الحمد لله.
يجب أن نفرق بين أمرين اثنين مشتبهين :
الأول : القصد إلى القبر وتحري استقباله أثناء دعاء الإنسان لنفسه ، تبركا ، واعتقادا بقرب ذلك الإجابة : فهذا لا شك من البدع المحدثة ، ومن الغلو الذي نهت عنه الشريعة ، قد يؤدي إلى الوقوع في الشرك إذا صار الداعي يسأل صاحب القبر أن يقضي له الحاجات .
يقول ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (27/165) :
" وأما زيارة القبور لأجل الدعاء عندها أو التوسل بها أو الاستشفاع بها فهذا لم تأت به الشريعة أصلا ، ولهذا كانت السنة عند الصحابة وأئمة المسلمين إذا سلم العبد على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أن يدعو الله مستقبل القبلة ، ولا يدعو مستقبل الحجرة ، ولم أعلم الأئمة تنازعوا في أن السنة استقبال القبلة وقت الدعاء ، لا استقبال القبر النبوي ." انتهى
ويقول أيضا رحمه الله في "اقتضاء الصراط المستقيم" (364) :
" ولعل هذا الذي ذكره الأئمة أخذوه من كراهة الصلاة إلى القبر ، فإن ذلك قد ثبت النهي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، كما تقدم ؛ فلما نهى أن يتخذ القبر مسجدا أو قبلة ، أمروا بأن لا يتحرى الدعاء إليه كما لا يصلي إليه . قال مالك في المبسوط : لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ، ولكن يسلم ويمضى .
وهذا أصل مستمر ، فإنه لا يستحب للداعي أن يستقبل إلا ما يستحب أن يصلي إليه ، ألا ترى أن المسلم لما نهى عن الصلاة إلى جهة المشرق وغيرها ، فإنه ينهى أن يتحرى استقبالها وقت الدعاء ، ومن الناس من يتحرى وقت دعائه استقبال الجهة التي يكون فيها معظمه الصالح، سواء كانت في المشرق أو غيره ، وهذا ضلال بين وشرك واضح ." انتهى.
والمسلم حين يعبد الله بالدعاء يستحب له أن يتوجه إلى القبلة التي أمرنا بتعظيمها ، وليس إلى قبور البشر الذين لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا .
جاء في "كشاف القناع" ـ من كتب الحنابلة ـ (1/367) :
" ويستقبل الداعي القبلة لأن خير المجالس ما استقبل به القبلة " انتهى .
ومثله في حاشية "تحفة المحتاج" ـ من كتب الشافعية ـ (2/105) .
ويقول ابن تيمية رحمه الله في "نقض التأسيس" (2/452) :
" إن المسلمين مجمعون على أن القبلة التي يشرع للداعي استقبالها حين الدعاء هي القبلة التي شرع استقبالها حين الصلاة " انتهى .
الثاني :
أما عند زيارة القبر للدعاء للميت والاستغفار له ، كما يصنع الناس عند زيارة موتاهم في قبورهم ، فلا حرج على من يستقبل القبر في دعائه حينئذ ، فإنه لم يفعل ذلك تقصدا لبركة ذلك القبر أو تعظيما لجهته ، إنما ليكون أقرب في مكانه من الميت ، وأقرب في دعائه منه .
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله (13/338) ما يلي :
هل ينهى عن استقبال القبر حال الدعاء للميت ؟
فأجاب رحمه الله :
" لا ينهى عنه ؛ بل يدعى للميت سواء استقبل القبلة أو استقبل القبر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على القبر بعد الدفن ، وقال : ( استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل ) رواه البخاري .
ولم يقل استقبلوا القبلة ، فكله جائز ، سواء استقبل القبلة أو استقبل القبر ، والصحابة رضي الله عنهم دعوا للميت وهم مجتمعون حول القبر ." انتهى .
والله أعلم .
تعليق