الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

حق الأب في رؤية ابنه وزيارته إذا كان في حضانة أمه المطلقة

112013

تاريخ النشر : 16-06-2008

المشاهدات : 127899

السؤال

أفيدكم أن زوجي تركنا أنا وصغيري ، لأنه يقول : إنه أتى لهذه الدولة من أجل العمل ، وليس ليرعى عائلة ؛ (بوضوح، استخدمتك، وليس لي فيك حاجة بعد الآن !!). ومنذ 4 سنوات ولم يحاول ولا لمرة واحدة أن يرى ابنه. وفي مرة خشيت من إصابة الصغير بالتهاب السحايا فاتصلت به، وقال بأنه سيأتي لكنه لم يفعل ذلك. وقد أجبرته بأن يدفع مصاريف ولدنا بالرجوع إلى المحكمة لأنه كان يرفض ذلك. وفي العام الخامس بعد طلاقي، سافر الرجل إلى وطنه وتزوج من ابنة عمه. وقد عاد إلى بريطانيا وزوجته لا تزال في بلدها. وقد حصل على رقمي من 6 أشهر، وبدأ يضايقني ويتحدث إلى وكأنه لا يزال زوجي، وأخذ يتابعني أينما ذهبت، قائلا إنه لا يزال يرغب في إرجاعي .. وما إلى ذلك. أنا ما كنت لأصدق أن هذا الرجل الذي ظننت أنه مسلم صالح كان يتحدث بهذه الطريقة، وهو قد تخلى عنا، وطلقني، وتزوج من أخرى، ومع ذلك يقول بطريقة ما إنها كانت غلطتي أنا (يظهر أنه حتى زواجه الثاني كان غلطتي). على أية حال، وللاختصار، ولأني قد رفضت خطواته للمصالحة ، واتصلت بالشرطة ليمنعوه، فقد بدأ الآن يسحبني من خلال المحاكم بقصد الوصول إلى ابننا، وذلك لأنه يحس بأني أرفضه. أعلم أنه لا يهتم بابنه وأنه لم يتخذ تلك الخطوات إلا لأني رفضت مصالحته، إلا أني خائفة حقا من الذهاب للمحاكم، وذلك لأني سأجبر على الدفع .. الخ كما أن عندي محاميا لكني خائفة جدا من كل ذلك. وسؤالي هو: ما هو قول الإسلام حول ما يفعله؟ هل أنا مخطئة في منعه من رؤية ابنه، مع أنه يخيف الصغير ويخيفني أيضا، عندما كنا متزوجين ولخمسة سنوات (فابني يبلغ من العمر الآن 5 أعوام والحمد لله) فلم يظهر أي اهتمام بابنه؟ أنا لا أعرف كيف أتصرف، كما أني لا أريد أن أقع في أي محظور إسلامي، لكني أريد أن أعمل ما يكون في مصلحة ولدي في نفس الوقت، أي عدم الاتصال بأبيه، لأنه شخص عنيف ولم يظهر أي اهتمام في الصغير أبدا، وهو الآن يستغله كسلاح للإيقاع بي. ومع أنه فعل كل ذلك، فهل لي أي حق، شرعا، لأحاول وأمنعه من الوصول للصغير؟ فهو لا يمثل قدوة جيدة لابنه في أخلاقة ولا في تمسكه بالدين.

الجواب

الحمد لله.


لا شك أن ما ذكرته عن حال هذا الرجل يدل على أنه لا يمثل قدوة لابنه في الخلق والدين ، وأنه ليس أهلا لحضانة الطفل وتربيته ، لكن هذا لا يحرمه من حق رؤيته والاطمئنان عليه بين الحين والآخر ، كما لا يسقط عن الابن لزوم بره والإحسان إليه .
فكون الأب مقصرا مفرطا ، أو ظالما جائرا ، لا يعني أن يهجره الابن ويتخلى عنه ، ولا أن نشجعه على ذلك ، فإن حق الأب عظيم ، كما أن حق الأم أيضا عظيم .
وقد قرر الفقهاء أن من حق الأب رؤية ابنه حال كونه في حضانة الأم ، وأنه لا يمنع من زيارته . واختلفوا في المدة التي يزوره فيها ، وأرجعها الحنابلة إلى العرف ، كأن يزوره كل أسبوع مرة ، ونبه الفقهاء على أن الزوج بعد فراق زوجته أجنبي عن زوجته ، فلا بد من مراعاة ذلك ، فإن زار الطفلَ في بيت أمه لم يُطل الجلوس ، واشتُرط عدم خلوته بمطلقته ، ولها أن تمنعه من دخول بيتها ، لكن تخرج الولد إليه .
وإن مرض الولد لم يمنع أبوه من عيادته ، وهكذا يعطى كل ذي حق حقه . "الموسوعة الفقهية" (17/317) ، "المغني" (8/193) .
وينبغي أن تتفهمي هذا الأمر ، وألا تسعي في التفريق بين الولد وأبيه ، أو في شحن الابن بالبغض والكراهية ، فإن هذا – مع كونه محرما – فيه مضرة على نفس الطفل وأخلاقه وسلوكه .
وإن كنت تخشين من تأثر الولد ببعض أخلاق أبيه غير الصالحة ، فهذا يعالج بحسن التربية والتوجيه والتقويم ، من غير أن يُساء إلى الأب أو تشوَّه صورته في ذهن الابن .
والحاصل أنه لا يجوز لك أن تحرمي الأب من رؤية ابنه أو العكس ، بل يجب أن تمكنيه من رؤيته وزيارته إما في بيتك ، إن كان عندك محرم تأمنين معه على دخوله بيتك ، أو خارج البيت ، وأن تتفقا على مدة مناسبة كأسبوع أو أسبوعين أو غير ذلك ، مع الاجتهاد في تربية ابنك ، وتنشئته على الأخلاق الحميدة ، مع أبيه ومع غيره ، وتجنب إثارة الولد على أبيه أو حمله على كراهيته ، فإن ذلك محرم لما فيه من الدعوة إلى قطيعة الرحم . قال الله تعالى : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) محمد/22، 23
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ ) رواه مسلم (4637).
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (21/205) : " إذا خرجت الزوجة من بيت الزوجية أو حصلت فرقة بين الزوجين بطلاق مثلا ، وبينهما مولود أو أكثر ، فإنه لا يجوز في الشريعة الإسلامية أن يمنع أحدهما الآخر من رؤية المولود بينهما وزيارته. فإذا كان المولود مثلا في حضانة أمه فلا يجوز لها منع والده من رؤيته وزيارته ؛ لأن الله سبحانه أوجب صلة الأرحام بقوله تعالى : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى ) النساء/36 ، وفي الحديث : ( مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) " انتهى . والحديث رواه الترمذي (1204) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .

وحيث قد علمتِ حكم الشريعة في هذه المسألة فالحذر الحذر من اللجوء للمحاكم الوضعية لمنع الأب من حقه في رؤية ابنه وزيارته ، وإن كان لك الحق في اللجوء إلى المحاكم لمنعه من ظلمك أو العدوان عليك ، أو حرمانك من ابنك .

ونسأل الله تعالى أن يعينك على تربيته ، وأن يوفقك لما فيه الخير والفلاح والسداد .
والله أعلم .

 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب