الأربعاء 15 شوّال 1445 - 24 ابريل 2024
العربية

رد بعض الشبهات حول حرمة إمساك الزوجة الزانية

229799

تاريخ النشر : 26-10-2015

المشاهدات : 17537

السؤال


ذكرتم في فتواكم رقم : (141286) ما معناه أن على المرأة أن لا تنجس فراش زوجها بماء غيره، وأن هذا جريمة ، وعليه يطلقها ، وأنَّ إمساكها دياثة ينافي الفطرة. وأنا أقول : ماذا تقول في حديث بن عباس عليه السلام في حديث : ( إن امرأتي لا ترد يد لامس ) ، وماذا تقول في قوله صلى الله عليه وسلم : ( الولد للفراش ) ، فوالله إن قول الولد للفراش يعني أشياء أنت تفهمها وكل إنسان عاقل يفهمها ، فما حاجة النبي صلي الله عليه وسلم لقول ذلك ؟ لما صلي الله عليه وسلم لم يكتفي بقول الزنا حرام وخلاص وانتهينا ، لكن ليبين الرسول أشياء في مسائل النسب ، ويعلم النبي صلي الله عليه وسلم أن ابن الجارية ليس ولد سيدها ، فماذا تقول وقد عُرِفَ الزنا في الاسلام ، وعرف النسب في الاسلام ، وعرف الدياثة في الاسلام ، أليس في هذا تناقض في الفتوى السابقة ، وعدم وضوح ، وقول أشياء تنافي القواعد الفقهية الشرعية سواء في النسب أو في مفهوم الدياثة ؟

ملخص الجواب

والحاصل: أن حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ( إن امرأتي لا تمنع يد لامس ) حديث ضعيف لا تقوم به الحجة، وأن حديث (الولد للفراش) خارج عن محل النزاع كما تقرر، وعليه فهذا الحكم جاء على وفق كتاب الله تعالى الذي نهى المؤمنين نهيا صريحا وحرم عليهم نكاح العاهرات بقوله جل وعز : ( الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) النور/ 3 . والله أعلم

الجواب

الحمد لله.


الأمر على ما جاء في الفتوى المحال عليها في سؤالك : من أنه لا يحل للرجل أن يمسك زوجته غير العفيفة ، التي يعلم من حالها أنها تقع في الفاحشة ؛ وإلا كان ديوثا .
وهذا الحكم مستقر في الشرع الشريف وفي الفطر السوية غير المنتكسة .

أما معارضتك أيها السائل لهذا الحكم ، بما رواه أبو داود (2049) ، والنسائي (3229) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن عندي امرأة هي من أحب الناس إلي ، وهي لا تمنع يد لامس ، قال : ( طلقها ) ، قال لا أصبر عنها ، قال : ( استمتع بها ) ".

فإنها معارضة في غير موضعها ؛ لأن هذا الحديث ضعيف ؛ بل منكر على الصحيح من أقوال أهل العلم .
وعلى فرض صحته فليس فيه ما يدل على أن هذه المرأة كانت تأتي الفاحشة التي هي الزنا, وقد سبق بيان هذا مفصلا في الفتوى رقم : (198540).

وأما معارضتك له بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( الولد للفراش ، وللعاهر الحجر ) رواه البخاري (2053) ، ومسلم (1457) : ففي غير موضعها أيضا ، لأن هذا الحديث موضوعه إثبات نسب الولد ، ومعناه أن الولد ينسب للفراش ، أي للزوج ، إذا كانت المرأة فراشا أي متزوجة , كما سبق بيانه في الفتوى رقم : (33591) .
فأين هذا من إمساك الزوجة الزانية ؟ إن الناظر في هذا الحديث ليدرك بأدنى تأمل أنه لا علاقة له بإمساك المرأة الزانية ، ولا بفراقها ؛ بل موضوعه إثبات النسب للزوج إذا ولد الولد على فراشه.

وأما دعواك أن هذا الحكم مخالف للقواعد الفقهية : فليتك ذكرت قاعدة واحدة من القواعد الفقهية التي خالفها هذا الحكم , بل هذا الحكم على وفق كتاب الله تعالى الذي نهى المؤمنين نهيا صريحا وحرم عليهم نكاح العاهرات , قال تعالى : ( الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) النور/ 3 .
وقد استدل بهذه الآية شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى على أنه لا يجوز إمساك الزوجة الزانية حيث قال في " الفتاوى الكبرى " (3 / 150) : "مَسْأَلَةٌ : فِي حَدِيثٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ امْرَأَتِي لَا تَرُدُّ كَفَّ لَامِسٍ :
فَهَلْ هُوَ مَا تَرُدُّ نَفْسَهَا عَنْ أَحَدٍ؟ أَوْ مَا تَرُدُّ يَدَهَا فِي الْعَطَاءِ عَنْ أَحَدٍ ؟ وَهَلْ هُوَ الصَّحِيحُ أَمْ لَا ؟ .
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، هَذَا الْحَدِيثُ قَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ تَأَوَّلَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَرُدُّ طَالِبَ مَالٍ ، لَكِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ وَسِيَاقَهُ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ.
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ اعْتَقَدَ ثُبُوتَهُ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا مَعَ كَوْنِهَا لَا تَمْنَعُ الرِّجَالَ ، وَهَذَا مِمَّا أَنْكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ ، فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ: (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [النور: 3]" انتهى .

وبهذا كله يتبين أن اعتراضك على ما نشر في الموقع ، من شأن الدياثة وما يتعلق بذلك : غير وجيه ، قد تعجلت في إيراده ، قبل تحرير مقاصد الكلام ، ومعرفة معاني النصوص .
يسر الله لك أمرك ، وفقهنا وإياك في دينه .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب