الحمد لله.
أولاً :
ينبغي لمن وقع له ذلك أن يعتقد أن تأخر الإجابة يحمل في طياته حكماً باهرة وأسراراً بديعة ، فالله سبحانه هو مالك الملك ، لا راد لفضله ولا معقب لحكمه ، ولا اعتراض على عطائه ومنعه ، إن أعطى فبفضله ، وإن منع فبعدله ، فنحن عبيد له سبحانه يفعل فينا ما يشاؤه ويختاره سبحانه : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَة ) وكيف يقصر العبد المملوك في أداء حق سيده عليه ثم يطالب بحقه كاملاً ؟ !
فإن حقه سبحانه وتعالى أن يطاع فلا يعصى ، وأن يذكر فلا ينسى ، وأن يشكر فلا يكفر ، فإذا نظرت إلى نفسك تجاه هذه الحق مقتّ نفسك وازدريتها وانفتح لك باب الانكسار له سبحانه وأنه لا نجاة إلا بعفوه ورحمته فانظر أيها العبد إلى نفسك على أنك مربوب مملوك ، وأنه الله سبحانه هو الخالق المدبر .
ثانياً :
لله سبحانه الحكمة البالغة فلا يعطي ولا يمنع إلا لحكمة ، وقد ترى الشيء تظنه خيراً ولكن حكمته سبحانه لا تقتضيه ، فالطبيب قد يفعل أشياء ظاهرها أنها مؤذية ، ولكنها هي عين المصلحة " ولله المثل الأعلى "
ثالثاً :
أن تحقق المطلوب قد يكون فيه بلاء للداعي : وقد روي عن بعض السلف أنه كان يسأل الله الغزو فهتف به هاتف : إنك إن غزوت أُسِرْتَ وإنْ أُسِرْتَ تَنَصَّرْتَ . صيد الخاطر (1/109).
قال ابن القيم : " فقضاؤه لعبده المؤمن عطاء وإن كان في صورة المنع ، ونعمة وإن كان في صورة محنة ، وبلاؤه عافية وإن كان في صورة بلية " مدار السالكين (4/215).
( فالإنسان لا يعلم عاقبة أمره فربما يطلب ما لا تحمد عاقبته ، وربما كان فيه ضرره ، والمدبر له أعلم بمصالحه : ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم ) ومن أسرار الآية ألا يقترح على ربه ولا يسأله ما ليس له به علم فلعل فيه مضرته وهو لا يعلم فلا يختار على ربه بل يسأله حسن العاقبة فيما يختار له فإنه لا شيء أنفع له من ذلك )
رابعاً :
اختيار الله لعبده خير من اختيار العبد لنفسه ، فهو سبحانه أرحم بعباده من أنفسهم وأمهاتهم وإذا أنزل بهم ما يكرهون فإنه خيرٌ لهم من ألا ينزل بهم ، إحساناً إليهم ولطفاً بهم ، فإذا سلم العبد لله وأيقن أن الملك ملك الله ، والأمر أمره ، وأنه أرحم به من نفسه ، طاب قلبه ، قُضِيَتْ حاجتُه أم لم تُقْضَ " انظر مدارج السالكين (2/215).
خامساً :
تأخر الإجابة سبب لتفقد العبد لنفسه فقد يكون امتناع الإجابة أو تأخرها لآفة في الداعي ؛ فربما كان في مطعمه حرام ، أو في قلبه وقت الدعاء غفلة ، أو كان متلبساً بذنوب عوقب عليها بعدم إجابة دعائه . فتأخر الدعاء قد يبعث الداعي إلى تَفَقُّد نفسه ، والنظر في حاله مع ربه ، فيحصل من جَرَّاء ذلك المحاسبة والتوبة . ولو عُجِّلَت له دعوته لربما غفل عن نفسه فظن أنه على خير فأهلكه العٌجب .
سادساً :
تأخر الإجابة أو امتناعها قد يكون لأن الله يريد أن يؤخر له الثواب والأجر يوم القيامة أو يريد الله سبحانه أن يصرف عنه من السوء مثل دعوته وهو لا يعلم .
وبكل حال فثمرة الدعاء مضمونة حتى ولو لم تر الإجابة بعينيك فأحسن الظن بربك وقل : لعله استجاب لي من حيث لا أعلم ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاثٍ : إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا ، قَالُوا : إِذًا نُكْثِرُ . قَالَ : اللَّهُ أَكْثَرُ ) رواه أحمد (10749) قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ( حسن صحيح )
وبالجملة فعدم إجابة الدعاء أو تأخيرها له أسباب ، وحِكَم كثيرة ، فعلى العبد أن يتأمَّل ذلك ، ولا يترك الدعاء ، فإنه لن يعدم من الدعاء خيراً .
والله أعلم .
تعليق