الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

الحكمة من قصر عمر هذه الأمة عن أعمار من سبقها من الأمم .

223639

تاريخ النشر : 22-12-2014

المشاهدات : 92766

السؤال


ما سبب أن أعمار قوم النبي محمد صلى الله عليه وسلم قصيرة ، وأعمار الأمم السابقة طويلة ؟

الجواب

الحمد لله.


أعمار هذه الأمة قصيرة بالنسبة لمن سبقهم من الأمم ؛ روى الترمذي (3550) وحسنه ، وابن ماجة (4236) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ ، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ ) .
وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي" .
وهذا من حكمة الله تعالى وقدرته وعلمه ، فيطيل أعمار من يشاء من عباده ، ويقصر من أعمار من يشاء منهم ، ولا يُسأل عما يفعل وهم يسألون .

وقد تكلم بعض أهل العلم في الحكمة من ذلك ، فقيل : هذا من رحمة الله بهذه الأمة ، قصر أعمارهم ، لئلا يبطروا ويستكبروا .
قال الطيبي رحمه الله : " هذا من رحمة الله بهذه الأمة ورفقه بهم ، أخرهم في الأصلاب ، حتى أخرجهم إلى الأرحام بعد نفاد الدنيا، ثم قصر أعمارهم لئلا يلتبسوا بالدنيا إلا قليلا ، فإن القرون السالفة كانت أعمارهم وأبدانهم وأرزاقهم أضعاف ذلك ، كان أحدهم يعمر ألف سنة ، وطوله ثمانون ذراعا ، وأكثر، وأقل ، وحبة القمح ككلوة البقرة ، والرمانة يحملها عشرة ، فكانوا يتناولون الدنيا بمثل تلك الأجساد ، وفي تلك الأعمار، فبطروا واستكبروا وأعرضوا عن الله ( فصب عليهم ربك سوط عذاب) ، فلم يزل الخلق ينقصون خلقا ورزقا وأجلا ، إلى أن صارت هذه الأمة آخر الأمم ، يأخذون أرزاقا قليلة ، بأبدان ضعيفة ، في مدة قصيرة ، كيلا يبطروا، فذلك رحمة بهم " انتهى من "فيض القدير" (2/ 11) .

وقيل : ليخف حسابهم يوم القيامة ، فلا يتأخروا عن دخول الجنة :
قال المناوي رحمه الله :
" فَأكْرم الله هَذَا الأمّة - يعني بذلك - بقلة عقابهم ، وحسابهم المعوّق لَهُم عَن دُخُول الْجنَّة " انتهى من "التيسير" للمناوي (1/ 176) .

وقيل : ليجتهدوا في العمل :
قال ابن الجوزي رحمه الله :
" إنما طَالت أَعَمَّار الأَوَائِل لطول البَادِيَة ، فَلَمَّا شَارف الركب بلد الإِقَامَة ، قِيْلَ: حُثُّوا المَطِيّ " انتهى من "سير أعلام النبلاء" (21/372) .
وقال ابن بطال رحمه الله :
" وكذلك إعلامه صلى الله عليه وسلم لهم : أن رأس مائة سنة ، لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد ، إعلام منه لهم أن أعمار أمته ليست بطول أعمار من تقدم من الأمم السالفة ، ليجتهدوا في العمل ، وقد بيَّن ذلك في حديث آخر، فقال: ( أعمار أمتي من الستين إلى السبعين وأقلهم من يجاوز ذلك ) " .
انتهى من "شرح صحيح البخارى" (2/ 224) .

وقيل : عوضهم عن قصر أعمارهم بمضاعفة الثواب لهم :
قال الطوسي رحمه الله : " ومن رحمة الله بهذه الأمة أن جعلهم في آخر الزمان، وجعل أعمارهم قصيرة ، وضاعف لهم الثواب " .
انتهى من " نزهة المجالس " (2/ 183) .
فعوضهم الله بليال وأزمنة وأمكنة ومناسبات تتضاعف فيها الأجور ، كليلة القدر وعشر ذي الحجة ، وصيام عرفة ، وغير ذلك .

فأقام الله الحجة على الأولين والآخرين بطول أعمار الأولين ، وأعلمهم أنه من يهده الله فهو المهتدي ، ومن يضلل فلا هادي له ، ولو عمر في الأرض آلاف السنين .
وجعل في الأولين عبرة للآخرين ، ثم قصر أعمار الآخرين ، رحمة بهم ، وبارك لهم ، وضاعف لهم أجورهم .

وهذه كلها : إنما هي اجتهادات ممن قالها من أهل العلم ، ليس في شيء منها ما دل واضح الدليل على صوابه ، وأنه حكمة الله في خلقه ؛ فالله أعلم بالصواب من ذلك كله ، أو غيره ، وإنما ينبغي للعبد تلمس ما ينفعه من ذلك ، فيعلم أن عمره قصير ، كما أن أعمار الأمة فيمن سبقها : قصيرة ، فليجتهد غايته في تعمير وقته بما ينفعه عند الله وفي الدار الآخرة .

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب