الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

متى يحكم بوفاة الإنسان ؟

230086

تاريخ النشر : 20-06-2015

المشاهدات : 100137

السؤال


هل العبرة في الحكم بالموت وفاة الدماغ أم القلب ؟

الجواب

الحمد لله.


أولاً : الدماغ يتكون من أجزاء ثلاثة هي:
المخ: وهو مركز التفكير، والذاكرة، والإحساس.
المخيخ: ووظيفته توازن الجسم.
جذع المخ: وهو المركز الأساسي للتنفس والتحكم في القلب ، والدورة الدموية .

فإذا مات المخ ، أو المخيخ ، من أجزاء الدماغ : أمكن للإنسان أن يحيا حياة غير عادية وهي: ما تسمى بالحياة النباتية .

أما إذا مات "جذع الدماغ " فإن هذا هو الذي تصير به نهاية الحياة الإنسانية عند الأطباء.
فإن أياً من الأعضاء أو الوظائف الرئيسية الأخرى ، كالقلب والتنفس قد يتوقف مؤقتا، ولكن يمكن إسعافه ، واستنقاذ عدد من المرضى ، مادام جذع المخ حيا...
أما إذا كان جذع المخ قد مات : فلا أمل في إنقاذه ، وإنما يكون المريض قد انتهت حياته، ولو ظلت في أجهزة أخرى من الجسم بقية من حركة أو وظيفة .
ينظر : "مجلة مجمع الفقه الإسلامي" (ع2 ، ج2، ص440).

وبناء على ذلك ظهرت عدة مسائل فقهية ، منها : هل يحكم بموت الإنسان بموت الدماغ فقط أم لا بد من موت القلب أيضاً ؟
وهل يجوز رفع أجهزة الإنعاش عمن توفي دماغيا ، ولو كان قلبه لا زال يعمل ؟

أما رفع أجهزة الإنعاش عمن حكم الأطباء بموته دماغياً : فعامة الفقهاء المعاصرين على جوازه ، لأنه لا يجب استمرار تلك الأجهزة مع كونه لا أمل في شفائه ، وبذلك صدرت القرارات من المجامع الفقهية .
وينظر جواب السؤال : (115104) .

ثانياً :
أما الحكم بموته شرعاً ، فاختلف العلماء المعاصرون في موت جذع الدماغ ، هل يعتبر نهاية للحياة الإنسانية ، على قولين:
القول الأول: يعتبر موت دماغ الشخص دون قلبه موتًا حقيقيًّا ، ولا يشترط توقف القلب عن النبض حتى يحكم بموت الإنسان .
وهذا ما قرره مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في اجتماعه المنعقد في عمان عام 1986م . ينظر: " مجلة مجمع الفقه الإسلامي" (ع 3، ج2/809).
وجاء في قراره: " يعتبر شرعاً أن الشخص قد مات ، وتترتب عليه جميع الأحكام المقررة شرعاً للوفاة عند ذلك ، إذا تبينت فيه إحدى العلامتين التاليتين :
أولاً : إذا توقف قلبه وتنفسه توقفاً تاماً ، وحكم الأطباء بأن هذا التوقف لا رجعة فيه .
ثانياً : إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً ، وحكم الأطباء الاختصاصيون الخبراء بأن هذا التعطل لا رجعة فيه ، وأخذ دماغه في التحلل ".
انتهى من " قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي" (ص: 12).

واستدلوا على ذلك : بأن المولود إذا لم يصرخ لا يعتبر حيًّا، ولو تنفس أو بال أو تحرك، فالفعل الذي لا يكون إراديًّا ، واستجابة لتنظيم الدماغ : لا يعد أمارة على الحياة ، وهذا واقع فيمن مات دماغه ، فيأخذ حكم المولود الذي لم يصرخ.

ونوقش هذا : بأن مسألة المولود مختلف فيها، ثم إن المولود مشكوكٌ في حياته، وهذا بخلاف ما نحن فيه، فالأصل حياة المريض، فلا ينتقل عن هذا الأصل إلا بيقين.

والقول الثاني: أن موت دماغ الشخص دون قلبه لا يُعد موتًا ، بل لابد من توقف القلب عن النبض حتى يحكم بموت الإنسان.
وهو ما قرره المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته العاشرة المنعقدة في مكة المكرمة 1408 هـ.
وجاء في قراره : " المريض الذي ركبت على جسمه أجهزة الإنعاش : يجوز رفعها إذا تعطلت جميع وظائف دماغه نهائياً، وقررت لجنة من ثلاثة أطباء اختصاصيين خبراء، أن التعطل لا رجعة فيه، وإن كان القلب والتنفس لا يزالان يعملان آلياً، بفعل الأجهزة المركبة.
لكن لا يحكم بموته شرعاً إلا إذا توقف التنفس والقلب، توقفاً تاماً بعد رفع هذه الأجهزة ".
انتهى من "قرارات المجمع الفقهي الإسلامي للرابطة " (ص: 49).

واستدلوا على ذلك بقصة أصحاب الكهف وقوله تعالى: (فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا) ، وقوله : (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ).
وجه الدلالة: أن قوله سبحانه (بَعَثْنَاهُمْ) أي: أيقظناهم، وهذه الآيات فيها دليل واضح على أن مجرد فقد الإحساس والشعور وحده : لا يعتبر دليلًا كافيًا للحكم بكون الإنسان ميتًا، كما دلت عليه الآية الكريمة.
ولأن (اليقين لا يزول بالشك) ، واليقين في هذه الحالة المختلف فيها : هو حياة المريض ، باعتبار الأصل ، ولأن قلبه ينبض، والشك في موته ، لأن دماغه ميت، فوجب علينا اعتبار اليقين .
فالأصل أن المريض حي، فنبقى على هذا الأصل حتى نجزم بزواله .
وأن حقيقة الوفاة عند الفقهاء هي: مفارقة الروح البدن ، وحقيقة المفارقة : خلوص الأعضاء كلها عن الروح ، بحيث لا يبقى جهاز من أجهزة البدن فيه صفة حياتية .
قال الشيخ بكر أبو زيد : " فكما لا يسوغ إعلان الوفاة بمجرد سكوت القلب ... لوجود الشك ، فكذلك لا يسوغ إعلان الوفاة بموت الدماغ مع نبض القلب ، وتردد التنفس تحت الآلات .
وكما أن مجرد توقف القلب ليس حقيقة للوفاة ، بل هو من علاماته ، إذ من الجائز جداً توقف القلب ثم تعود الحياة بواسطة الإنعاش أو بدون بذل أي سبب .
وكذلك يقال أيضاً : إن موت الدماغ علامة وأمارة على الوفاة ، وليس هو كل الوفاة ، بدليل وجود حالات ووقائع متعددة يقرر الأطباء فيها موت الدماغ ، ثم يحيا ذلك الإنسان ، فيعود الأمر إذاً إلى ما قرره العلماء الفقهاء من أن حقيقة الوفاة هي : مفارقة الروح البدن ، وحينئذٍ تأتي كلمة الغزالي المهمة في معرفة ذلك فيقول : (باستعصاء الأعضاء على الروح) ، أي : حتى لا يبقى جزء في الإنسان مشتبكة به الروح ، والله تعالى أعلم ". انتهى من "فقه النوازل" (1/232).

ولعل الأقرب – والله أعلم - : أنه لا يحكم بموته إلا إذا تيقنا من ذلك بتوقف القلب والتنفس توقفاً تاماً ، وإن كان توقف دماغ المريض من العلامات القوية على موته ؛ لكن الحكم بالموت يترتب عليه أمورٌ شرعية : كقسمة تركته ، ونكاح امرأته إذا رغبت، وغيرها ، ولذلك فلا يجوز الحكم بموته إلا بيقين.

فلا يحكم بالموت بمجرد توقف النفس ، أو النبض ، أو موت جذع المخ مع بقاء أي علامة من العلامات الظاهرة أو الباطنة التي يستدل بها على بقاء شيء من الحياة.
وإذا كان الموت هو مفارقةَ الروح للجسد ، فإن هذه المفارقة لا تُدرَك بالحسّ ؛ لأن الروح لا تدرَك بالحواسّ ، إلا أن لمفارقتها البدنَ بالموت علاماتٍ استدل الفقهاء بها على موت من ظهَرَت عليه، منها: توقف القلب عن العمل، وانقطاع التنفس، واسترخاء الأطراف والأعصاب، وسكون الحركة في البدن، وتغير لون البدن، وشخوص البصر، وعدم انقباض العين عند المسّ ، وانخساف الصدغ، وميل الأنف، وانفراج الشفتين، وامتداد جلدة الوجه، وهذه العلامات لا تظهر في مرضى الغيبوبة الدماغية الذين يطلق عليهم تَجَوُّزًا "الموتى إكلينيكيًّا".
فأجسادهم تدب فيها الحياة ، من حيث استمرار عمل بعض الأجهزة كالقلب والكليتين وغيرهما.

واختار هذا أكثر الفقهاء المعاصرين والباحثين، ومنهم الشيخ بكر أبو زيد، والشيخ عبد الله البسام رحمه الله، والشيخ محمد المختار الشنقيطي في رسالته "أحكام الجراحة الطبية".
ينظر: "فقه النوازل"، للشيخ بكر أبو زيد، (1/232)، "أحكام الجراحة الطبية" للشيخ محمد المختار الشنقيطي، ص(325) ، "مجلة المجمع الفقه الإسلامي لمنظمة المؤتمر الإسلامي"، العدد3 الجزء2 ص(545) ،

وبناء على ذلك :
1-لا يصح أن يُرتب على هذا التشخيص ( الموت دماغيا) أي من الأحكام المرتبة على الحكم بالموت شرعاً.
2- كما لا يعتبر مبيحاً لنزع أعضائه الحيوية ، عند من يرى جواز نزع ذلك من الأموات ، دون الأحياء.

وللاستزادة ينظر : " الموسوعة الطبية الفقهية والنوازل المعاصرة" (2/36-61) ، و"المسائل الطبية المستجدة " (2/11) للدكتور محمد بن عبد الجواد النتشة.
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب