الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

حكم طبع وبيع وشراء البطاقة العائلية للرسول صلى الله عليه وسلم !

153776

تاريخ النشر : 22-10-2010

المشاهدات : 341993

السؤال

انتشرت في بعض المنتديات " بطاقة شخصية للرسول صلى الله عليه وسلم " تتضمن معلومات شخصية له ، وعلى شكل جواز سفر ! وتحتوي البطاقة العائلية على نسخة تعريفية بطريقة موجزة مبتكرة بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم وبآله وبأهل بيته وأولاده وبناته وزوجاته وأماكن ولادتهم ، وتفاصيل شخصية أخرى ، ما الحكم الشرعي في ذلك ؟ . جزاكم الله خيراً .

الجواب

الحمد لله.


أولاً:
سبق التحذير من نشرات كثيرة تُسوَّق بين عامة الناس ، يرى كاتبوها – كما يزعمون – أنها تحث على أخلاق أو تعرِّف بأحكام أو تدعو لمزيد تأمل في حقيقة الأشياء ، وقد أسرف هؤلاء على أنفسهم بهذه النشرات ، وشغلوا العوام بتلك المبتدعات والتي يشتمل كثير منها على أنواع من الاستهانة بالشرع وأحكامه ، والمتأمل من العقلاء ينفر من بعض عناوينها فضلاً عن مضامينها ، فهذه نشرة بعنوان " مكياج يدخل صاحبته الجنة إن شاء الله " ! وتلك أخرى بعنوان " بندول ، علاج الذنوب " وثالثة بعنوان " الرقم الخاص بالملك – أي : الله جل جلاله " ! وفي طيات تلك النشرات مخالفات للشرع كثيرة تبدأ من العنوان ! .
وانظر جواب السؤال رقم ( 145549 ).
وهذه النشرة موضوع السؤال لا تختلف عن سابقاتها من حيث حكمها الشرعي ، ومادتها فيها تنقيص من قدر النبي صلى الله عليه وسلم ومكانته ، ويمكن إجمال الملاحظات الشرعية عليها بما يأتي :
1. عدم تمييز النبي صلى الله عليه وسلم عن سائر الناس بمثل هذا الإصدار ، وهذا يتنافى مع أمر الله تعالى بتوقير النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيم قدره ، وها هم العلماء من سلف هذه الأمة يجعلون الترجمة للنبي صلى الله عليه وسلم وحياته بكتب خاصة ، وقد جعلوا لها علماً خاصّاً يسمى " السيرة النبوية " ، وكل ذلك تقديراً لمنزلة النبي صلى الله عليه وسلم والتزاماً بقوله تعالى – على أحد وجوه تفسيرها – ( لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ) النور/ 63 ، وقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ ) الحجرات/ 2 .
قال ابن كثير – رحمه الله - :
فهذا كله من باب الأدب في مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم والكلام معه وعنده .
" تفسير ابن كثير " ( 6 / 89 ) .
وإصدار جواز سفر وبطاقة عائلية بتلك الطريقة الوارد ذِكرها في السؤال يتنافى مع الأدب معه صلى الله عليه وسلم ؛ حيث جعله الكاتب لها كغيره من الناس لم يميزه بالأدب في التعامل والخطاب .
2. اشتمال تلك البطاقة الشخصية على أحاديث ضعيفة ومنكرة ، ومن ذلك :
أ. حديث ( ألا إِنَّ مَثَلَ أَهْلِ بَيْتِي فِيكُمْ مِثْلُ سَفِينَةِ نُوحٍ ، مَنْ رَكِبَهَا نَجَا ، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ ) .
قال الهيثمي – رحمه الله - :
رواه البزار والطبراني في الثلاثة ، وفي إسناد البزار : الحسن بن أبي جعفر الجعفري ، وفي إسناد الطبراني : عبد الله بن داهر ، وهما متروكان .
" مجمع الزوائد " ( 9 / 265 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
وأما قوله ( مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ) : فهذا لا يُعرف له إسناد لا صحيح ، ولا هو في شيء من كتب الحديث التي يعتمد عليها ، فإن كان قد رواه مثل من يروي أمثاله من حطاب الليل الذين يروون الموضوعات ، فهذا ما يزيده وهناً .
" منهاج السنة النبوية " ( 7 / 395 ) .
والحديث لم يروه الإمام أحمد كما زعمه كاتب تلك البطاقة ! .
ب. حديث ( النُّجُومُ أَمَانٌ لأَهْلِ السَّمَاءِ ، وَأَهْلُ بَيْتِي أَمَانٌ لأُهْلِ الأَرْضِ فَإِذَا ذَهَبَ أَهْلُ بَيْتي ذَهَبَ أَهْلُ الأَرْضِ ) .
رواه الحاكم في " المستدرك " ( 2 / 486 ) ، وعلَّق عليه الذهبي بقوله : " قلت : أظنه موضوعاً ، وعبيد – وهو ابن كثير العامري - متروك ، والآفة منه " .
وروي مختصراً بأسانيد لا تصح أيضاً .
قال ابن طاهر المقدسي – رحمه الله - :
فيه موسى بن عبيدة الربذي ، منكر الحديث ، وضعَّفه يحيى – أي : ابن معين - .
" معرفة التذكرة " ( ص 268 ) .
وانظر تفصيل الكلام على الحديث في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " ( 4699 ) .
والحديث لم يروه الإمام أحمد في مسنده كما زعمه كاتب البطاقة ! .
ج. حديث ( أَحِبُّونِي بِحُبِّ اللَّهِ وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي بِحُبِّي ) .
وقد رواه الترمذي ( 3789 ) وهو حديث ضعيف .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
إسناده ضعيف ؛ فإن الله يُحِبُّ أن يُحبَّ لذاته وإن كانت محبته واجبة لإحسانه .
" منهاج السنة النبوية " ( 5 / 396 ) .
3. اشتمال البطاقة على صور لبيت النبي صلى الله عليه وسلم الذي وُلد فيه ، ومكان مولد فاطمة رضي الله عنها ، ومكان مصلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ومكان اجتماعه بالوفود ، وكل ذلك لا يصح ثبوته ، بل هو أوهام وخيالات .
وفي مكان ولادته صلى الله عليه وسلم أربعة أقوال : فقد قيل إنه ولد في دار ، في شعب مشهور بشعب بني هاشم ، وقيل إنه ولد في شعب بني هاشم نفسه ، وقيل بالرَّدم ، وقيل بعسفان ، فكيف لأحدٍ أن يجزم بواحد منها والعلماء مختلفون ذلك الاختلاف ؟! ومثله يقال في باقي الأشياء المصورة المثبتة من غير بيِّنة .
4. ومثله يقال في تحديد يوم ميلاده واختلاف أهل العلم فيه ؛ فقد قيل إنه صلى الله عليه وسلم وُلد لليلتين خلتا من ربيع الأول ، وقيل : في ثامن ربيع الأول ، وقيل : في عاشر ربيع الأول ، وقيل : في ثاني عشر ربيع الأول . فكيف تكون بطاقة شخصية لا يُعرف على وجه التحديد مكان ميلاد صاحبها ، ولا تاريخه ؟!
5. اشتمال البطاقة على مغالطات وتحريفات كثيرة ، ومنها :
أ. قول الكاتب : إصدار : " أمين سجل يثرب " ! .
والنبي صلى الله عليه وسلم وُلد في مكة قطعاً ، وليس في المدينة ، ثم إنه أطلق على المدينة النبوية اسم " يثرب " وهو من أسماء الجاهلية .
عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى يَقُولُونَ يَثْرِبُ وَهِيَ الْمَدِينَةُ تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ ) .
رواه البخاري ( 1772 ) ومسلم ( 1382 ) .
قال النووي – رحمه الله - :
( يَقُولُونَ يَثْرِبُ وَهِيَ الْمَدِينَةُ ) يعنى : أن بعض الناس من المنافقين وغيرهم يسمونها " يثرب " وإنما اسمها " المدينة " و " طابة " و " طيبة " ، ففي هذا كراهة تسميتها " يثرب " ، وقد جاء في مسند أحمد بن حنبل حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في كراهة تسميتها " يثرب " ، وحكي عن عيسي بن دينار أنه قال : " من سماها يثرب كتبت عليه خطيئة " ، قالوا : وسبب كراهة تسميتها " يثرب " : لفظ التثريب الذي هو التوبيخ والملامة ، وسميت " طيبة " و " طابة " لحسن لفظهما .
وكان صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن ويكره الاسم القبيح ، وأما تسميتها في القرآن " يثرب " : فإنما هو حكاية عن قول المنافقين والذين في قلوبهم مرض .
" شرح مسلم " ( 9 / 154 ، 155 ) .
ب. وقوله : " مسؤول الإحصاء : حذيفة بن اليمان " ! .
وهو قول لا دليل عليه ، وإنما كان حذيفة رضي الله عنه أمين سرِّ الرسول صلى الله عليه وسلم .
6. اشتمال البطاقة على بعض عقائد التصوف ، ومن أمثلته :
قول الكاتب : " زمرة الدم : ن و ر من الله " ! .
ولا وجود لهذه الزمرة في الواقع أصلاً ، وإنما هو تسويق لعقيدة تصوف بالية في أن النبي صلى الله عليه وسلم مخلوق من نور .
قال علماء اللجنة الدائمة :
اعتقاد أن الدنيا خلقت من أجل محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنه صلى الله عليه وسلم خُلق من نور : كل هذا من الغلو والكذب ، فالله إنما خلق الخلق من أجل عبادته سبحانه وتعالى ، قال تعالى ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات/ 56 ، وقال تعالى : ( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ) الأنعام/ 73 ، والنبي صلى الله عليه وسلم بشر خُلق مما خلق منه البشر من أب وأم ، قال تعالى ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ) الكهف/ 110 .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .
" فتاوى اللجنة الدائمة " المجموعة الثانية ( 1 / 163 ، 164 ) .
ثانياً:
قد أصدر طائفة من العلماء ولجان الفتوى تحذيراً من نشر هذه البطاقة ، ومنعوا بيعها وشراءها :
أ. فتوى للشيخ عبد الرحمن البرَّاك حفظه الله في هذه البطاقة .
قال الشيخ – حفظه الله - :
، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فقد دُفع إليَّ كتيب مصمم على شكل حفيظة نفوس ، مصدره دمشق الشام ، وقد تضمن التعريف بالرسول صلى الله عليه وسلم : اسمه ، ونسبه ، وزوجاته ، وذريته ، ومكان وتاريخ ولادته ، وعمومته وخؤولته ، وأطوار حياته صلى الله عليه وسلم ، ومنزلته بين الأنبياء عليهم السلام ، وضموا إلى ذلك بعض الصور والخرائط لمولده وبيته بمكة بزعمهم ، وفيه محل تجارة زوجه خديجة ، ومولد فاطمة ، ومصلاه ، ومحل استقباله الوفود كما يزعمون ، وأشياء أخرى من هذا القبيل .
وأهم ما ينكر في هذا الكتاب :
أولاً : تصميمه على شكل حفيظة نفوس ، ثم تطبيق مصطلحات الأحوال المدنية في التعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم وأسرته ، وهذه طريقة قبيحة ؛ فيها تنقص له وإزراء بمقامه صلى الله عليه وسلم ، حيث جعلوه كواحد من الناس يحتاج إلى هوية تعرف به وبانتمائه وجنسيته وديانته ومهنته وطبيعة عمله صلى الله عليه وسلم .
ومعرفة النبي صلى الله عليه وسلم أصل من أصول الدين ولكن بغير هذه الطريقة ، وهذه الطريقة في التعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم عند من يقرؤها أقرب إلى الضحك منها إلى التعظيم ، وهي من مصدرها أقرب إلى السخرية .
ثانياً : ما اشتمل عليه من الصور والخرائط المفصلة التي ما هي إلاّ دعاوى لا مستند يثبتها ، ثم إن ذكرها وتحديدها يتضمن الدعوة إلى تعظيم هذه الأماكن ، واعتقاد اختصاصها بفضائل لا دليل عليها ، فيكون ذكرها دعوة إلى البدعة ، كما أنه مشعر بنزعة تصوف أو تشيع .
ثالثاً : تضمن الكتيب ذكر آيات وأحاديث صحيحة وضعيفة في فضل أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهي وإن كانت حقّاً في الجملة : فإن ذكرها يدل على نزعة تشيع .
وبناء على ما تقدم : فلا يجوز نشر هذا الكتيب ، بل يجب إتلاف ما وجد منه .
هذا ، والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
أملاه :
الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك .
22 / 3 / 1431 هـ .
ب. وهذه فتوى لجنة الفتوى في وزارة الأوقاف الكويتية في التعليق على هذا الكتيب، تحت هذا الرابط :
http://www.islam.gov.kw/eftaa/topics/current/details.php?sdd=329&cat_id=165
وكذلك فتوى الشبكة الإسلامية .
  وهذه صور من البطاقة العائلية لمن أراد النظر فيها :
http://img73.imageshack.us/img73/8785/att2aa2.jpg
http://img73.imageshack.us/img73/6926/att4sh8.jpg
http://img73.imageshack.us/img73/8631/att5gk2.jpg
http://img405.imageshack.us/img405/244/att13hn0.jpg
والخلاصة :
لا يجوز نشر تلك البطاقة ، ولا بيعها ، ولا شراؤها .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب