الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

هل اتُّهم عبد الرزاق بن همام الصنعاني الحافظ رحمه الله بالتشيع ؟

242090

تاريخ النشر : 05-06-2016

المشاهدات : 30321

السؤال


إمام الحديث: (عبد الرزاق بن همام)، هل رمي بالتشيع أم بالرفض ؟ ومتى ظهر الرفض ؟ وما المقصود بالتشيع هنا ؟ وهل للتشيع القديم دلالات مختلفة ؟ وكيف تتبين بالعصور ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
عبد الرزاق بن همام الصنعاني رحمه الله إمام من أئمة الحديث ، من شيوخ الإمام أحمد وابن معين وابن المديني وابن راهويه وغيرهم من أئمة الحديث ، وهو ثقة حافظ متقن ، رُمي بالتشيع ، قال ابن حبان :
" كَانَ مِمَّن جمع وصنف وَحفظ وذاكر، وَكَانَ مِمَّن يخطىء إِذا حدث من حفظه، على تشيع فِيهِ " انتهى من " الثقات " (8/ 412) .
وقال العجلي :
" ثِقَة يكنى أَبَا بكر، وَكَانَ يتشيع " .
" الثقات " (2/ 93)
وقال ابن عدي :
" لعبد الرَّزَّاق بْن همام حديث كَثِيرٍ، وقد رحل إليه ثقات المسلمين وأئمتهم ، وكتبوا عَنْهُ ، ولم يروا بحديثه بأسا، إلاَّ أنهم نسبوه إِلَى التشيع " انتهى من " الكامل " (6/ 545) .

وظاهر هذه الأقوال ، التي تنسبه إلى التشيع ، أنه ـ إن صح ذلك عنه ـ : لم يكن مغاليا فيه ، بل كان تشيعا يسيرا ، لا يبلغ به أن يفضل عليا رضي الله عن الشيخين ، فضلا عن أن ينحرف عنهما ، حاشاه من ذلك .
قال عبد الله بن أحمد: " سألت أبي هل كان عبد الرزاق يتشيع ، ويفرط في التشيع ؟ فقال: أما أنا فلم أسمع منه في هذا شيئا " .
وقال عبد الله بن أحمد : " سمعت سلمة بن شبيب يقول سمعت عبد الرزاق يقول: والله ما انشرح صدري قط أن أفضل عليا على أبي بكر وعمر، رحم الله أبا بكر وعمر وعثمان، من لم يحبهم فما هو مؤمن ، وقال: أوثق أعمالي: حبي إياهم ".
وقال أبو الأزهر سمعت عبد الرزاق يقول: " أفضل الشيخين بتفضيل علي إياهما على نفسه ، ولو لم يفضلهما ما فضلتهما ، كفى بي ازدراء أن أحب عليا ثم أخالف قوله ".
" تهذيب التهذيب " (6/ 313) .
فكان به تشيع يسير، ولم يكن ممن يفرط فيه، وليس برافضي وحاشاه .

وكان هذا حال الشيعة الأولى ؛ لم يكن فيهم غلو الرافضة ، ولا ضلالاتهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" ولم تكن الشيعة التي كانت مع علي يظهر منها تنقص لأبي بكر وعمر ، ولا فيها من يقدم عليا على أبي بكر وعمر ، ولا كان سب عثمان شائعا فيها ؛ وإنما كان يتكلم به بعضهم ، فيرد عليه آخر ، وكذلك تفضيل علي عليه : لم يكن مشهورا فيها " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (4/436) .
وقال أيضا :
" وكانت الشيعة الأولى لا يتنازعون في تفضيل أبي بكر وعمر وإنما كان النزاع في علي وعثمان ؛ ولهذا قال شريك بن عبد الله : إن أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر ، فقيل له : تقول هذا وأنت من الشيعة؟ فقال: كل الشيعة كانوا على هذا ، وهو الذي قال هذا على أعواد منبره أفنكذبه فيما قال؟ ولهذا قال سفيان الثوري: من فضل عليا على أبي بكر وعمر فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار. وما أرى يصعد له إلى الله عز وجل عمل وهو كذلك " انتهى من "مجموع الفتاوى" (13/34) .
وينظر : "منهاج السنة النبوية" (2/72) ، (4/132) .
ثانيا :
كان أول ظهور الرافضة بظهور عبد الله بن سبأ اليهودي الذي ادعى الإسلام ، وزعم محبة آل البيت ، وغالى في علي رضي الله عنه .
قال البغدادي في " الفرق بين الفرق " (ص 225):
" كَانَ ابْن السَّوْدَاء- يعني ابن سبأ- فى الأصل يَهُودِيّا من أهل الْحيرَة ، فأظهر الإسلام ، وأراد أن يكون لَهُ عِنْد أهل الْكُوفَة سوق ورياسة ، فَذكر لَهُم أنه وجد فِي التَّوْرَاة أن لكل نبى وَصِيّا ، وأن عليا وَصِيّ مُحَمَّد ، وأنه خير الأوصياء ، كَمَا أن مُحَمَّدًا خير الأنبياء " .
وقال الشهرستاني في " الملل والنحل " (1/ 174):
" هو أول من أظهر القول بالنص بإمامة علي رضي الله عنه ، ومنه انشعبت أصناف الغلاة ، وزعم أن عليا حي لم يمت " انتهى .

وسموا رافضة لرفضهم زيد بن علي بن الحسين لما طلبوا منه التبرؤ من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فأبى ، فتركوه ورفضوه ، فسموا رافضة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" الخلفاء الراشدون الأربعة ابتلوا بمعاداة بعض المنتسبين إلى الإسلام من أهل القبلة ولعنهم وبغضهم وتكفيرهم فأبو بكر وعمر أبغضتهما الرافضة ولعنتهما دون غيرهم من الطوائف؛ ولهذا قيل للإمام أحمد: مَنِ الرافضي؟ قال: الذي يسب أبا بكر وعمر.
وبهذا سميت الرافضة؛ فإنهم رفضوا زيد بن علي لما تولى الخليفتين أبا بكر وعمر لبغضهم لهما ، فالمبغض لهما هو الرافضي .
وقيل: إنما سموا رافضة لرفضهم أبا بكر وعمر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" أَصْلُ الرَّفْضِ مِنْ الْمُنَافِقِينَ الزَّنَادِقَةِ ، فَإِنَّهُ ابْتَدَعَهُ ابْنُ سَبَأٍ الزِّنْدِيقُ ، وَأَظْهَرَ الْغُلُوَّ فِي عَلِيٍّ ، بِدَعْوَى الْإِمَامَةِ وَالنَّصِّ عَلَيْهِ، وَادَّعَى الْعِصْمَةَ لَهُ .
وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ مَبْدَؤُهُ مِنْ النِّفَاقِ ، قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: حُبُّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إيمَانٌ ، وَبُغْضُهُمَا نِفَاقٌ ، وَحُبُّ بَنِي هَاشِمٍ إيمَانٌ ، وَبُغْضُهُمْ نِفَاقٌ " انتهى من" مجموع الفتاوى "(4/ 435) .
وينظر : "منهاج السنة النبوية" (1/35-36) .
ثالثا :
هناك فرق بين التشيع في عرف المتقدمين والمتأخرين :
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :
" التشيع في عرف المتقدمين هو اعتقاد تفضيل علي على عثمان، وأن عليا كان مصيبا في حروبه ، وأن مخالفه مخطئ ، مع تقديم الشيخين وتفضيلهما ، وربما اعتقد بعضهم أن عليا أفضل الخلق بعد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ، وإذا كان معتقد ذلك ورعا دينا صادقا مجتهدا ؛ فلا ترد روايته بهذا ، لا سيما إن كان غير داعية .
وأما التشيع في عرف المتأخرين: فهو الرفض المحض ، فلا تقبل رواية الرافضي الغالي ، ولا كرامة " انتهى من " تهذيب التهذيب " (1/ 94) .

رابعا :
لم تكن نظرية الإمامة القائمة على العصمة والنص شائعة ومعروفة في أوساط الشيعة في أول أمرهم ، وإنما بدأت تظهر في الكوفة في بداية القرن الثاني .
وفي خلال القرنين الثاني والثالث انتشر القول بالإمامية ، ولم تكن محصورة في عدد محدد من الأئمة ، أو فترة زمنية معينة .
ثم استحدثت الاثنا عشرية في القرن الرابع الهجري .
ثم انحصرت الفرق الشيعية المعاصرة في ثلاث فرق :
- الاثني عشرية .
- الإسماعيلية .
- الزيدية .
وظهرت دولة الصفويين في إيران في القرن العاشر على يد إسماعيل الصفوي ، وكان كل همه وهم طائفته : إبادة أهل السنة، وقتل أهل العلم ، قال الشوكاني رحمه الله :
" قَالَ قطب الدَّين الحنفي في الْأَعْلَام : إنه قتل زِيَادَة على ألف ألف نفس ، قَالَ: بِحَيْثُ لَا يُعْهَد في الْجَاهِلِيَّة ، وَلَا في الإسلام ، وَلَا فِي الْأُمَم السَّابِقَة من قبل : من قتل النُّفُوس مَا قَتله شاه إسماعيل ، وَقتل عدَّة من أعاظم الْعلمَاء، بِحَيْثُ لم يبْق من أهل الْعلم أحد في بِلَاد الْعَجم، وأحرق جَمِيع كتبهمْ ومصاحفهم ، وَكَانَ شَدِيد الرَّفْض ، بِخِلَاف آبَائِهِ " .
انتهى من " البدر الطالع " (1/ 271) .

وانظر للاستزادة:
"المذاهب الإسلامية" لمحمد أبو زهرة .
"تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة" د. عبد الله فياض.
"الشيعة والسنة" لإحسان إلهي ظهير.
"عبد الله بن سبأ وأثره في إحداث الفتنة في الإسلام" د. سليمان بن حمد العودة.
"الزيدية" لإسماعيل الأكوع.
"فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام" د. غالب عواجي.
"الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة" (1/ 52-57) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب