الأحد 23 جمادى الأولى 1446 - 24 نوفمبر 2024
العربية

السنة في صلاة الفجر إطالة القراءة فيها ، بما لا يشق على الناس

138870

تاريخ النشر : 10-10-2009

المشاهدات : 161780

السؤال

أنا طالب أدرس في أمريكا ويوجد مسجد بالجامعة التي أدرس بها . حصلت مشكلة بين الإمام والمصلين وهي الإطالة في صلاة الفجر . اشتكى لي بعض المصلين إطالة الإمام في صلاة الفجر حيث إن الصلاة في ذلك اليوم كانت مدتها 25 دقيقة إلى نصف ساعة حيث إنه قرأ أربعة أوجه من سورة إبراهيم وأربعة أوجه من سورة الكهف والإمام يريد أن يجعلها دائما هكذا لأنه يعلم أن السنة الإطالة في الفجر . علما أن معظم المصلين من الشباب لكنهم تذمروا من هذا الأمر وقال بعضهم إني لن أصلي في هذا المسجد بحجة إطالة الإمام في الصلاة . هل إطالة هذا الإمام تعتبر شاقة ومنفرة للمصلين؟ أنا أستطيع أن أقرأ وجهاً في ثلاث إلى خمس دقائق وغيري ربما يقرأ قراءة متأنية في ثمان دقائق هل هناك فرق في الإطالة بين القراءة المتأنية والقراءة السريعة؟ لأن إمام المسجد قال إن أقل ما يقرأه النبي صلى الله عليه وسلم أربع ورقات أي ثمان أوجه لكن لا نعلم كم مدتها؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الصبح بطوال المفصل .

قال ابن القيم رحمه الله :

" أجمع الفقهاء أن السنة في صلاة الفجر أن يقرأ بطوال المفصل " انتهى .

"حاشية السنن" (3 / 77) .

وطوال المفصل من سورة (ق) حتى سورة (المرسلات) .

وعَنْ أَبِي بَرْزَةَ رضي الله عنه (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ مِنْ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ) متفق عليه .

وكان - أحيانا - يؤمهم فيها بـ "الصافات" رواه أحمد (4969) ، وكان يصليها يوم الجمعة بـ " ألم تنزيل السجدة" في الركعة الأولى ، وفي الثانية بـ " هل أتى على الإنسان " متفق عليه .

انظر : "صفة الصلاة" للألباني رحمه الله (ص/109-111) .

وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :

"المشروع في صلاة الفجر إطالة القراءة ، ويقرأ ما تيسر من القرآن بعد الفاتحة من غير تخصيص لسورة معينة ، إلا ما ورد الدليل بتخصيصه ؛ كسورة السجدة ، وسورة الدهر - هل أتى على الإنسان- في صلاة الفجر يوم الجمعة" انتهى .

"فتاوى اللجنة الدائمة" (5 / 340) .

وسئل الشيخ ابن جبرين رحمه الله :

بعض الأئمة يقرأون في جماعتهم في صلاة العشاء والفجر مقدار صفحة أو صفحتين في الركعة الأولى والثانية ، ويشتكي جماعة المسجد بأن الإمام أطال في القراءة ، وحجتهم أنه يوجد كبار السن وبعضهم مرضى ، وكذلك يقولون : إن هذا ينفر من الصلاة في المسجد ، فهل هذه تُعد إطالة ، وما نصيحتكم تجاه ذلك ؟ 

فأجاب رحمه الله :

" السُنة في صلاة الفجر الإطالة ؛ لأن الله سماها قرآنًا بقوله : ( وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ) أي صلاة الفجر ـ التي تطول فيها القراءة ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها ما بين الستين آية إلى المائة أو نحو نصف سورة آل عمران أو ثلثها ، وذلك قدر اثني عشر صفحة إلى خمسة عشر وجهًا ، وكان عمر يقرأ فيها بسورة يوسف كاملة أو بسورة النحل كاملة ، أي فوق ثلاثة عشر وجهًا ، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قرأ نصف سورة "المؤمنون" في ركعة , أي نحو أربع صفحات ، فعلى هذا لا يُقال لمن قرأ ثلاث صفحات في الركعتين إنه قد أطال , بل هو مختصر , ولا عذر لأحد في طلب التخفيف الذي هو خلاف السُنة ، ومن كان عاجزًا لكبر سن أو مرض فله أن يُصلي وهو جالس إذا عجز عن الإتمام قائمًا ، فإن صلى قائمًا وعجز جاز له القعود لمرض أو كبر سن حتى في الفريضة ، فأما القادر فلا يجوز له الجلوس ؛ لأن القيام ركن في الصلاة ، والله أعلم " انتهى من موقع الشيخ .

هذا هو الأصل في صلاة الفجر ، وعلى الإمام أن يراعي حال المأمومين ، فلا يطيل عليهم إطالة تنفرهم من الصلاة خلفه ؛ فعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْفَجْرِ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فُلَانٌ فِيهَا . فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَا رَأَيْتُهُ غَضِبَ فِي مَوْضِعٍ كَانَ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ ثُمَّ قَالَ : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ , فَمَنْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيَتَجَوَّزْ ؛ فَإِنَّ خَلْفَهُ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ ) متفق عليه.

فقد تكون الإطالة مناسبة في مسجد ، وغير مناسبة في مسجد آخر ، لاختلاف حال أهل المسجدين . 

وقد سئل علماء اللجنة للإفتاء :

ما هو القدر المناسب لقراءة الإمام في الصلاة الجهرية ، علما بأنه يوجد وراءه رجال متقدمين في السن ؟

فأجابوا :

"ذلك مما يختلف باختلاف أحوال المصلين بالمسجد جماعة ، فليراع كل إمام حال جماعة مسجده ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أيكم أم الناس فليخفف ؛ فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف وذا الحاجة )" انتهى .

"فتاوى اللجنة الدائمة" (6 / 391) .

فما يفعله إمامكم لا نرى أنه إطالة شاقة إذا كان يفعله أحيانا ، إلا إذا كان في أهل المسجد من هو مريض أو كبير أو له أعمال يتعطل عنها بسبب إطالة الصلاة .

ويشكر هذا الإمام على حرصه على اتباع السنة ، غير أن الأقرب إلى السنة التنوع في القراءة ، فقد كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم متنوعة ، فأحياناً يطيل وأحياناً يقرأ أقل من ذلك ، فعَنْ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ رضي الله عنه قال : (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ الْوَاقِعَةَ وَنَحْوَهَا مِنْ السُّوَرِ) ، رواه أحمد (20489) ، وصححه الألباني في "صفة الصلاة" ص 109 .

فلو أن الإمام قرأ سورة من طوال المفصل لكان في ذلك جمع بين السنة في القراءة في صلاة الفجر ، والتخفيف على المأمومين .

ولو أطال أحياناً أكثر من هذا لم ينكر عليه ، ما لم يشق على الناس .

وعلى هذا ، فقول إمامكم : إن أقل ما كان يقرأه النبي صلى الله عليه وسلم هو ثمان أوجه . فيقال : قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ بأقل من هذا ، فسور طوال المفصل كلها أقل من هذا ، بل قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الفجر بسورة (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) رواه النسائي (951) وصححه الألباني في "صحيح النسائي" .

فالذي ننصح به أن يقرأ من طوال المفصل ، ولا بأس أن يطيل أحيانا أكثر من هذا .

ثانياً :

هناك فرق بين القراءة المتأنية والقراءة السريعة ؛ ومن فقه الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يراعون ذلك ، فالذي يقرأ قراءة بطيئة ينبغي أن يقرأ قدراً أقل ممن قراءته سريعة ..... وهكذا .

فقد روى ابن أبي شيبة في "المصنف" (7754) : عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ : " دَعَا عُمَرُ الْقُرَّاءَ فِي رَمَضَانَ فَأَمَرَ أَسْرَعَهُمْ قِرَاءَةً أَنْ يَقْرَأَ ثَلاَثِينَ آيَةً ، وَالْوَسَطَ خَمْسة وَعِشْرِينَ آيَةً ، وَالْبَطِيءَ عِشْرِينَ آيَةً " .

وروى أيضا (7761) : عَنِ الْحَسَنِ قَالَ : " مَنْ أَمَّ النَّاسَ فِي رَمَضَانَ فَلْيَأْخُذْ بِهِمَ الْيُسْرَ ، فَإِنْ كَانَ بَطِيءَ الْقِرَاءَةِ فَلْيَخْتِمَ الْقُرْآنَ خَتْمَةً ، وَإِنْ كَانَ قِرَاءَةً بَيْنَ ذَلِكَ فَخَتْمَة وَنِصْف ، فَإِنْ كَانَ سَرِيعَ الْقِرَاءَةِ فَمَرَّتَيْنِ "  .

والذي ينبغي للإمام أن يحرص على جمع الناس وتأليف قلوبهم ، والأخذ بأيديهم إلى السنة شيئاً فشيئاً ، فذلك خير من تنفيرهم .

لا سيما وأنتم تعيشون في البلاد الغربية ، فأنتم أحوج إلى الاجتماع والائتلاف .

فعلى الإمام أن يراعي حال المأمومين خلفه بما لا يخرج عن السنة .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب