الثلاثاء 14 شوّال 1445 - 23 ابريل 2024
العربية

كيفية توزيع الأرض الأميرية على الورثة وحق الأولاد فيما أنفقوه على عقار مورثهم

218132

تاريخ النشر : 16-11-2014

المشاهدات : 52197

السؤال


توفي أب عام 2013م ، وقد كان متزوجا من ثلاثة نساء ، ز1 ، ز2 ، ز3. عند وفاته كانت له : زوجة ( ز3) ، وأربع أبناء ، وخمس بنات . تركته : عقاران . في حياته أسكن ابنه الأكبر من ز1 في شقة ، وقام الابن بإتمام إكسائها على نفقة الابن ، وأسكن في شقتين ابنيه ، وكساؤها على نفقتهما . صرح الأب أمام أبنائه أن لكل منهم شقته ، وتقيّم على الهيكل بالإرث وليس الكساء ، وتبقى قيمة الكساء لكل شقة حقا للابن ، ويشهد بهذا أبناؤه وبناته ممن حضر الحديث . وقام بتمليك مسجل لثلاثة أرباع عقار (3) أبناء ، وعرض على بنتيه من ز1، فلم تستحسنا الفكرة ، فتوقف التوزيع . قد دفعت له الزوجة الثالثة مبلغا من المال على أن يملكها نصف شقة ، هذا بشهادة بعض أبنائه وإعلان الأب بما حصل ، ولكن قال بالنصف الآخر للشقة تؤول لها بحال وفاته وتعتبر إرثها . العقار الأول بصفة أميري لدى الدولة ، ولدى السؤال عن توزيع الإرث القانوني قيل إنها مسجلة أرضا تزرع حبوبا أميرية ، ولو كان عليها أشجار ملك أو بناء ملك لأصبحت إرثا شرعيا ، وتوزع وفقا للمسألة : من 104 حصة على النحو : ( 13 للزوجة ز3 ) (14 لكل ذكر) (7 لكل انثى) رغم أن الأب قد بنى عقارا عليها ، ولكنه غير مسجل قانونا كي يحسب إرثا شرعيا وليس قانونيا . - كيف نتصرف بما وهبه الأب لأبنائه من ثلاثة أرباع العقار الثاني ، والأموال التي دفعت مقابل تمام التمليك ؟ - كيف نتمم حق الزوجة الثالثة بعقدها مع الأب بأنها دفعت نصف ثمن شقة ولم تستلمه ، ولم يتمم بناؤه بالكساء ، وبيان أن لا وصية لوارث ؟ - كيف نعامل كسوة الأبناء لشققهم الممنوحة من الأب والمبالغ التي صرفها الأبناء حينها بالكساء وبتمليك العقارات ؟ - شرعيا هل نأخذ بالقسمة الأميرية للعقار الأول رغم أن ما بني عليه من مال الأب ؟ - شرعيا كيف نقسم التركة بين الورثة للعقارين ( قانوني شرعي ) ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
ما دفعه الأبناء الثلاثة من أموالهم الخاصة في تشطيب الشقق أو "كسوتها" على حد تعبير السؤال ، هو حق خاص لهم ، لا يدخل في التركة التي تركها والدهم والتي تقسم على الورثة .
ولكن ينبغي التنبه إلى أن الحق الذي يجب أن يحفظ لكل واحد منهم هو بحدود شقته وما أنفقه فحسب ، من غير سمائها ولا أرضها ، بل يبقى سقف البناء وأرضه المشتركة تركة تقسم بين الورثة القسمة الشرعية ، وقد سبق بيان هذا في عدد من الفتاوى ، ينظر منها : (131901) ، (182290) ، (184120) ، (193143).
ثانيا :
لا يجوز للوالد أن يخص بعض أولاده بالهبة ، بل الواجب عليه أن يعدل بين جميع أولاده ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ ) . رواه البخاري (2587) ، ومسلم (1623) .
فإن حصل تفضيل لبعض الأولاد فالواجب إبطال ذلك وإلغاؤه ، سواء كان ذلك في حياة الوالد أو بعد وفاته .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عمن فضل بعض أولاده على بعض :
" والصحيح من قولي العلماء أنه يجب عليه أن يرد ذلك في حياته ، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن مات ولم يرده رُدَّ بعد موته على أصح القولين أيضا ، طاعة لله ولرسوله ، واتباعا للعدل الذي أمر به ، واقتداء بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، ولا يحل للذي فضل أن يأخذ الفضل ، بل عليه أن يقاسم إخوته في جميع المال بالعدل الذي أمر الله به ، والله سبحانه وتعالى أعلم" انتهى من " الفتاوى الكبرى " (4/184) .
وعلى هذا ، فالشقق التي أخذها الأبناء الثلاثة يجب أن ترد إلى التركة وتقسم على جميع الورثة ، ولكنها ترد على أنها لم تكن جاهزة ، فيحفظ لكل ابن الأموال التي أنفقها لتجهيز الشقة .
وتحديد هذا بدقة قد يكون متعذرا أو صعبا للغاية ، ففي هذه الحالة لا بد من التفاهم والتراضي بين الورثة .
ثالثا:
أما الزوجة فلها نصف الشقة ملكا لها ، مقابل ما دفعته من مال لزوجها في حياته .
وأما النصف الآخر للشقة فليس هذا بوصية حتى يقال : (لا وصية لوارث) . وإنما هو تحديد لنصيبها من الإرث ، وهو الثمن ، فإن رضيت هي وجميع الورثة أن تأخذ نصف الشقة مقابل حقها من التركة فلا حرج في ذلك ، وإن تنازعوا فإنها يكون لها ثمن التركة ، وهذا النصف المتنازع عليه يدخل في التركة ويقسم على جميع الورثة .
رابعا :
إذا كان بالإمكان تسجيل البناء بوجه رسمي ليصار إلى قسمته القسمة الشرعية ، فهو أولى وأوجب ، وذلك أن البناء من مال الوالد الخاص وتركته ، ولا ينطبق عليه وصف ( الأميري )، فالواجب تقسيمه القسمة الشرعية ، فإن لم يتحقق ذلك إلا بالتسجيل الرسمي وجب ، كي لا تضيع الحقوق .
أما إذا لم يكن التسجيل الرسمي متاحا بعد وفاة الوالد ، فلا مفر من قبول التقسيم ( الأميري )، ثم بعد ذلك يقوم الأبناء فيما بينهم بتقسيم العقار الذي بناه الوالد من ماله فقط ، بحيث يقسم قسمة التركة ، وليس القسمة ( الأميرية ).
أما الأرض المسجلة ( أميرية ) فلا بأس بقبول التقسيم القانوني لها ، وذلك أن معنى كونها ( أميرية ) أنها ليست ملكا متمحضا لأحد ، وإنما هي مخصصة من قبل الدولة لهذا الإنسان لينتفع بها طيلة حياته ، وتبقى ملكيتها للدولة ، وبعد وفاته تفعل بها الدولة ما تشاء ، سواء بقسمتها بين الورثة بالطريقة التي تراها ، أو بتخصيص بعض الورثة بها دون الآخرين ، أو باسترجاعها ومنحها لجهة أخرى ، فتقسيم ( الأراضي الأميرية ) بين الذكور والإناث بالتساوي جائز لا بأس به ؛ لأنه يقع على وجه الهبة من الدولة ، وليس على وجه " تقسيم التركة "، وهذا أمر معلوم ومشهور في بلاد الشام .
قال الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله :
" الأراضي الأميرية الزِّراعية التي لم يَصل إليها العُمران ، قد أَوْجَب فيها قانون انتقالات الأموال غير المنقولة الصادر في العهد العثماني ، أن يُعطَى وليُّ الأمر فيها بمقتضى هذا القانون حقًّا في التصرف بها ( بدون مِلكية الرَّقبة )، ويَنتقل حق التصرف هذا إذا تُوفِّيَ المتصرِّف ذو اليَدِ إلى الأولاد ، وأحد الزوجين ، بنسبة تختلف عن الإرْث ، فالأولاد يَتساوَى الذكور والإناث .
وقد خَرَّجت المشيخة الإسلامية هذا القانون تخريجًا شرعيًّا ، باعتبار أنَّ هذا الانتقال ليس إرْثًا ؛ ليكون مخالفًا للإرث الشرعي ، وإنما هو انتقال التصرف في أرض لا تزال رقبتها ملكًا للدولة ، ولم تَدخل في ملك الأفراد ، وطريقة انتقال هذا التصرف يَعود ترتيبها إلى وليّ الأمر ( الخليفة ). وقد رأى ولي الأمر بهذا القانون أنْ يَتساوى الأولاد ذكورًا وإناثًا ؛ لأنهم يعملون مع آبائهم وأمهاتهم في الأراضي الزراعية بصورة متساوية . فرأي ولي الأمر في ذلك مقبولٌ شرعًا ، وهو مَبنيٌّ على المصلحة العامة التي يُعود إليه تقديرها وَفقًا للقاعدة الشرعية : إنَّ التصرُّف على الرَّعيَّة مَنُوطٌ بالمصلحة ، وليس تغييرًا لنظام الإرث في الأملاك الخاصة " .
انتهى من " فتاوى الزرقا " (ص/146، بترقيم الشاملة آليا) .
وقد سبق لكل من دور الإفتاء المصرية والفلسطينية والأردنية ، وكثير من علماء الشام ، إصدار الفتاوى التي تشرح هذه القضية ، وتبين صحة العمل بالتقسيم ( الأميري ) أو باللغة العامية (المِيري)، بناء على التخريج السابق . للمراجعة ، ينظر على سبيل المثال :
http://www.aliftaa.jo/Question.aspx?QuestionId=2899#.U272YoGSzng

هذا وقد مر قانون الأراضي الأميرية بمراحل كثيرة في الدولة العثمانية ، تفاوتت فيها القسمة ما بين زمان وزمان ، ثم بعد انتهاء الخلافة ، آل الأمر إلى الدول الإسلامية المتفرقة التي ورثت هذا القانون وتطبيقاته ، فاستمرت بعض الدول على ما استقر عليه القانون العثماني ، وبعضهم غير وبدل .
وللاطلاع على تفاصيل مراحل التقسيم ( الأميري ) يمكن الرجوع إلى كتاب " الفريدة في حساب الفريضة " (172-206) للشيخ محمد نسيب البيطار رحمه الله ، قاضي القدس الشرعي الأسبق .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب