الحمد لله.
أولاً :
هذا الأثر ذكره أبو طالب المكي في " قوت القلوب " (2/283) ، وأبو حامد العزالي في " إحياء علوم الدين " (3/86) ، والصنعاني في " سبل السلام " (2/652) منسوباً إلى عائشة رضي الله عنها دون سند ، بلفظ : ( أول بدعة حدثت بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الشبع ) .
ولكن لم نجد له أصلاً مسنداً بهذا اللفظ في شيء من دواوين السنة .
وقد روي عن عائشة رضي الله عنها بلفظ آخر مختلف .
فرواه ابن أبي الدنيا في كتاب " الجوع " (ص: 43) من طريق غَسَّانُ بْنُ عُبَيْدٍ الْأَزْدِيُّ الْمَوْصِلِيُّ ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ الْبَصْرِيُّ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ : " إِنَّ أَوَّلَ بَلَاءٍ حَدَّثَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ قَضَاءِ نَبِيِّهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الشِّبَعُ ، فَإِنَّ الْقَوْمَ لَمَّا شَبِعَتْ بُطُونَهُمْ سَمِنَتْ أَبْدَانُهُمْ ، فَتَصَعَّبَتْ قُلُوبُهُمْ ، وَجَمَحَتْ شَهَوَاتُهُمْ ".
ولكن سنده ضعيف ، بسبب غسان بن عبيد ، فقد ضعفه الإمام أحمد ، وقال فيه ابن عدي : " والضعف عَلَى حديثه بيِّن " انتهى من " الكامل في ضعفاء الرجال" (7/115) .
ولذلك قال الشيخ الألباني في "ضعيف الترغيب" (1239) عن هذا الأثر: " منكر موقوف" انتهى .
وقد سبق الكلام عليه في جواب السؤال : (102374) .
ووصف " الشبع " بأنه بدعة –
إن صح - معناه : أنه سلوك جديد على المسلمين لم يكن موجودا على عهد الرسول صلى الله
عليه وسلم الذي رغب في عدم الإكثار من الطعام في أحاديث كثيرة ، منها قوله صلى الله
عليه وسلم : ( مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ ، بِحَسْبِ ابْنِ
آدَمَ أُكُلاتٍ يُقِمْنِ صُلْبَهُ ، فَإِنْ كَانَ لاْ مَحَالَةَ فَثُلُثٌ
لِطَعامِهِ ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ ) رواه الترمذي (2380) ،
وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2265) .
ثانياً :
أما أول بدعة ظهرت في الإسلام فهي بدعة الخوارج الذي يكفرون المسلمين بغير حق .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " وَلِهَذَا يَجِبُ الِاحْتِرَازُ مِنْ تَكْفِيرِ
الْمُسْلِمِينَ بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا ، فَإِنَّهُ أَوَّلُ بِدْعَةٍ ظَهَرَتْ
فِي الْإِسْلَامِ ، فَكَفَّرَ أَهْلُهَا الْمُسْلِمِينَ وَاسْتَحَلُّوا دِمَاءَهُمْ
وَأَمْوَالَهُمْ " .
انتهى من " مجموع الفتاوى" (13/31) .
وقال : " وَأَوَّلُ بِدْعَةٍ حَدَثَتْ فِي الْإِسْلَامِ : بِدْعَةُ الْخَوَارِجِ
وَالشِّيعَةِ ، حَدَثَتَا فِي أَثْنَاءِ خِلَافَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، فَعَاقَبَ الطَّائِفَتَيْنِ ، أَمَّا الْخَوَارِجُ
فَقَاتَلُوهُ فَقَتَلَهُمْ ، وَأَمَّا الشِّيعَةُ فَحَرَّقَ غَالِيَتَهُمْ
بِالنَّارِ " انتهى من " مجموع الفتاوى " (3/ 279) .
وقال الشيخ ابن عثيمين : " وأول بدعة حدثت في هذه الأمة هي : بدعة الخوارج ؛ لأن
زعيمهم خرج على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ذو الخويصرة من بني
تميم ، حين قسم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذهبية جاءت فقسمها بين
الناس ، فقال له هذا الرجل: يا محمد اعدل!
فكان هذا أول خروج خُرِجَ به على الشريعة الإسلامية ، ثم عظمت فتنتهم في أواخر
خلافة عثمان وفي الفتنة بين عليّ ومعاوية ، فكفروا المسلمين واستحلوا دماءهم " .
انتهى " مجموع الفتاوى والرسائل " (8/21) .
وينظر جواب السؤال : (182237) .
والله أعلم .
تعليق