الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

الواجب على العامي أن يقلد علماء بلده ولا يخرج عن أقوالهم

السؤال

هل يجوز للعامي أن يستفتي ويأخذ بأقوال أي عالم ، أو عليه أن يستفتي علماء البلد التي يعيش فيها فقط ؟

الجواب

الحمد لله.

الناس ثلاثة أقسام :

القسم الأول: العالم المجتهد ، وهو من عنده القدرة على استنباط الأحكام من نصوص الكتاب والسنة مباشرة ، فهذا لا يجوز له أن يقلد أحدا من العلماء ، بل يتبع ما أداه إليه اجتهاده ، وافق علماء عصره أم خالفهم .

القسم الثاني :

طالب العلم المتمرس في طلب العلم حتى صار لديه القدرة على الترجيح بين أقوال العلماء ، وإن كان لم يصل إلى درجة الاجتهاد ، فهذا لا يلزمه أن يقلد أحدا من العلماء ، بل يقارن بين أقوال العلماء وأدلتها ويتبع ما ظهر له أنه القول الراجح .

القسم الثالث :

العوام وهم من ليس عندهم حصيلة من العلم الشرعي تؤهلهم للترجيح بين أقوال العلماء ، فهؤلاء لا يمكنهم استنباط الأحكام من نصوص الكتاب والسنة ، ولا يستطيعون الترجيح بين أقوال العلماء ولذا ، فالواجب عليهم سؤال العلماء واتباع أقوالهم . قال الله تعالى : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النحل/43.

ويلزمهم أن يقلدوا علماء عصرهم ، بل علماء بلدهم ، حتى لا يفتح لهم الباب للاختيار من أقوال العلماء ما شاءوا – وهم ليس عندهم الأهلية للترجيح – فسوف يختارون الأسهل دائما والموافق لهواهم ، وهذا سوف يؤدي إلى كثرة التنازع والاختلاف وتحلل الناس من أحكام الدين شيئا فشيئا.

وقد نص العلماء على هذه الأقسام الثلاثة .

أما القسمان الأول والثاني فقد قال الطوفي في "مختصر الروضة" (3/629)

" المجتهد إذا اجتهد وغلب على ظنه أن الحكم كذا لا يجوز له تقليد غيره بالاتفاق ، أي: لا خلاف في ذلك.

أما من لم يجتهد في الحكم بعد، وهو متمكن من معرفته بنفسه بالقوة القريبة من الفعل ، لكونه أهلا للاجتهاد فلا يجوز له تقليد غيره أيضا مطلقا ؛ لا أعلم منه ولا غيره؛ لا من الصحابة رضي الله عنهم ولا غيرهم " انتهى.

وأما القسم الثالث وهم العوام ، فقد جاء "تنقيح الفتاوى الحامدية " (7/431) بترقيم الشاملة : "فَائِدَةٌ : وَظِيفَةُ الْعَوَامّ التَّمَسُّكُ بِقَوْلِ الْفُقَهَاءِ وَاتِّبَاعُهُمْ فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ ... لَا اخْتِيَارَ لِلْعَامِّيِّ فِي أَقْوَالِ الْمَاضِينَ ، وَلَهُ الِاخْتِيَارُ فِي أَقَاوِيلِ عُلَمَاءِ عَصْرِهِ إذَا اسْتَوَوْا فِي الْعِلْمِ وَالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ ، ومن وقعت له حادثة فأَخْبَرَهُ عُلَمَاءُ عَصْرِهِ بِأَقَاوِيلِ الصَّحَابَةِ لَا يَسَعُ الجاهل أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى يَخْتَارَ لَهُ الْعَالِمُ بِالدَّلِيلِ" انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "الناس يختلفون، فمنهم من يصل إلى درجة الاجتهاد ومنهم دون ذلك، ومنهم من يكون مجتهداً في مسألة من المسائل، يحققها ويبحث فيها ويعرف الحق فيها دون غيره، ومن الناس من لا يعرف شيئاً. فالعامة مذهبهم مذهب علمائهم، ولهذا لو قال لنا قائل: إنني أشرب الدخان؛ لأن في البلاد الإسلامية الأخرى من يقول: إنه جائز، وأنا لي حرية التقليد، قلنا: لا يسوغ لك هذا؛ لأن فرضك أنت هو التقليد، وأحق من تقلد علماؤك، ولو قلدت من كان خارج بلادك أدى ذلك إلى الفوضى في أمر ليس عليه دليل شرعي. ولو قال: إنه سيحلق لحيته؛ لأن من علماء الأمصار من قال: لا بأس بذلك، نقول له: لا يمكن، أنت فرضك التقليد، لا تخالف علماءك، ولو قال: أنا أريد أن أطوف على قبور الصالحين؛ لأن من علماء الأمصار من قال: لا بأس بذلك، أو قال: أريد أن أتوسل بهم إلى الله، وما أشبه ذلك، قلنا: لا يمكن هذا. فالعامي يجب عليه أن يقلد علماء بلده الذين يثق بهم، وقد ذكر هذا شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله، وقال: العامة لا يمكن أن يقلدوا علماء من خارج بلدهم؛ لأن هذا يؤدي إلى الفوضى والنزاع، ولو قال: أنا لا أتوضأ من لحم الإبل؛ لأنه يوجد من علماء الأمصار من يقول: لا يجب الوضوء منه لقلنا: لا يمكن، يجب عليك أن تتوضأ ، لأن هذا مذهب علمائك وأنت مقلد لهم" انتهى من "لقاءات الباب المفتوح" ( 32/19) .

وقال أيضا رحمه الله : "أما عامة الناس فإنهم يلزمون بما عليه علماء بلدهم؛ لئلا ينفلت العامة؛ لأننا لو قلنا للعامي: أي قول يمر عليك لك أن تأخذ به، لم تكن الأمة أمة واحدة، ولهذا قال شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله: العوام على مذهب علمائهم. فمثلاً: عندنا هنا في المملكة العربية السعودية أنه يجب على المرأة أن تغطي وجهها، فنحن نلزم نساءنا بذلك، حتى لو قالت لنا امرأة: أنا سأتبع المذهب الفلاني وكشف الوجه فيه جائز، قلنا: ليس لكِ ذلك؛ لأنكِ عامية ما وصلتِ إلى درجة الاجتهاد، وإنما تريدين اتباع هذا المذهب لأنه رخصة، وتتبع الرخص حرام. أما لو ذهب عالم من العلماء الذي أداه اجتهاده إلى أن المرأة لا حرج عليها في كشف الوجه، ويقول: إن امرأتي سوف أجعلها تكشف وجهها. قلنا: لا بأس، لكن لا يجعلها تكشف الوجه في بلاد يسترون الوجوه، يمنع من هذا؛ لأنه يفسد غيره، ولأن المسألة فيها اتفاق على أن ستر الوجه أولى، فإذا كان ستر الوجه أولى فنحن إذا ألزمناه بذلك لم نكن ألزمناه بما هو حرام على مذهبه، إنما ألزمناه بالأولى على مذهبه، ولأمر آخر وهو ألا يقلده غيره من أهل هذه البلاد المحافظة، فيحصل من ذلك تفرق وتفتيت للكلمة. أما إذا ذهب إلى بلاده فلا نلزمه برأينا، ما دامت المسألة اجتهادية وتخضع لشيء من النظر في الأدلة والترجيح بينها" انتهى من "لقاءات الباب المفتوح " (32/19) .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب