الأربعاء 26 جمادى الأولى 1446 - 27 نوفمبر 2024
العربية

نصيحة لداعية يريد هجر أهله الذين وقعوا في المعاصي

93218

تاريخ النشر : 29-04-2007

المشاهدات : 12581

السؤال

أخي قد بلغ من عمره 21 سنة ، وقد بدأ يكرهنا ، وخاصة أخاه الكبير ؛ لمشاهدته التلفاز ، ومخالفته لبعض أحكام الشريعة ، عالما بحرمة بعضه دون بعض ، ولعله سيهجرنا جميعاً ، وقد يئس منا، بأننا لم نكن على الصراط السوي الذي يدعو إليه ، ونبهته إلى ما قال الله ربنا جلَّ وعلا في محكم كلامه : ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ) وأمثاله ، فإنه في كثير من كلامه يحدثنا بأنه يجب علينا أن نلتزم ونعتصم بحبله سبحانه وتعالى في كل مكان وزمان ، ويقول إنه يريد أن يعيش العيشة التي عاشها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . أفتوني ، فإن أخي يريد أن ينعزل عنا جميعا ، ليس أبد الآباد كما هو ظاهر كلامي ، ولكنه عزم على أنه سيقوم بكل ما شرع الله بجد وقدر استطاعته .

الجواب

الحمد لله.


أولاً :
لا بدَّ من توجيه رسالة لكم أولاً ، فنقول : إنه يجب عليكم أن تتقوا الله ربكم ، وأن تتركوا ما تفعلونه مما يغضب الرب تعالى ، من المعاصي والآثام ، كما يجب عليكم الالتزام بكل ما أمركم الله تعالى به ، ولا يسعكم غير هذا إن أردتم النجاة من العقوبة ، وتحقيق الفوز برضا الرحمن سبحانه وتعالى .
ووجود أخٍ لكم ينكر عليكم معاصيكم ، ويطلب منكم الالتزام بشرع الله تعالى هو رحمة من الله بكم ، فكم يوجد من أهل المعاصي والفجور ولا يجدون ناصحاً يدلهم على الحق ، ولا واعظاً يأمرهم وينهاهم ، فالواجب عليكم ترك المحرمات ، وفعل الطاعات ، وإكرام أخيكم الذي جعله الله رحمة لكم وبكم .
ثانياً :
ورسالتنا لأخيكم نرسلها له في نقاط :
1. اعلم أن الدعوة إلى الله واجبة على كل مسلم ، وهي على أهل العلم أوجب ، وأول ما أوجب الله تعالى الدعوة على نبيه إنما أوجبها في حق أهله ، فقال تعالى : ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) الشعراء/214 ، فلذا يجب وضع هذا في اهتمامك ، وجعله غاية عندك .
2. واعلم أن الدعوة إلى الله تحتاج للصبر ، والصبر هنا هو صبر على طاعة الله تعالى ، وليس طريق الدعوة مليئاً بالورود والرياحين ، بل يعاني الداعية مشقة وتعباً في توجيه الناس نحو طريق الخير ، وفي سعيه لهدايتهم ، وتأمل وصية لقمان لابنه حين قال : ( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) لقمان/17 ، فقد جاء بالأمر بالصبر بعد الأمر بالدعوة ، حتى يهيئه لهذا الطريق ، فلا ينبغي لك الضجر من دعوة أهلك ، ولا الضجر من الاستمرار بها .
3. ومما ينبغي لك معرفته : أن الدعوة إلى الله بحاجة لأسلوب يصل به الداعية لقلوب المدعوين ، وليس العنف والهجر من الأساليب الناجعة في هذا ، بل الرفق واللين هما المطلوبان في الدعوة عموماً ، وبخاصة في دعوة الأهل ، قال تعالى : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) آل عمران/159 ، فتأمل هذه الآية جيِّداً لتعلم أن انفضاض الناس عن الداعية إنما هو بسبب شدته وعنفه ، وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ ) رواه مسلم ( 2594 ) .
4. وعليك أن تكون حكيماً في دعوة أهلك ، وتنوع طرق الوصول لقلوبهم ، بالهدية ، والخدمة ، والتلطف في القول ، كما عليك أن تنوع طرق النصيحة كتشغيل شريط ، أو إحضار فيلم مؤثر ، أو محاضرة منتقاة ، أو استضافة بعض الدعاة الذين يحسنون مخاطبة الناس ودعوتهم ، أو جعل غيرك ينصحهم ويوجههم ، وهكذا يمكن أن يُكتب النجاح لدعوتك.
5. وجود المعاصي من الأهل بل الكفر بل الدعوة للكفر لا يمنع من أن يحسن المسلم معاملتهم ، ويبرهم ، ويستمر معهم في الدعوة ، قال تعالى : ( وَوَصَّيْنَا الْإِِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) العنكبوت/8 ، وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ظلَّ يدعو عمه أبا طالب مع بقائه على الشرك والكفر حتى الرمق الأخير ، فأين المتبعون لسنته منه صلى الله عليه وسلم في حرصه وهمه على المخالفين للشرع ، حتى قال له ربه تعالى : ( فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ) فاطر/8 ، وقال له : ( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً ) الكهف/6 .
6. لا ينبغي لك هجر أهلك ، وتركهم فريسة للشيطان ، بل عليك الصبر والتحمل .
نعم ، لك أن تهجر مكان المعصية فلا تجلس حيث يُشغَّل التلفاز بالمحرمات ، لكن لا داعي لهجرهم أثناء الطعام أو الحديث أو زيارة الناس لكم ، وإنما يُشرع الهجر حيث يمكن للداعية أن يتأثر ببيئة فاسدة تؤثر على دينه ، أما هجر أهله لأنهم لم يستجيبوا له : فليس بمشروع ، إلا أن ترى أن خروجك يمكن أن يكون مؤثراً عليهم بحيث يتركون سماع ومشاهدة المحرمات ، لكن الأكمل هو بقاؤك وتلطفك معهم في الدعوة ؛ حتى يكون تركهم للمحرمات وفعلهم للواجبات عن قناعة والتزام بشرع الله .
7. ولا تنس أن تستعين بالدعاء لربك تعالى أن يهدي قلوب أهلك ، ويوفقهم لاتباع الحق ، وهكذا كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يفعل ، فقد دعا لقبيلة " دوس " ، ودعا لثقيف ، بل أخبرنا عن بعض الأنبياء أنه كان يدعو لقومه وهم يؤذونه ويضربونه ! .
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن مَسْعُود رضي الله عنه: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْكِي نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ .
رواه البخاري ( 3290 ) ومسلم ( 1792 ) .
ونسأل الله تعالى أن يكتب لك الأجر ، وأن يهديك لما يحب ويرضى ، وأن يهدي أهلك لطريق الاستقامة ، وأن يجمعكم في الدنيا على خير وهدى ، وفي الآخرة في الفردوس الأعلى .
والله الموفق

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب