقه ، عمل به وصُدق ، وإن دلت على كذبه ، كذب ، ولم يعمل به ، ففيه دليل، على أن خبر الصادق مقبول ، وخبر الكاذب ، مردود، وخبر الفاسق متوقف فيه كما ذكرنا " .
انتهى من " تفسير السعدي " (1 / 800).
وهذا الشاب الذي يزعم أنه كان على علاقة بزوجتك من قبل لا شك أنه فاسق ، لأنه إن كان صادقا في كلامه : فقد ارتكب ما يوجب الفسق ، وهو إقامة علاقة مع امرأة أجنبية , وإن كان كاذبا فقد ارتكب أيضا ما يوجب فسقه ، وهو الكذب ، واتهام بريئة في عرضها ، وهذا يوجب الفسق بلا خلاف.
لذا فالنصيحة لك أيها الأخ السائل أن تعرض عن كلام هذا الرجل ، فإنه عاص لربه مجترىء على حدوده ومحارمه , وننصحك أن تمسك عليك زوجك وألا تستقصي في الأمر ، فربما كان الرجل كاذبا , وإن كان صادقا فالمأمول من حال زوجتك أنها قد تابت من هذا الفعل , وأقبلت على حياتها الجديدة بتوبة وعزم على الاستقامة , والتائب لا تثريب عليه , وليس له أن يفضح نفسه ، ولا أن يهتك ستر الله عليه ، وقد جاء في الحديث ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ) رواه ابن ماجه (4250) ، وصححه الألباني في " صحيح ابن ماجه " .
لكن إن كنت ولا بد مفارقا زوجتك ، ولم يعد لك حاجة في إمساكها ، والإبقاء على نكاحك : فعليك حينئذ أن توفيها حقوقها ؛ لأنه لا ذنب لها في هذا الفراق , وما أخفاه عنك أهلها من هذه الأخبار : لا حرج عليهم فيه ، بل هو الواجب عليهم ؛ وإلا فماذا تنتظر منهم ؟ هل تنتظر منهم أن يشهروا بابنتهم ، ويهتكوا سترها ويروجوا عنها الشائعات – هذا على فرض كون هذه الشائعات صادقة –
وأما عن حقوق زوجتك : فإن كنت قد سميت لها مهرا ، ولم تدخل بها ، ولم تخلُ بها خلوة صحيحة يمكن فيها الوطء عادة : فإن لها نصف المهر ؛ لقوله تعالى : ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) البقرة/ 237
جاء في "الموسوعة الفقهية" (39/ 177) : " اتفق الفقهاء على أن من طلق زوجته قبل الدخول بها وقد سمى لها مهرا : يجب عليه نصف المهر المسمى لقوله تعالى : ( وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم ) ، وهو نص صريح في الباب فيجب العمل به " انتهى .
والمهر هو مجموع ما دفعت من النقود والشبكة والمؤخر .
وإن كنت لم تسم مهرا : فلها المتعة , والمتعة تكون بحسب حال الزوج ، الموسع الغني ، والمقتر الفقير المعسر . قال تعالى : ( وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ) البقرة/236 ، فليس فيها شيء محدد , ويراجع الفتوى رقم : (126281 ).
أما إن كنت قد دخلت بها ، أو خلوت بها خلوة صحيحة يمكن فيها الوطء عادة ؛ فحينئذ يجب لها جميع المهر.
وأما الهدايا التي أهديتها لها وقبضتها : فقد تملكتها وصارت حقا لها ، فلا يحق لك أن تطالبها من ذلك لا بقليل ولا بكثير , إلا أن تتنازل هي عنها بطيب نفس منها ؛ فإن الرجوع في الهبة محرم , روى البخاري (2589) ، ومسلم (1622) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ) .
وفي رواية للبخاري (2622) : ( لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ ، الَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ) .
فهذا الحديث يدل على تحريم الرجوع في الهبة .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : شخص وهب زوجته منزله كاملا بما فيه من الأثاث ، فهل بإمكانه أن يسترجع هبته ، وما هي الطريقة ؟
فأجابوا : "إن لم تكن الزوجة قبضت ما وهب لها زوجها بما يعتبر قبضاً عرفاً : فله أن يرجع في هبته، إلا أن ذلك ليس من مكارم الأخلاق ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه) وإن كانت قبضته بما يعتبر حيازة لمثله عرفا فقد صار ملكا لها ؛ لا يمكنه الرجوع فيه شرعا إلا برضاها ، ومع ذلك يكون رجوعه فيه بعد طيب نفسها برده إليه -منافيا للمروءة ومكارم الأخلاق. وإن تنازعا في الهبة أو فيما يعتبر قبضا كان الفصل في ذلك إلى المحاكم الشرعية " انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة (16/247) .
والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب