الأربعاء 15 شوّال 1445 - 24 ابريل 2024
العربية

تأثرت نفسيتها كثيراً بسبب زواج زوجها عليها، فهل يجوز لها الامتناع عن معاشرته؟

203566

تاريخ النشر : 25-11-2013

المشاهدات : 131255

السؤال

تزوج زوجى علي بعد حوالى 11عام من زواجنا ، وهو يشكر في جدا ، ويقول : إنني نعم الزوجة ، وكلام من هذا القبيل !! طبعا الموضوع ده جرحنى جدا، وجعل معاشرة زوجي لي من الأمور الصعبة علي جدا ، لا أتحملها ، وبعدها تكون حالتي النفسية في قمة السوء . أعرف أنه لم يفعل حراما ، ولم يغضب الله بزواجه الثانى ، ولكنى متضررة نفسيا جدا . فهل يجوز لي أن أنفصل عنه داخليا ؟ يعني : نعيش بلا معاشرة ؛ لأني لا أريد الطلاق بسبب أبنائي ، لا أريد لهم تربية مشتتة بين أب وأم مطلقين . ولي سؤال آخر : هل أنا أعتبر مظلومة ؟ لأني كنت أحاول إرضاء زوجي بكل الطرق الممكنة ، وهو كان سعيدا معي على حد كلامه ، وهو كان ولازال دائما مشغولا بعمله ، وكنا لا نراه إلا قليلا ، وأنا كنت أصبر على تأخره خارج البيت كثيرا ، وأتحمل الانتظار ، فبصراحة لما عرفت إنه تزوج ، حسيت بالظلم الشديد .

الجواب

الحمد لله.


إن من أصعب المواقف وأشدها ثقلا على نفسية المرأة ، اكتشافها زواج زوجها من غير سابق إعلام ولا تقصير منها .
تجتاحها رغبة عارمة في الانتقام منه ، وتتقاذفها مشاعر خيبة الأمل ، والإحساس بالخذلان والظلم العميق ، والشعور بنكران الجميل ، جميل سنوات العشرة السابقة ، وتحمل مرارة العيش ، ومصاعب الحياة ، ليخرج هو من ذلك كله : بزواج آخر ، لا يقابله أي شيء بالنسبة لها .
لكنها ، رغم كل تلك المشاعر ، كثيرا ما تكون مقيدة برباط وثيق ، لا يمكنها الفكاك منه ؛ إنه رباط الأبناء ، الذين هم ثمرة ذلك الزواج ، وتلك السنين الخوالي .
لكن ماذا لو نزعنا النظارة السوداء القاتمة ، ورأينا الجزء المملوء من الكأس ، وحاولنا إعادة ترتيب هذه الفوضى العارمة التي اجتاحتنا ؟
لماذا لا نستغل الأمور لصالحنا ، ونجعلها مناسبة للإبقاء على المكتسبات القديمة ، وربح مكتسبات أخرى جديدة ؟
فلنعد إذن ترتيب الأمور بمنطق القوة والربح ، لا بمنطق الضعف والخنوع والخسارة ، ولنبدأ بالمكتسبات القديمة :
- زوج محب
- سعيد معك وينوه بذلك .
- يثني عليك ويذكر أنك ممتازة .
- تحبينه وسعيدة معه ، بدلالة أنك كنت تحاولين إسعاده وإرضاءه بكل الطرق .
- أبناء تحبينهم ولا تريدين لهم أن يعيشوا بين والدين منفصلين .
- كل هذه المكتسبات القديمة : ليس من العقل ، ولا الحكمة ، ولا الشرع ـ أيضا ـ في شيء أن نجازف بها ، ونفرط فيها ، بمواقف عاطفية مندفعة ، أو قرارات متسرعة .
لنكن صرحاء :
أنت الآن أمام زوج قد تزوج بأخرى فعلا ، وصرت أنت أمام أمر واقع ، لا أمر متوقع أو مخوف .
لم يبق هناك قيمة كبيرة للوقوف عند مشكلة وقعت ، لا يظهر أن الواقع في مصلحتك ، حينما تريدين حلها بما قد يرضيك ، حذف الفكرة من حياتك بطلاقها ، لا يظهر أن هذا التفكير سوف يفيدك كثيرا ، بل سوف يدخلك في صراع طويل ، ليس من المؤكد معرفة من سيربحه .
لا يظهر أن الواقع في مصلحتك في مثل هذه المعركة ؛ لا ، بل إن الشرع لا يقبل إدارة مثل هذا الصراع ، أو الدخول فيه ، والرغبة في "مغالبة" أحد أطرافه ، ليخلو المجال لإحدى الزوجتين ، أو إحدى الزوجات :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ تَسْأَلِ المَرْأَةُ طَلاَقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا ، وَلْتَنْكِحْ ، فَإِنَّ لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا .
رواه البخاري (6600) ، ومسلم (1408) .
ومعنى الحديث : أن المرأة ، سواء كانت أجنبية لم تتزوج ذلك الرجل ، أو كانت زوجة أخرى تريد أن يفرغ لها وجه زوجها : لا يحل لها أن تطلب من زوجها طلاق "أختها" ، من أجل أن يخلص لها نصيبها من زوجها ، من النفقة ، والعشرة ، ونحو ذلك ، ولا يمنعنها ذلك من النكاح ؛ فإن لكل واحدة منهما رزقها !!
وإذا كان قد أمر المرأة التي لم تتزوجه بعد ، أن "تنكح" ، وسوف يأتيها رزقها ؛ فمن باب أولى ، وأولى : أن يأمر الزوجة الأولى : بالصبر على نكاحها ، والمحافظة عليه ؛ وسوف يأتيها رزقها من ذلك كله .
وتأملي ـ يا أمة الله ـ كيف عبر عن الزوجة الأخرى بأنها "أختها" !!
ومهما كانت الأسباب ، فلا يمكن الحديث عن ظلم من الناحية الشرعية ، إلا إذا كان تقصيره معك من حيث العدل بينكما فيما شرع فيه العدل ، وإلا فتبقى حقيقة الأمر : ابتلاء لك ، يتوجب معه منك الصبر والرضا ، الصبر الإيجابي الذي يبعث الحياة في علاقتكما ، ويجعلك تعيدين ترتيب أوراقك من جديد ، ويبقى هو على كل حال لم يقترف حراما ، ولا حتى مكروها ، بل ذاك حقه ؛ قد خوله الله له ، ومباح رزقه الله إياه ، ولا اعتراض على حكمة الله من تشريعاته .
إذن كثرة النبش في هذه النقطة لن تضيف جديدا ، ولن تقبلي على نفسك أن تكوني سببا في تخريب بيتك من جهة ، وبيت أخت لك في الله ـ تذكري الحديث السابق ـ فقط بدافع الغيرة الفطرية في كل امرأة .
يحتاج الأمر فعلا إلى وقت ، فامنحي نفسك الفرصة الكافية لتقبل الوضع وللتعايش معه ، وعسى أن تكرهي شيئا ، ويجعل الله لك فيه خيرا كثيرا .
إن لك حاجة فطرية إلى الرجل ، كما أن له حاجة فطرية إليك ، كذلك ، فلا تعاندي فطرتك ، ولا تعاندي نفسك ، لأجل شعور ، يوشك أن يزول عنك ، عما قريب ، إن شاء الله ، لتتكيفي مع حياتك الجديدة .
وحق الرجل في معاشرة امرأته ، من أعظم وأوجب حقوقه عليها ، وحقها هي كذلك أيضا ؛ فليس من حقك أن تمنعيه من ذلك ، ولو كان له سواك ثلاث زوجات ، لا زوجة واحدة .
نعم ، إذا كان بك داء ، أو ألم ، عضوي ، أو نفسي ، فلا مانع من استسماحه فترة معينة ، بقدر ما يخفف الله عنك ذلك .
لكن ، لا يكون ذلك على وجه الدوام ، وما تسمينه "الانفصال الداخلي" ؛ فهذا منكر ، ليس من حقك أن تسعي إليه .
فأما إذ أبيت ، فالأمر هنا سوف يعود إلى زوجك ، فالحق حقه ؛ فإن قبل أن يبقيك على ذمته ، ويتنازل عن حقه منك : فله ذلك .
وإن أبى ، فالحق حقه ، وليس لك أن تمنعيه ذلك ، فضلا عن أن تبقي على ذمته ، وأنت على تلك الحال .
وحينئذ ، سوف يكون الخيار مرا بالنسبة لك ، ولن يقول لك عاقل : إن من المقبول أن تخربي بيتك بيدك ، وأن تجني على نفسك ، وعلى أولادك ، بقرار عاطفي ، وردة فعل غاضبة .
يسر الله لك أمرك ، وشرح صدرك ، وجمع بينك وبين زوجك وأولادك في خير .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب