السؤال : سؤالي عن الصدقة الجارية: هل إذا كان والدي -رحمه الله و موتى المسلمين- يدفع زكاة ماله لبعض الفقراء و أنا أعلمهم ، هل يجوز لي أن أعطيهم أنا نفس المبلغ بنية أن يكون صدقة جارية يصل بإذن الله ثوابها له على أن يكون هذا المبلغ من زكاة مالي أيضاً؟
الجواب :
الحمد لله
تجوز الصدقة عن الغير ، سواء كانت صدقة جارية أو منقطعة ، والصدقة الجارية هي
الوقف ، وهي ما يبقى أصله ، ويُنتفع بغلته وثمرته ، كأن يقف الإنسان بيتا
يسكنها الفقراء ، أو يستفيدون من أجرتها ، أو يقف مصاحف وكتبا للعلم ، أو يبني
مسجدا ، أو يحفر بئرا يشرب منها الناس ، فهذه هي الصدقة الجارية .
وأما إعطاء طعام أو نقود للفقير ، فهذه صدقة منقطعة وليست جارية ، وفي كلٍّ خيرٌ
.
وقد روى مسلم (1630) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلا قَالَ
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ
مَالا وَلَمْ يُوصِ ، فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهُ ؟ قَالَ
: نَعَمْ .
وروى مسلم أيضاً (1004) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّ رَجُلا
قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ أُمِّيَ
افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا ( أي : ماتت فجأة ) ، وَإِنِّي أَظُنُّهَا لَوْ
تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ ، فَلِي أَجْرٌ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا ؟ قَالَ :
نَعَمْ .
قال النووي رحمه الله :" وَفِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز الصَّدَقَة عَنْ
الْمَيِّت وَاسْتِحْبَابهَا ، وَأَنَّ ثَوَابهَا يَصِلهُ وَيَنْفَعهُ ،
وَيَنْفَع الْمُتَصَدِّق أَيْضًا ، وَهَذَا كُلّه أَجْمَعَ عَلَيْهِ
الْمُسْلِمُونَ " انتهى .
وينظر جواب سؤال رقم : (122361)
.
وعليه ، فلا حرج عليك أن تتصدقي بشي من مالك عن أبيك ، سواء كان صدقة جارية أو
منقطعة ، لكن لا يغني ذلك عن زكاتك ، ولا يصح الجمع بينهما ، لأن الزكاة فريضة
لابد منها ، وهي فريضة عن الإنسان لا تصح أن تكون عنه وعن غيره ، وأما الصدقة
فتطوع ، ويجوز أن يجعل الإنسان ثوابها مشتركا بينه وبين غيره ، كأن يكون له نصف
ثوابها ، ولغيره النصف ، كما نص عليه الإمام أحمد رحمه الله . قال ابن القيم
رحمه الله : " ووجه هذا : أن الثواب ملك له فله أن يهديه جميعه ، وله أن يهدى
بعضه . يوضحه أنه لو أهداه إلى أربعة مثلا يحصل لكل منهم ربعه ، فإذا أهدى
الربع وأبقى لنفسه الباقي جاز كما لو أهداه إلى غيره " انتهى من "الروح" ص 132
.
والحاصل : أنه تجب عليك
الزكاة في مالك ، وتعطيها المستحقين ، بنية الزكاة ، لا بنية الصدقة عنك ولا عن
والدك .
ثم يستحب أن تتصدقي بشيء من مالك عن أبيك .
وإعطاؤك الزكاة لمن كان يزكي عليهم والدك ، أمر حسن محمود ، لما فيه من صلة من
كان يصلهم الوالد ، فلا يشعرون بفقده ، ويستمرون في الدعاء له ولك ، وكذلك إن
جعلت الصدقة فيهم .
ونسأل الله أن يعينك ويوفقك للبر والإحسان والخير .
والله أعلم .