الأربعاء 5 جمادى الأولى 1446 - 6 نوفمبر 2024
العربية

معنى حديث الإمام ضامن

السؤال

أخبرني بعض الأشخاص أن صلاة المأموم مرهونة بصلاة الإمام ، أي : طالما أن الإمام لم يرتكب خطأ في صلاته فصلاة المأموم صحيحة تبعا له ، سواء أخطأ المأموم أم لم يخطئ ، فهل هذا الحكم صحيح ، وما الدليل ، وهل يعني أن مبطلات الصلاة في حال صلاة الجماعة تختلف عنها في صلاة المنفرد ؟

الجواب

الحمد لله.

الإمام في صلاة الجماعة هو مقدَّم الناس إلى الله ، يقودهم في أعظم شعيرة من شعائر الإسلام وهي الصلاة ، ولذلك كان لصلاته أهمية بالغة ، تعلقت بها صلاة المأمومين في أحكام كثيرة ، يجمع مقاصدها حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( الْإِمَامُ ضَامِنٌ ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ ، اللَّهُمَّ أَرْشِدْ الْأَئِمَّةَ ، وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ )

رواه أبو داود (رقم/517) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود "

وقوله صلى الله عليه وسلم : ( الإمام ضامن ) : يشتمل على كثير من معاني الضمان التي اتفق عليها أهل العلم في أبواب صلاة الجماعة :

فالإمام ضامن : بمعنى أنه يجب عليه أن يحفظ صلاة المأمومين من البطلان ، ويحفظ عليهم عدد الركعات ، ولا ينقر بهم الصلاة نقرا مخلا بالأركان ، ولا يقصر في العناية بشروط الصلاة وتحقيق سننها وهيئاتها ، ونحو ذلك .

والإمام ضامن بمعنى : أنه يتحمل عن المأموم الجهر في الصلاة الجهرية ، ويتحمل عنه قراءة السورة القصيرة أيضا ، كما يتحمل سهو المأموم إذا ترك بعض السنن ، بل ويتحمل عنه قراءة الفاتحة إذا جاء مسبوقا ، كل ذلك من معاني الضمان المتفق عليها .

والإمام ضامن أيضا بمعنى : أنه متكفل بالدعاء لجميع المأمومين إذا قنت بهم ، أو دعا لهم ، متكفل بتعليم المأمومين أحكام الصلاة كي لا تفسد عليهم ، ولا يحرموا ثوابها الكامل . 

يقول الخطابي رحمه الله :

" قوله : ( الإمام ضامن ) قال أهل اللغة : الضامن في كلام العرب معناه : الراعي . والضمان معناه : الرعاية ، قال الشاعر :

رعاكِ ضمان الله يا أم مالك ... وللّه أن يشقيك أغنى وأوسع

والإمام ضامن بمعنى : أنه يحفظ الصلاة وعدد الركعات على القوم .

وقيل معناه : ضامن الدعاء ، يعمهم به ولا يختص بذلك دونهم ، وليس الضمان الذي يوجب الغرامة من هذا في شيء .

وقد تأوله قوم على معنى : أنه يتحمل القراءة عنهم في بعض الأحوال ، وكذلك يتحمل القيام أيضاً إذا أدركه راكعا " انتهى.

" معالم السنن " (1/156)

ويقول بدر الدين العيني رحمه الله :

" أصل الضمان : الرعاية والحفظ ؛ لأنه يحفظ على القوم صلاتهم .

وقيل : لأنه يتحمل القراءة عنهم ، ويتحمل القيامَ إذا أدركه راكعًا .

وقيل : صلاة المقتدين به في عهدته ، وصحتها مقرونة بصحة صلاته ؛ فهو كالمتكفل لهم صحة صلاتهم .

وقيل : ضمان الدعاء يعمّهم به ، ولا يختص بذلك دونهم " انتهى.

" شرح سنن أبي داود " (2/468)

ويقول الشوكاني رحمه الله :

" ( الإمام ضامن ) الضمان في اللغة : الكفالة ، والحفظ ، والرعاية .

والمراد : أنهم – يعني الأئمة - ضمناء على الإسرار بالقراءة والأذكار ، حكي ذلك عن الشافعي في " الأم " .

وقيل : المراد : ضمان الدعاء ، أن يعم القوم به ، ولا يخص نفسه .

وقيل : لأنه يتحمل القيام والقراءة عن المسبوق " انتهى.

" نيل الأوطار " (2/42)

ومع ذلك لم يفهم العلماء من الحديث ما فهمه بعض الناس ، أنه إذا صحت صلاة الإمام فقد صحت صلاة المأموم مهما وقع في المخالفات ، وأنه إذا فسدت صلاة الإمام فقد فسدت صلاة المأموم وإن حافظ على أركانها وشروطها .

بل يقول العلماء : المخالفات التي قد يرتكبها المأموم في صلاته لا تخلو :

1- إما أن تكون المخالفة تعد من مبطلات الصلاة : كالحدث ، وإصابة النجاسة ، أو الأكل والشرب والضحك ، ونحو ذلك من مبطلات الصلاة ، ومثلها أيضا تعمد ترك ركن من أركان الصلاة : فهذه المخالفات مبطلة لصلاة المأموم ، ولا يتحمل الإمام عنه منها شيئا باتفاق العلماء .

2- وإما أن تكون المخالفة ليست من مبطلات الصلاة : كترك بعض السنن والهيئات ، والوقوع في بعض المخالفات كالالتفات والتبسم ونحو ذلك مما لا يبطل الصلاة ، أو السهو عن بعض الواجبات ، كأن ينسى قراءة التشهد الأول ، أو قراءة تسبيحات الركوع أو السجود ، أو نحو ذلك : فهذه هي التي تجبرها صلاة الإمام ، ويسد أجر صلاة الجماعة النقص والخلل الذي وقع بها .

وهناك بعض المسائل الفقهية التي اختلف فيها فقهاء المذاهب الأربعة تبعا لاختلافهم في معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( الإمام ضامن ) ، تراجع في كتب اختلاف العلماء المطولة .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب