الحمد لله.
أولاً : لتعلمي أخيّة أن رحمة الله تعالى أوسع من أن يتصورها إنسان ، قال تعالى :
( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء ٍ) سورة الأعراف/156 ، وجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا وَأَخَّرَ اللَّهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رواه مسلم (2752) . والهوام : هي الحشرات الضارة المؤذية .
وقد تاب من قتل مائة نفس فتاب الله عليه ، كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( رواه مسلم 2766 ) ، وليست السرقة بأعظم من القتل ، فهنيئاً لك التوبة والإنابة .
ثانياً : ذكر أهل العلم أن التوبة لها شروط ثلاثة وهي : الإقلاع عن الذنب ، والندم على ما فات ، والعزم على عدم العود .
ولتدركي أن الحقوق نوعان ، حق لله تعالى وحق للعباد ، فحق الله تعالى يسقط بالتوبة إلا في الأموال ، كالزكوات ، والكفارات ، والنذور على الصحيح .
( ينظر : روضة الطالبين 11 / 246 وكشاف القناع 2 / 257 ) .
أما حقوق العباد فقد أضاف أهل العلم شرطاً رابعاً للتوبة وهو ردّ الحقوق إلى أهلها ، وأن التوبة غير كافية لإسقاط حقٍ من حقوق العباد ، بل لابدّ من ردّ المظالم إلى أهلها .
كما ذكر ذلك ابن قدامة والنووي وابن القيم وابن حجر وغيرهم . ( ينظر: المغني 14 / 193 وروضة الطالبين11 /245 – 246 ومدارج السالكين 1/396 وفتح الباري 11/104 ).
ثالثاً : ما ذكرتيه من عدم قدرتك على إعادة الأموال فإنه ليس مسوِّغاً للتساهل في إرجاعها ؛ فاجتهدي في توفير المال وجمعه بطرق حلال كالهبة والعمل المشروع وغير ذلك ، والله عز وجل سيعينك على ذلك إن علم منك الصدق ؛ كما قال سبحانه : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * )وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) سورة الطلاق: 2-3 ، ثم أدي تلك الأموال لأصحابها بإخبارهم صراحة إن لم يكن في ذلك حرج أو مفسدة راجحة ، وإن كان ثمة حرج في المصارحة فيمكنك أن تؤديها إليهم بطرق لا يشعرون منها ما يوقعك وإياهم في الحرج . راجعي السؤال رقم (45016)
فإن لم يمكنك إعادة الأموال لكثرتها وعدم قدرتك على إيفائها فاستسمحي أصحاب المال ليتجاوزوا عن حقهم فيما تقدَّم ، واستعيني بالله على ذلك وتوكلي عليه ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) سورة الطلاق/3 ، فإن لم يمكنك ذلك أيضاً لكونك لا تعرفين أصحاب الأموال مثلاً فنرجو لك عفو الله وتجاوزه .
قال النووي رحمه الله : " إن كانت المعصية قد تعلق بها حق مالي كمنع الزكاة والغصب والجنايات في أموال الناس وجب مع ذلك تبرئة الذمة عنه بأن يؤدي الزكاة ، ويردّ أموال الناس إن بقيت ، ويغرم بدلها إن لم تبق ، أو يستحل المستحق فيبرئه ، فإن مات سلّمه إلى وارثه ، فإن لم يكن له وارث وانقطع خبره رفعه إلى قاض ترضى سيرته وديانته .
فإن تعذّر تصدّق به على الفقراء بنيّة الضمان له إن وجده . وإن كان معسراً نوى الضمان إذا قدر ، فإن مات قبل القدرة فالمرجوّ من فضل الله تعالى المغفرة "
روضة الطالبين (11/246) .
وبالله تعالى التوفيق .
تعليق