الجمعة 10 شوّال 1445 - 19 ابريل 2024
العربية

هل تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام ؟

145834

تاريخ النشر : 13-02-2010

المشاهدات : 132193

السؤال

ما الحالات التي يفسد فيها الشخص صلاة غيره؟ مثلاً متى يفسد الإمام صلاة من خلفه دون علمهم؟

الجواب

الحمد لله.

اختلف العلماء فِي انْعِقَادِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ لَا ارْتِبَاطَ بَيْنَهُمَا  ، وَأَنَّ كُلَّ امْرِئٍ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ ، وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ .

وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهَا مُنْعَقِدَةٌ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَفَرْعٌ عَلَيْهَا مُطْلَقًا فَكُلُّ خَلَلٍ حَصَلَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ يَسْرِي إلَى صَلَاةِ الْمَأْمُومِ ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَد .

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : أَنَّهَا مُنْعَقِدَةٌ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ ، لَكِنْ إنَّمَا يَسْرِي النَّقْصُ إلَى صَلَاةِ الْمَأْمُومِ مَعَ عَدَمِ الْعُذْرِ مِنْهُمَا فَأَمَّا مَعَ الْعُذْرِ فَلَا يَسْرِي النَّقْصُ ، فَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ يَعْتَقِدُ طَهَارَتَهُ فَهُوَ مَعْذُورٌ فِي الْإِمَامَةِ ، وَالْمَأْمُومُ مَعْذُورٌ فِي الِائْتِمَامِ ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا . وَعَلَيْهِ يَتَنَزَّلُ مَا يُؤْثَرُ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَهُوَ أَوْسَطُ الْأَقْوَالِ .

"مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (23 / 370-371) .

فلا يلزم بطلان صلاة المأموم بمجرد بطلان صلاة الإمام ؛ لأن المأموم إذا أتى بصلاته ، بشروطها وأركانها وواجباتها لم يجز إبطالها إلا بدليل صحيح ، ويدل على ذلك ما رواه البخاري (694) وأحمد (8449) – واللفظ له - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (يُصَلُّونَ بكُمْ ، فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ ولَهُم ، وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ ) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

"قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : هَذَا الْحَدِيث يَرُدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ صَلَاة الْإِمَام إِذَا فَسَدَتْ فَسَدَتْ صَلَاة مَنْ خَلْفَهُ" انتهى .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

"هَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الْإِمَامَ إذَا أَخْطَأَ كَانَ دَرْكُ خَطَئِهِ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْمَأْمُومِينَ" انتهى .

"مجموع الفتاوى" (23 / 372) .

وقال السعدي رحمه الله :

" المأموم المعذور الذي لا يعلم حدث إمامه ولا نجاسته صلاته صحيحة ولو كان الإمام عالمًا بحدث نفسه ونجاسته ؛ لأن لكل نفس ما كسبت ، وعليها ما اكتسبت ، والمأموم لم يحصل له من مبطلات الصلاة ومفسداتها شيء ، فكيف يحكم ببطلان صلاته ؟! بل الصواب أنها لا تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة إمامه في كل صورة حتى ولو بطلت في أثناء الصلاة وخرج منها ، فإن المأموم يبني على صلاته إما منفردًا ، أو يصلي بهم أحدهم بقية صلاتهم ، وهو رواية قوية عن الإمام أحمد " انتهى من"الفتاوى السعدية" (1 /167-168) .

وعلى هذا ، إذا بطلت صلاة الإمام بسبب لا علاقة له بصلاة المأموم ، فلا تبطل صلاة المأموم ، كما لو صلى الإمام بلا طهارة ناسياً ، أو أحدث أثناء الصلاة .

وهناك أحوال تبطل بها صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام ، فمن ذلك :

- إذا بطلت صلاة الإمام بسبب ظاهر واضح لا يخفى عادة على المأمومين واستمروا على متابعته في الصلاة ، والاقتداء به ، كما لو ترك استقبال القبلة وستر العورة ، أو ترك تكبيرة الإحرام ، أو ترك قراءة الفاتحة في صلاة جهرية .

قال ابن قدامة رحمه الله :

"إذَا اخْتَلَّ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ , كَالسِّتَارَةِ [ستر العورة] وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ , لَمْ يُعْفَ عَنْهُ فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْفَى غَالِبًا , بِخِلَافِ الْحَدَثِ وَالنَّجَاسَةِ " انتهى .

"المغني" (1/420) .

- وتبطل صلاة الإمام والمأموم إذا مر بين الإمام وبين سترته ما يقطع الصلاة كالمرأة والحمار والكلب الأسود ، فإذا مرت امرأة بين الإمام وسترته بطلت صلاته وبطلت صلاة المأمومين جميعا ؛ لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه ؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إِذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ ) . رواه مسلم (510) .

وانظر جواب السؤال رقم : (3404) .

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله  : هل تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام ؟

فأجاب : "لا تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام ؛ لأن صلاة المأموم صحيحة ، والأصل بقاء الصحة ، ولا يمكن أن تبطل إلا بدليل صحيح ، فالإمام بطلت صلاته بمقتضى الدليل الصحيح ، ولكن المأموم دخل بأمر الله فلا يمكن أن تفسد صلاته إلا بأمر الله ، القاعدة : " أن من دخل في عبادة حسب ما أمر به فإننا لا نبطلها إلا بدليل " .

ويستثنى من ذلك ما يقوم به مقام المأموم مثل السترة ، فالسترة للإمام سترة لمن خلفه ، فإذا مرت امرأة بين الإمام وسترته بطلت صلاة الإمام وبطلت صلاة المأموم ؛ لأن هذه السترة مشتركة ، ولهذا لا نأمر المأموم أن يتخذ سترة ، بل لو اتخذ سترة لعد متنطعا مبتدعا" انتهى "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12 / 372) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب