الحمد لله.
أولا :
كان يحيى بن أكثم القاضي رحمه الله من علماء المسلمين ، فقيها أديبا عاقلا ، قَالَ الحَاكِمُ : "مَنْ نَظَرَ فِي "التَنْبِيهِ" لَهُ, عَرَفَ تَقَدُّمَهُ فِي العُلُومِ".
وَقَالَ طَلْحَةُ الشَّاهِدُ: " كَانَ وَاسِعَ العِلْمِ بِالفِقْهِ ، كَثِيْرَ الأَدَبِ ، حَسَنَ العَارِضَةِ ، قَائِماً بِكُلِّ مُعْضِلَةٍ ، غَلَبَ عَلَى المَأْمُوْنِ حَتَّى لَمْ يَتَقَدَّمْهُ عِنْدَهُ أَحَدٌ مَعَ بَرَاعَةِ المَأْمُوْنِ فِي العِلْمِ ، وَكَانَتِ الوُزَرَاءُ لاَ تُبْرِمُ شَيْئاً حَتَّى تُرَاجِعَ يَحْيَى ".
وقال الذهبي : "كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الاجْتِهَادِ " .
انتهى من "سير أعلام النبلاء" (9/ 432) .
ثانيا :
روى الخطيب في "تاريخه" (14/ 206) عن محمّد بن عَبْد الرَّحْمَن الصيرفي قَالَ: "
رأى جارٌ لنا يَحْيَى بْن أكثم بعد موته فِي منامه ، فقال لَهُ: ما فعل بك ربك ؟
قَالَ: وقفت بن يديه فقال لي: سوءةً لك يا شيخ ، فقلتُ: يا رب إن رسولك قَالَ: إنك
لتستحي من أبناء الثمانين أن تُعذبهم ، وأنا ابن ثَمانين ، أسيرُ الله فِي الأرض ،
فقال لي: صدق رسولي ، قد عفوتُ عنك .
ثم روى عن مُحَمَّد بْن سلم الخواص- الشيخ الصالِح- قَالَ:
رأيتُ يَحْيَى بْن أكثم القاضي فِي المنام فقلتُ لَهُ: ما فعل اللَّه بك؟ فقال:
أوقفني بين يديه وقال لي: يا شيخ السوء لولا شيبتك لأحرقتك بالنار، فأخذني ما يأخذُ
العبد بين يدي مولاهُ، فلما أفقتُ قَالَ لي: يا شيخ السوء لولا شيبتك لأحرقتك
بالنار، فأخذني ما يأخذُ العبد بين يدي مولاهُ ، فلما أفقتُ قَالَ لي: يا شيخ
السوء، فذكر الثالثة مثل الأوليين ، فلما أفقتُ قلت: يا رب ما هكذا حُدثت عنك، فقال
الله تعالى: وما حُدثت عني- وهو أعلمُ بذلك- قلتُ: حدَّثَنِي عَبْد الرزاق بْن
همّام، حَدَّثَنَا معمر بْن راشد ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ
بْنِ مالك ، عَن نبيك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن جبريل عَنك يا عظيمُ
أنك قلت: (ما شاب لي عبدٌ فِي الْإسْلَام شيبة إلا استحييتُ منه أن أعذبه بالنار)
فقال الله: صدق عَبْد الرزاق وصدق معمر وصدق الزُّهْرِيّ وصدق أنس وصدق نبيي وصدق
جبرائيل، أَنَا قلت ذَلِكَ انطلقوا بِهِ إلى الجنة " .
وقال الحافظ المزي رحمه الله في "تهذيب الكمال" (31/ 223):
" وروي عن علي بن هارون الزاهد، قال: رأيت يحيى بن أكثم القاضي في المنام، فذكر نحو
ذلك ، وروي من وجه آخر عن رجل من أهل سامراء، قال: لما مات يحيى بن أكثم رؤي في
النوم فذكره، وقال فيه: عن معمر، عن قتادة، عن أنس " انتهى .
والمنامات لا يؤخذ منها حكم
، ولا يثبت بها حديث .
ولكن يستأنس بها ، فإن الرؤيا الصالحة من المبشرات ، كما روى الترمذي (2273) وحسنه
عن أبي الدَّرْدَاءِ : " عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قَوْلِ
اللَّهِ تَعَالَى : ( لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) فَقَالَ : (
هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ ) " .
وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
وهذا الحديث المذكور في المنام لا أصل له بهذا المتن ، وهذا الإسناد ، فلا يعول على هذا المنام في الكلام عليه .
وكبر السن مدعاة للتوبة
ومراجعة النفس ، كما روى البخاري (6419) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ
أَجَلَهُ ، حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وَالْمَعْنَى : أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ اعْتِذَارٌ، كَأَنْ يَقُولَ: لَوْ مُدَّ
لِي فِي الْأَجَلِ لَفَعَلْتُ مَا أُمِرْتُ بِهِ . يُقَالُ: أَعْذَرَ إِلَيْهِ:
إِذَا بَلَّغَهُ أَقْصَى الْغَايَةِ فِي الْعُذْرِ وَمَكَّنَهُ مِنْهُ ، وَإِذَا
لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الطَّاعَةِ ، مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا
بِالْعُمُرِ الَّذِي حَصَلَ لَهُ : فَلَا يَنْبَغِي لَهُ حِينَئِذٍ إِلَّا
الِاسْتِغْفَارُ وَالطَّاعَةُ ، وَالْإِقْبَالُ عَلَى الْآخِرَةِ بِالْكُلِّيَّةِ "
انتهى .
وروى الترمذي (2329) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْر رضي الله عنهٍ : " أَنَّ
أَعْرَابِيًّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ خَيْرُ النَّاسِ؟ قَالَ: (مَنْ
طَالَ عُمُرُهُ ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ) " .
وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
فكبر السن إعذار وإنذار ، ومدعاة للتوبة والعمل الصالح ، وليس هو بمجرده سببا لدخول
الجنة أو النجاة من النار ، ولكن من طال عمره وحسن عمله .
ثالثا :
ورد في بعض الأحاديث أن الله لا يعذب ذا الشيبة المسلم ، ولكنها أحاديث ضعيفة لا
يثبت منها شيء ، فمنها :
- ما رواه زَاهِر بْن طَاهِر الشحامي فِي "الإلهيات" - كما في "اللآلىء المصنوعة"
(1/ 125) من طريق أَبِي المهزم عَن حُذَيْفَة بْن الْيَمَان قَالَ : قَالَ رَسُول
الله صلى الله عليه وسلم : ( قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ لي: يَا مُحَمَّد ، قلتُ :
لبيْك إلهي وسيدي ، قَالَ: إِني لأَسْتَحي من عَبدِي وَأمتِي يشيبان فِي الْإسْلَام
أَن أعذبهما بِنار ) .
وأبو المهزم متروك متهم ، كما في "الميزان" (4/426) .
- وروى أيضا من طريق سُلَيْمَان بْن عَمْرو عَن عَبْد الله بْن دِينَار عَن عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( يَقُولُ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ: إِنِّي لأَسْتَحي من عَبدِي وَأمتِي إِذَا شَابَا فِي الإِسْلامِ
أَنْ أُعَذِّبَهُمَا بِالنَّارِ )
وسليمان بن عمرو ، قال ابن معين : " كان أكذب الناس " .
انظر : "الميزان" (2/216) .
- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" ( يَقُولُ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -: إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنْ عَبْدِي
وَأَمَتِي يَشِيبَانَ فِي الْإِسْلَامِ ، فَتَشِيبُ لِحْيَةُ عَبْدِي وَرَأْسُ
أَمَتِي فِي الْإِسْلَامِ أُعَذِّبُهُمَا فِي النَّارِ بَعْدَ ذَلِكَ) .
قال الهيثمي في "المجمع" (5/ 159):
" رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى، وَفِيهِ نُوحُ بْنُ ذَكْوَانَ، وَغَيْرُهُ مِنَ
الضُّعَفَاءِ "
- وروى الإمام أحمد (13279) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَا مِنْ مُعَمَّرٍ يُعَمَّرُ فِي الْإِسْلَامِ
أَرْبَعِينَ سَنَةً ، إِلَّا صَرَفَ اللهُ عَنْهُ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ مِنَ
الْبَلَاءِ : الْجُنُونَ، وَالْجُذَامَ ، وَالْبَرَصَ ، فَإِذَا بَلَغَ خَمْسِينَ
سَنَةً ، لَيَّنَ اللهُ عَلَيْهِ الْحِسَابَ ، فَإِذَا بَلَغَ سِتِّينَ ، رَزَقَهُ
اللهُ الْإِنَابَةَ إِلَيْهِ بِمَا يُحِبُّ ، فَإِذَا بَلَغَ سَبْعِينَ سَنَةً ،
أَحَبَّهُ اللهُ ، وَأَحَبَّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، فَإِذَا بَلَغَ الثَّمَانِينَ ،
قَبِلَ اللهُ حَسَنَاتِهِ ، وَتَجَاوَزَ عَنْ سَيِّئَاتِهِ ، فَإِذَا بَلَغَ
تِسْعِينَ ، غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ، وَمَا تَأَخَّرَ،
وَسُمِّيَ أَسِيرَ اللهِ فِي أَرْضِهِ ، وَشَفَعَ لِأَهْلِ بَيْتِهِ )
قال الألباني في "الضعيفة" (5984) : " منكر " .
ورواه أحمد أيضا موقوفا (5626) وقال محققو المسند : " إسناده ضعيف جدا " .
رابعا :
حياة البرزخ هي التي تكون من بعد موت الإنسان إلى بعثه يوم القيامة ، والقبر إما
روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار .
فمن كان من أهل الجنة نُعِّم في قبره ، شيخا كان أم شابا ، ومن كان من أهل النار
عذب فيه ، شيخا كان أم شابا .
وفي ذلك حديث البراء المشهور ، انظر جواب السؤال رقم : (47055) .
وانظر لمعرفة المزيد عن حياة البرزخ جواب السؤال رقم : (21212)
، (175666) .
وانظر للفائدة جواب السؤال رقم : (46592)
، (194012) .
والله تعالى أعلم .
تعليق