الحمد لله.
أمر الله سبحانه وتعالى بدعائه في أكثر من موضع في كتابه الكريم :
( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) غافر/60
وهو أمر مطلق ، يشمل دعاءه سبحانه لسؤال حاجات الدنيا وحاجات الآخرة ، كما أنه إطلاق يناسب سَعَةَ فضل الله سبحانه وتعالى وكرمه ، وأنه لا يتعاظمه شيء يعطيه ، ولو أعطى كل واحد مسألته ما نقص من ملكه شيء .
يقول عز وجل : ( وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ) النساء/32
وقد جاء في حديث أبي ذر القدسي الطويل من قول الله تبارك وتعالى :
( يَا عِبَادِي ! كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ ، يَا عِبَادِي ! كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ ، يَا عِبَادِي ! كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ... يَا عِبَادِي ! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ )
رواه مسلم (2577)
يقول ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (1/225) :
" وفي الحديث دليل على أن الله يحب أن يسأله العباد جميع مصالح دينهم ودنياهم من الطعام والشراب والكسوة وغير ذلك ، كما يسألونه الهداية والمغفرة ، وفي الحديث : ( ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله إذا انقطع ) ، وكان بعض السلف يسأل الله في صلاته كل حوائجه حتى ملح عجينه وعلف شاته ، وفي الإسرائيليات : أن موسى عليه الصلاة والسلام قال : يا رب ! إنه ليعرض لي الحاجة من الدنيا فأستحي أن أسألك . قال : سلني حتى ملح عجينك وعلف حمارك .
فإنَّ كلَّ ما يحتاج العبد إليه إذا سأله من الله فقد أظهر حاجته فيه وافتقاره إلى الله ، وذاك يحبه الله ، وكان بعض السلف يستحي من الله أن يسأله شيئا من مصالح الدنيا ، والاقتداءُ بالسنة أَولَى " انتهى .
وعن عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا تَمَنَّى أَحَدُكُم فَلْيُكثِر ، فَإِنَّمَا يَسأَلُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ) رواه ابن حبان (2403) والطبراني في "الأوسط" (2/301) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/150) : رجاله رجال الصحيح . وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1325)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( سَلُوا اللَّهَ كُلَّ شَيءٍ حَتَّى الشِّسعَ ، فَإِنَّ اللَّهَ إِن لَمْ يُيَسِّرهُ لَمْ يَتَيَسَّرْ ) أخرجه أبو يعلى (8/44) وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (349) ، ورواه البيهقي في "شعب الإيمان" (2/42) من طريق آخر .
قال في "مجمع الزوائد" (10/150) : رجاله رجال الصحيح .
قال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1363) :
" وهذا سند موقوف جيد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم " انتهى .
والشِّسْعُ : سَورُ النعل الذي تدخل بين الأصبعين ، ويدخل طرفه في الثقب الذي في صدر النعل المشدود في الزمام .
يقول المناوي في "فيض القدير" (4/110) :
" لا طريق إلى حصول أي مطلوب من جلائل النعم ودقائقها إلا بالتطفل على موائد كَرَمِ مَن له الأمر ، وفي الإنجيل : سلوا تعطوا ، اطلبوا تجدوا ، اقرعوا يفتح لكم ، كل من سأل أعطي ، ومن طلب وجد ، ومن يقرع يفتح له . أوحى الله إلى موسى : قل للمؤمنين لا يستعجلوني إذا دعوني ، ولا يبخلوني ، أليس يعلمون أني أبغض البخيل ، كيف أكون بخيلا ، يا موسى ! لا تخف مني بخلا أن تسألني عظيما ، ولا تستحي أن تسألني صغيرا ، اطلب إلي الدقة والعلف لشاتك ، يا موسى ! أما علمت أني خلقت الخردلة فما فوقها ، وأني لم أخلق شيئا إلا وقد علمت أن الخلق يحتاجون إليه ، فمن سألني مسألة وهو يعلم أني قادر أعطي وأمنع أعطيته مسألته بالمغفرة .
قال عروة بن الزبير : إني أسأل الله في صلاتي ، حتى أسأله الملح إلى أهلي " انتهى .
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (3/284) :
" لا بأس أن يدعو بشيء يتعلَّق بأمور الدُّنيا ؛ مثل أن يقول : اللَّهُمَّ اُرزقني بيتاً واسعاً ، أو: اللَّهُمَّ اُرزقني زوجة جميلة ، أو : اللَّهُمَّ اُرزقني مالاً كثيراً ، أو : اللَّهُمَّ اُرزقني سيارة مريحة ؛ وذلك لأن الدُّعاء نفسه عبادة ولو كان بأمور الدنيا ، وليس للإنسان ملجأ إلا الله " انتهىبتصرف .
وانظر جواب السؤال رقم (22498)
فلا حرج عليك أخي السائل من دعاء الله بأن يرزقك قصرا في الدنيا والآخرة ، وإن كان الأولى بالمؤمن ألا يحرص على متاع الدنيا الزائل ، وأن يكون همه ما عند الله من نعيم الجنة ، وإن سأل شيئا من غنى الدنيا ونعيمها فيجب أن يقيده بالنعيم النافع الذي لا يُطغي ولا يُنسي حقوق الآخرة ، وانظر أخي الكريم حال من قص الله علينا شأنه في القرآن الكريم :
يقول تعالى :
( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) التحريم/11
ومن المكروه أيضا الاعتداء في الدعاء بذكر بعض التفاصيل التي ليست في محلها ، كأن تسأل قصرا عدد طوابقه كذا ، وعدد غرفه كذا ، ونحو ذلك من التنطع المكروه ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (41017)
ولتعلم ـ يا عبد الله ـ أن الله تعالى لا يختار لعبده المؤمن إلا الخير ؛ وهكذا ينبغي أن يكون مرادك من الدعاء بشيء من الدنيا : أن يقدر الله تعالى لك الخير حيث كان ، وأن يرزقك الرضا بما قضى لك وقدر ؛ سواء أكان الخير في قضاء حاجتك وتعجيلها ، أو في حبسها عنك ، وادخارها لك عنده سبحانه .
وانظر : جواب سؤال رقم (3699)
والله أعلم .
تعليق