الحمد لله.
ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه لا يقتل الوالد بولده ، واحتجوا بالحديث الذي ذكرت ، وهو ما رواه الترمذي (1401) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ وَلَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِالْوَلَد ) .
وروى أحمد (346) وابن ماجه (2662) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : " قتل رجل ابنه عمدا ، فرفع إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فجعل عليه مائة من الإبل ثلاثين حقة وثلاثين جذعه وأربعين ثنية ، وقال لا يرث القاتل ؛ ولولا أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا يقتل والد بولده) لقتلتك".
والحديث مختلف في صحته ، وقد ضعفه كثير من أهل العلم ، منهم علي بن المديني والترمذي وابن القطان وعبد الحق الأشبيلي ، وأحمد شاكر ، وحسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند ، وصححه الألباني في "إرواء الغليل " بمجموع طرقه (7/ 269) .
قَال ابن الملقن رحمه الله : " وقال عبد الْحق فِي "أَحْكَامه" : هَذِه الْأَحَادِيث كلهَا معلولة لَا يَصح مِنْهَا شَيْء ، وبيَّن ذَلِك ابْن الْقطَّان كَمَا بَيناهُ " انتهى من "البدر المنير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير" (8/ 374).
وأورد ابن عبد الهادي أحاديث الباب وضعفها ، انظر : " تنقيح التحقيق" (4/471) .
ولهذا ذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه يقتل الوالد بولده ، وهو قول ابن نافع وابن الحكم وابن المنذر . وينظر : " المغني " (8/ 277) .
وذهب مالك رحمه الله إلى أنه إن قتله حذفا بالسيف ونحوه , لم يقتل به , وإن ذبحه , أو قتله قتلا لا يشك في أنه عمد إلى قتله دون تأديبه , أقيد به .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " والدليل الحديث المشهور: لا يقتل والد بولده ، هذا من الأثر، ومن النظر : أن الوالد سبب في إيجاد الولد، فلا ينبغي أن يكون الولد سببا في إعدامه.
ولننظر في هذه الأدلة ، أما الحديث فقد ضعفه كثير من أهل العلم ، فلا يقاوم العمومات الدالة على وجوب القصاص ، وأما تعليلهم النظري ، فالجواب عنه أن الابن ليس هو السبب في إعدام أبيه، بل الوالد هو السبب في إعدام نفسه بفعله جناية القتل.
والصواب: أنه يقتل بالولد، والإمام مالك ـ رحمه الله ـ اختار ذلك، إلا أنه قيده بما إذا كان عمدا، لا شبهة فيه إطلاقا ، بأن جاء بالولد وأضجعه وأخذ سكينا وذبحه ، فهذا أمر لا يتطرق إليه الاحتمال ، بخلاف ما إذا كان الأمر يتطرق إليه الاحتمال فإنه لا يقتص منه ، قال: لأن قتل الوالد ولده أمر بعيد ، فلا يمكن أن نقتص منه إلا إذا علمنا علم اليقين أنه أراد قتله .
والراجح في هذه المسألة: أن الوالد يقتل بالولد، والأدلة التي استدلوا بها ضعيفة لا تقاوم النصوص الصحيحة الصريحة الدالة على العموم ، ثم إنه لو تهاون الناس بهذا لكان كل واحد يحمل على ولده ، لا سيما إذا كان والدا بعيدا، كالجد من الأم ، أو ما أشبه ذلك ويقتله ما دام أنه لن يقتص منه " انتهى من "الشرح الممتع" (14/ 43).
وقال رحمه الله : " وعلى كل حال فهذه المسألة ترجع إلى المحاكم الشرعية فليحكم الحاكم بما يرى أنه أقرب إلى الصواب من أقوال أهل العلم " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" .
والله أعلم .
تعليق