الحمد لله.
لم يرد في السنة المطهرة ما يدل على أن دعاء المجنون مستجاب ، فلا يجوز ادعاء ذلك حتى يثبت به الدليل ، وليس في الأدلة ما يشهد لذلك ، ولعل أصل هذه الدعوى وارد من الفكرة الصوفية الغالية في المجانين والمجاذيب ، أو من غلو بعض العوام في الطرف المقابل في معاملة هؤلاء المجانين ، فكثير من الناس من يظلمهم ويؤذيهم بغير حق ، وآخرون يظنون أنهم أفضل من العقلاء ، أو أن لهم سرا في العبودية ، أو مقاما خاصا عند الله .
بل نزيد فنقول إن دعاء المجنون صادر عن غير فهم وعلم ، فهو لا يتضمن على معنى الدعاء الذي هو العبادة ، والذي يقتضي من الداعي استحضار معاني الألوهية والربوبية والعظمة لله عز وجل ، واستحضار فقر الداعي وذله وانكساره بين يدي الله ، فالمجنون إذا دعا إنما يهذي بكلمات لا يدري ما تعني ولا يقصد ما تتضمن ، فهل يسمى مثل ذلك من الدعاء ، فضلا عن دعوى قبوله واستجابته عند الله عز وجل ؟!
لكن بعض هؤلاء المجانين ، غير المكلفين ، يكون له إدارك في بعض الأمور ، فيميز بين من يحسن إليه ويكرمه ، وبين من يؤذيه ويهينه ، وربما دعا بكلمات طيبة لمن يكرمه ويحسن إليه ، وربما دعا ـ أيضا ـ على من يؤذيه ويهينه ، وليس ببعيد أن تستجاب دعوته حينئذ ؛ خاصة إذا كان مظلوما ، يستنصر على ظالمه .
وأما إطلاق القول بأن دعوة المجنون مستجابة : فلا دليل عليه ، بل هو من القول على الله بلا علم .
والله أعلم .
تعليق