الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

تخريج أثر ابن مسعود رضي الله عنه في إنكاره على الذين جلسوا في المسجد حلقا يقول أحدهم : كبروا مائة ، فيكبرون ، هللوا مائة ، فيهللون

226211

تاريخ النشر : 19-06-2015

المشاهدات : 118500

السؤال


هناك حديث عن ابن مسعود أنه دخل المسجد فوجد أناساً يذكرون الله ويعدون الحصى فنهاهم عن ذلك ، فما صحة هذا الحديث ؟ لأن بعض الصوفية يدّعون بأنه ضعيف ، أرجو مناقشة الحديث ورجال سنده وما إذا كان هناك من الروايات ما يعضده ؟

الجواب

الحمد لله.


قال الإمام عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي رحمه الله في "سننه" (210) :
أَخْبَرَنَا الْحَكَمُ بْنُ الْمُبَارَكِ ، أَنبَأَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي ، يُحَدِّثُ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ ، فَإِذَا خَرَجَ ، مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ ، فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ ؟ قُلْنَا: لَا، بَعْدُ ، فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ ، فَلَمَّا خَرَجَ، قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ وَلَمْ أَرَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ - إِلَّا خَيْرًا ، قَالَ: فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ ، قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ، وَفِي أَيْدِيهِمْ حصًا، فَيَقُولُ: كَبِّرُوا مِائَةً ، فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً، فَيَقُولُ: هَلِّلُوا مِائَةً، فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً ، وَيَقُولُ: سَبِّحُوا مِائَةً، فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً ، قَالَ: فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ ؟ ، قَالَ: مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِكَ أَوِ انْتظارَ أَمْرِكَ ، قَالَ : " أَفَلَا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ ، وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ " ، ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: " مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟ " قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حصًا نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ ، قَالَ: " فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ ، فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ ، وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ، مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ ، وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ ، وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلَالَةٍ " ، قَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ. قَالَ: " وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ ، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ " ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ: رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ " .
وهكذا رواه بحشل في "تاريخ واسط" (ص 198) من طريق عُمَرو بْن يَحْيَى بْنِ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: " كُنَّا جُلُوسًا عَلَى بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ... فذكره . وهذا إسناد جيد ، رجاله كلهم ثقات :
- عمرو بن يحيى وثقه ابن معين كما في "الجرح والتعديل" (6 /269) .
- يحيى بن عمرو بن سلمة ، وثقه العجلي في " الثقات "(2/355) ، وروى عنه شعبة والثوري والمسعودي وقيس بن الربيع وابنه عمرو بن يحيى ، كما في " الجرح والتعديل" (9 /176) وكان شعبة ينتقي شيوخه الذين يروي عنهم .
- عمرو بن سلمة ، وثقه ابن سعد وابن حبان ، انظر "تهذيب التهذيب" (8 /38) .
وقد صحح هذا الأثر بهذا الإسناد الشيخ الألباني رحمه الله في "الصحيحة" (2005) .
ورواه الطبراني في "الكبير" (8636) من طريق مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ به نحوه .
قال الهيثمي في "المجمع" (1/ 181):
" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَفِيهِ مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ، وَضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى " .
ولهذا الأثر شواهد ، منها :
- ما رواه أبو نعيم في "الحلية" (4/ 381) من طريق عَطَاء بْن السَّائِبِ ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، قَالَ: " أَخْبَرَ رَجُلٌ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ أَنَّ قَوْمًا يَجْلِسُونَ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ ، فِيهِمْ رَجُلٌ يَقُولُ: كَبِّرُوا اللهَ كَذَا وَكَذَا، سَبِّحُوا اللهَ كَذَا وَكَذَا، وَاحْمَدُوا اللهَ كَذَا وَكَذَا ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَيَقُولُونَ . قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِذَا رَأَيْتَهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَأْتِنِي فَأَخْبِرْنِي بِمَجْلِسِهِمْ ، فَأَتَاهُمْ وَعَلَيْهِ بُرْنُسٌ لَهُ فَجَلَسَ، فَلَمَّا سَمِعَ مَا يَقُولُونَ قَامَ، وَكَانَ رَجُلًا حَدِيدًا، فَقَالَ: " أَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لَقَدْ جِئْتُمْ بِبِدْعَةٍ ظُلْمًا، أَوْ لَقَدْ فَضَلْتُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِلْمًا " . فَقَالَ مِعْضَدٌ: وَاللهِ مَا جِئْنَا بِبِدْعَةٍ ظُلْمًا، وَلَا فَضَلْنَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ عِلْمًا. فَقَالَ عَمْرُو بْنُ عُتْبَةَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، نَسْتَغْفِرُ اللهَ ، قَالَ: " عَلَيْكُمْ بِالطَّرِيقِ فَالْزَمُوهُ، فَوَاللهِ لَئِنْ فَعَلْتُمْ لَقَدْ سَبَقْتُمْ سَبْقًا بَعِيدًا، وَلَئِنْ أَخَذْتُمْ يَمِينًا وَشِمَالًا لَتَضِلُّنَّ ضَلَالًا بَعِيدًا " .
- وقال أبو نعيم عقبه :
" رَوَاهُ زَائِدَةُ وَجَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ، وَرَوَاهُ قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَأَبُو الزَّعْرَاءِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ " انتهى .
- ومنها ما رواه عبد الرزاق في "مصنفه (3/222) عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: " سَمِعَ ابْنَ مَسْعُودٍ، بِقَوْمٍ يَخْرُجُونَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ مَعَهُمْ قَاصٌّ يَقُولُ: سَبِّحُوا، ثُمَّ قَالَ: " أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَلَقَدْ فَضَلْتُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِلْمَا، أَوْ لَقَدْ جِئْتُمْ بِبِدْعَةٍ ظَلْمَاءَ، وَإِنْ تَكُونُوا قَدْ أَخَذْتُمْ بِطَرِيقَتِهِمْ، فَقَدْ سَبَقُوا سَبْقًا بَعِيدًا، وَإِنْ تَكُونُوا خَالَفْتُمُوهُمْ فَقَدْ ضَلَلْتُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا، عَلَى مَا تُعَدِّدُونَ أَمْرَ اللَّهِ؟ "
- ومنها ما رواه ابن وضاح في "البدع" (18) من طريق يَحْيَى بْنِ عِيسَى , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ قَالَ: " مَرَّ عَبْدُ اللَّهِ بِرَجُلٍ يَقُصُّ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى أَصْحَابِهِ , وَهُوَ يَقُولُ: سَبِّحُوا عَشْرًا , وَهَلِّلُوا عَشْرًا , فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: " إِنَّكُمْ لَأَهْدَى مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَضَلُّ , بَلْ هَذِهِ , بَلْ هَذِهِ " يَعْنِي: أَضَلُّ ".
- ومنها ما رواه ابن الوضاح أيضا (22) من طريق سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ , عَنْ أَبِي الزَّعراء قَالَ: " جَاءَ الْمُسَيِّبُ بْنُ نُجَيْدٍ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ فِي الْمَسْجِدِ رِجَالًا يَقُولُونَ: سَبِّحُوا ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ , فَقَالَ: قُمْ يَا عَلْقَمَةُ وَاشْغَلْ عَنِّي أَبْصَارَ الْقَوْمِ , فَجَاءَ فَقَامَ عَلَيْهِمْ فَسَمِعَهُمْ يَقُولُونَ فَقَالَ: " إِنَّكُمْ لَتُمْسِكُونَ بِأَذْنَابِ ضَلَالٍ , أَوْ إِنَّكُمْ لَأَهْدَى مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَوْ نَحْوَ هَذَا .
فهذه الشواهد مما يتقوى بها هذا الأثر ، وتؤكد صحته وثبوته عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب