الأحد 23 جمادى الأولى 1446 - 24 نوفمبر 2024
العربية

يريد أن يوقع على وثيقة الطلاق في المحكمة وهو لا ينوي الطلاق

220044

تاريخ النشر : 31-12-2014

المشاهدات : 50921

السؤال


تزوجت بامرأة في المسجد مستوفياً شروط النكاح الشرعية ، وفي نفس الوقت قمت بتسجيل الزواج مدنياً في المحكمة حسب القانون البريطاني ، وخلال السنة كانت زوجتي تهددني بطلب الطلاق مني من خلال المحكمة حسب القانون البريطاني ، وقد غادرت المنزل لعدة أشهر دون إذني . فهل يجوز لي باعتبار هذه الظروف وتصرفات زوجتي الغريبة وحتى أحمي نفسي أن أقوم بتطليقها مدنياً في المحكمة من خلال توقيع وثيقة الطلاق دون أن تكون في نيتي طلاقها حيث تظل بذلك زوجتي شرعاً ؟ هل تظل زوجتي على ذمتي إن قمت بذلك ؟ وهل يعتبر ذلك طلقة من الطلقات الثلاثة ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
التوقيع على وثيقة الطلاق في المحكمة يعتبر طلاقا ، كما أفتى بذلك الشيخ ابن جبرين رحمه الله ، ونقلنا فتواه في جواب السؤال رقم : (9593) .
ثانيا :
كثير من البيوت لا تخلو من المشاكل بين الزوجين ، فعليهما أن يسعيا في حل تلك المشاكل في جو من النقاش والحوار الهادئ الذي يهدف إلى استقرار الأسرة والبيت ، والقضاء على تلك المشاكل وتجاوزها .
وقد ذكرت عن زوجتك أنها تهددك بالطلاق وأنها تركت البيت عدة أشهر ، وكل ذلك لا يمكن أن يقع بلا سبب ، فلا بد أن عندها من الأسباب ما أقنعها بصحة ما تفعله هي ، وقد تكون تلك الأسباب صحيحة أو غير صحيحة ، فلا بد من مناقشة الأسباب التي أدت بها إلى هذا ، والسعي في إزالتها .
فإن تعذر عليكما حلها فلا مانع من إدخال أحد الأقارب العقلاء ليقرب وجهات النظر ويتوسط بينكما .
وقد ذكر الله تعالى حالة الشقاق والنزاع بين الزوجين وبين كيفية حلها ، فالمرحلة الأولى : إن كانت الزوجة هي المخطئة يكون بوعظها ونصحها وبهجرها وبضربها ضربا يسيرا غير مبرح ، فإن استمر الشقاق فتأتي المرحة الثانية ، ويكون حل المشكلة بحكمين من أهله وأهلها ، قال الله تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ، وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ) النساء /34 – 35 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره ( ص 190 – 191 ) :
" أي : وإن خفتم الشقاق بين الزوجين ، والمباعدة والمجانبة ، حتى يكون كل منهما في شق ( فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا ) أي : رجلين مكلفين ، مسلمين عدلين عاقلين ، يعرفان ما بين الزوجين ، ويعرفان الجمع والتفريق ، وهذا مستفاد من لفظ " الحكم " لأنه لا يصلح حكما ، إلا من اتصف بتلك الصفات ، فينظران ما ينقم كل منهما على صاحبه ، ثم يلزمان كلا منهما ما يجب ، فإن لم يستطع أحدهما ذلك ، قنَّعا الزوج الآخر بالرضا بما تيسر من الرزق والخلق .
ومهما أمكنهما الجمع والإصلاح فلا يعدلا عنه.
فإن وصلت الحال إلى أنه لا يمكن اجتماعهما وإصلاحهما ، إلا على وجه المعاداة والمقاطعة ، ومعصية الله ، ورأيا أن التفريق بينهما أصلح ، فرقا بينهما " انتهى .
فإذا تعذر الإصلاح والتوفيق بين الزوجين بعد المحاولة مرات ومرات ، فلا يبقى إلا الطلاق بإحسان ، (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) البقرة/229.
قال الله تعالى : ( وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ، وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ، وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا) النساء/128 – 130.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله ( ص 225 ):
" هذه الحالة الثالثة بين الزوجين ، إذا تعذر الاتفاق فإنه لا بأس بالفراق ، فقال: ( وَإِن يَتَفَرَّقَا ) أي: بطلاق أو فسخ أو خلع أو غير ذلك ( يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا ) من الزوجين ( مِّن سَعَتِهِ ) أي : من فضله وإحسانه الواسع الشامل ، فيغني الزوج بزوجة خير له منها ، ويغنيها من فضله ، وإن انقطع نصيبها من زوجها ، فإن رزقها على المتكفل بأرزاق جميع الخلق ، القائم بمصالحهم ، ولعل الله يرزقها زوجا خيرا منه .
(وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا ) أي : كثير الفضل ، واسع الرحمة ، وصلت رحمته وإحسانه إلى حيث وصل إليه علمه " انتهى .
نسأل الله تعالى أن يوفقكما إلى ما فيه خيركما في الدنيا والآخرة .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب