الخميس 16 شوّال 1445 - 25 ابريل 2024
العربية

يعيش في الغرب ويعمل طبيبا ولا يفهم الخطبة بلغتهم والمسجد بعيد عنه ، فهل تجب عليه الجمعة ؟

220613

تاريخ النشر : 26-08-2014

المشاهدات : 24993

السؤال


أنا طبيب درست وتخرجت من بلد مسلم . ولكن بسبب الأوضاع الراهنة لا أستطيع أن أعمل واختص ، في معظم البلاد العربية ، فضلا أني أجد صعوبات بمجرد الإقامة من غير عمل ، لذلك سافرت للخارج لكي أختص وأعمل ، هنا في البلاد الغربية يصعب علي الخروج لصلاة الجمعة لأني أكون في العمل ؛ لأنك لا تستطيع أن تترك عملك " المرضي " وتذهب وتعود . فهل لي أن أصلي ظهرا بدل الجمعة ؟ وهل يختلف الحكم إذا كان أقرب مسجد يخطب الخطبة بلغة أعجمية ، أي لا أفهم شيئاً ؟ وقد قرأت في بعض فتاويكم أنه إذا كان الإنسان يعمل خارج المدينة ولم يسمع الأذان فيمكن له أن يصلي ظهرا بدل الجمعة ، فما الضابط لهذا الأمر ، أقصد : كم يجب أن تكون المسافة ؟ وما الدليل على ذلك ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
صلاة الجمعة شعيرة من شعائر الإسلام ، وفريضة من فرائضه العظام ، وقد جاء الوعيد على تركها في قوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ تَرَكَ ثَلاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللهُ عَلَى قَلْبِهِ ) رواه أبو داود (1052)، والنسائي (1369)، وابن ماجه (1126)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
فالمحافظة عليها من سيما أهل التوفيق ، ولم يزل المسلمون يأتونها من الأماكن البعيدة ، ويقاد إليها المكفوفون ، ويتنافس فيها المتنافسون ، " ولقد كانت الطرقات في أيام السلف وقت السحر وبعد الفجر مغتصة بالمبكرين إلى الجمعة يمشون بالسرج ، وقيل : أول بدعة أحدثت في الإسلام ترك البكور إلى الجمعة .." انتهى من "السراج المنير" (4/289) .

ثانيا :
يجب على السائل حضور الجمعة ما دام يقيم في بلد تقام فيها الجمعة ، إلا إن كان مشغولا بإنقاذ نفس معصومة من هلكة ، أو دفع ضرر زائد ، أو تطبيبه في أمر عاجل ، أو نحو ذلك مما لا يمكن تأخيره إلى ما بعد الجمعة .
فإن وُجد بديل ينوب عنه ، ممن لا تلزمه الجمعة ، أو أمكن تأخير ذلك كله من غير أن يتضرر المريض : وجب عليه السعي لها .
وإن لم يوجد من ينوب عنه ، أو لم يمكن تأخير شيء من ذلك : جاز له ترك الجمعة .

وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء (8/191) عن طبيب يناوب في المستوصف وقت صلاة الجمعة لمداواة مريض ، أو إسعاف جريح يكون في حالة عاجلة ، هل يجوز له ترك صلاة الجمعة ، فأجابوا :
"الطبيب المذكور في السؤال قائم بأمر عظيم ينفع المسلمين ، ويترتب على ذهابه إلى الجمعة خطر عظيم ، فلا حرج عليه في ترك صلاة الجمعة ، وعليه أن يصلي الظهر في وقتها ، ومتى أمكن أداؤها جماعة وجب ذلك ، لقول الله سبحانه : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) ". اهـ
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (36530) .

ثالثا :
يجب عليك السعي إلى الجمعة ، وإن كان الخطيب يتكلم بلغة أجنبية ، لا تفهم من خطبته شيئا ؛ لأن الحكمة من شهود الجمعة ليست مقتصرة على الاستفادة من الخطبة فقط ، بل إن من أعظم منافعها اجتماع المسلمين ، وظهور تآلف قلوبهم ، وغير ذلك .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " المقصود من الجمعة والجماعة أيضا أن يحضر المسلمون بعضهم إلى بعض ، وأن يكونوا أمة واحدة ، فيحصل فيهم التآلف والتراحم " . انتهى من "مجموع فتاوى العثيمين" (16/78) .

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (112041) ، و(21624) .

رابعا :
من كان عمله خارج المدينة ، لكنه يسمع النداء للصلاة ، فصلاة الجمعة مع جماعة المسلمين واجبة عليه .
والدليل : عموم قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) الجمعة/9 ، فكل من سمع النداء داخل في عموم الآية ، وقد أخرج أبو داود في سننه برقم (1058) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الجمعة على كل من سمع النداء ) وحسنه الألباني رحمه الله .
والاعتبار في سماع النداء : أن يكون بصوت المؤذن بدون مكبر للصوت ، والأصوات هادئة ، والريح ساكنة ، وقد قدَّر العلماء هذه المسافة بما دون 5 كيلو متر تقريباً .

وينظر "المجموع" (4/353) ، و"المغني" (2/106) ، وفي جواب السؤال رقم : (39054) تفصيل ذلك .

ولما كان سماع النداء غير ممكن دائماً ، اعتبر تقدير ذلك بمظنته ، والموضع الذي يسمع فيه غالبا فرسخ ، قال شيخ الإسلام : " تجب الجمعة على من حول المصر عند أكثر العلماء ، وهو يقدر بسماع النداء ، وبفرسخ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (24/118) .

قال الشيخ ابن عثيمين : " والفرسخ قدروه بثلاثة أميال... والميل المعروف : كيلو وستمائة متر " انتهى من "الشرح الممتع" (4/351) .

وأما من كان خارج المدينة ، ولم يكن بحيث يسمع النداء للصلاة ، فقد سقطت عنه صلاة الجمعة ، ويصليها ظهرا .
وقد كانت مدينة النبي صلى الله عليه وسلم حولها قبائل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يأمر من فيها بالسعي لصلاة الجمعة ، ولو كان ذلك لنقل ، فدل ذلك على عدم وجوبها على مثل هؤلاء ، للمشقة التي تلحقهم في الانتقال من أماكن إقامتهم ، إلى حيث تقام الجمعة .

قال الشيخ ابن باز رحمه الله ، فيمن يخرجون أيام العطل خارج مدينة الرياض للنزهة ، غير ناوين السفر : " أما صلاة الجمعة فلا تجب عليهم إذا كانوا بعيدين عن البلد ، لا يسمعون الأذان , فرسخا أو أكثر " انتهى ملخصاً من "مجموع فتاوى ابن باز" (10/202).

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
شباب خرجوا في رحلة إلى منطقة بعيدة ، ونزلوا في مكان بعيد من البلد ، لكنهم ما زالوا يسمعون الأذان بسبب وجود المكبرات ، فهل تلزمهم الجمعة والجماعة مع أهل ذلك البلد ؟
فأجاب :
"لا تلزمهم ، يعني : إذا بعدوا عن البلد بحيث لا يسمعون صوت المؤذنين ، لولا وجود مكبر الصوت ؛ فلا تلزمهم ، وأما إذا كانوا قريبين من البلد ، بحيث لو كان المؤذنون يؤذنون بغير مكبر ، لسمعوه : فإنه يلزمهم " انتهى من " لقاء الباب المفتوح " اللقاء رقم (149) .

وينظر " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " ( 8 / 221 ، 222) .

وخلاصة الجواب :
يجب على السائل حضور الجمعة ما دامت الجمعة تقام في المدينة التي يعيش فيها ، ولو كانت كبيرة متباعدة الأقطار ، أو كان لا يفهم الخطبة لاختلاف اللغة .
ولا يرخص له في تركها ، إلا إذا كان مشغولا بإنقاذ مريض معصوم ، أو تطبيبه في أمر عاجل ، أو كان خارج المدينة التي تقام فيها الجمعة بمسافة أكثر من فرسخ ، على ما قدره العلماء .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب