الثلاثاء 7 شوّال 1445 - 16 ابريل 2024
العربية

حكم الإسراف في حفلة الزواج ، وشهر العسل

171265

تاريخ النشر : 13-07-2011

المشاهدات : 47181

السؤال

خطيبتي تمثل لي مشاكل مادية فهي تريد الكثير من الأشياء الغالية الثمن لحفل الزفاف و شهر العسل . و ما زلت أقول إننا لا يجب علينا أن ننفق الكثير من المال في مثل هذه الأشياء لأنها سوف تمحق البركة ، و لكنها تقول إنها مرة وحيدة في الحياة ، فهل هذا صواب ؟ هل إنفاق المال الكثير لحفل الزفاف أو لقضاء شهر العسل لمدة أسبوع من الإنصاف لأنه لمجرد مرة في الحياة ؟ من فضلكم أرجو توضيح الأمر لي ، وأنا أعلم أن الإنفاق على الزوجة شيء طيب و لكن بالنسبة فيما لا يخص الطعام و الشراب و الملبس و المسكن ، و ما هو إلا أشياء من قبيل الإسراف . جزاكم الله خيراً .

الجواب

الحمد لله.


أولا :
الأصل العام الذي ينبغي أن يحكم الإنسان في نفقته ، كما هو الأصل العام الذي يجب أن يحكمه في حياته ، هو التوسط والاعتدال ؛ قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ) الفرقان/67 .
وهذا التوسط والاعتدال : لا يراعى فيه مبلغ معين ، أو حد معين إذا تجاوزه المرء يكون مسرفا ، أو قصر عنه يعد بخيلا مقترا ؛ بل يختلف باختلاف حال الشخص من الغنى أو الفقر ، أو حاله في النفقة المعتادة ، أو الأمر الطارئ ، وهكذا أيضا يختلف باختلاف المكان ، والزمان ، ونحو ذلك ؛ فالحكم بأن مثل هذه النفقة إسراف ، أو ليست إسرافا ، يراعى فيه ذلك كله . قال الله تعالى : ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ) الطلاق/7 .
وينظر جواب السؤال رقم (101903)ورقم (137954)
ثانيا :
حفل الزواج من الأمور التي يشرع فيها إظهار الفرح والسرور ، وإدخاله على الأهل والزوجة ؛ لكن ذلك لا يعني أن يقع الإنسان في الإسراف ، أو إنفاق ما لا يحتاج إليه ، أو يمكن إتمام الأمر بدون تكلفه ، لأجل أن ذلك يكون مرة واحدة ، فالإسراف مرة ممنوع محرم ، كما أن الإسراف أكثر من مرة ، هو تكرير للوقوع في الممنوع المحرم .
وما زال أهل العلم ينبهون على ترك الإسراف في حفلات الزواج ، وما يتعلق بأمره بصفة عامة من النفقات ، ويشيرون إلى أن ذلك من أسباب تعقيد أمر الزواج على الراغبين فيه ، حتى ازدادت العنوسة بين الفتيات .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
" ما رأيكم في غلاء المهور ، والإسراف في حفلات الزواج خاصة الإعداد لما يقال عنه " شهر العسل " ، بما فيه من تكاليف باهظة. هل الشرع يقر هذا ؟ " .
فأجاب رحمه الله :
" إن المغالاة في المهور ، وفي الحفلات : كل ذلك مخالف للشرع ؛ فإن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة ، وكلما قلت المؤونة عظمت البركة ، وهذا أمر يرجع في أكثر الأحيان إلى النساء ، لأن النساء هن اللاتي يحملن أزواجهن على المغالاة في الحفلات مما نهى عنه الشرع ، وهو يدخل تحت قوله سبحانه وتعالى : " ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ". وكثير من النساء يحملن أزواجهن على ذلك أيضاً ، ويقلن إن حفل فلان حدث به كذا وكذا .
ولكن الواجب في مثل هذا الأمر أن يكون الوجه المشروع ، ولا يتعدى فيه الإنسان حده ، ولا يسرف ، لأن الله - سبحانه وتعالى - نهى عن الإسراف ، وقال : " إنه لا يحب المسرفين ". أما ما يقال عن شهر العسل : فهو أخبث وأبغض ، لأنه تقليد لغير المسلمين ، وفيه إضاعة أموال كثيرة ، وفيه أيضا تضييع لكثير من أمور الدين ، خصوصاً إذا كان يقضى في بلاد غير إسلامية ، فإنهم يرجعون بعادات وتقاليد ضارة لهم ولمجتمعهم ، وهذه أمور يخشى منها على الأمة، أما لو سافر الإنسان بزوجته للعمرة أو لزيارة المدينة فهذا لا بأس به إن شاء الله." انتهى من "فتاوى إسلامية" (3/176) .
وقد بحثت هيئة كبار العلماء ، في المملكة العربية السعودية هذه المسائل المتعلقة بـ : " تمادي الناس في المغالاة في المهور والتسابق في إظهار البذخ والإسراف في حفلات الزواج وبتجاوز الحد في الولائم وما يصحبها من إضاءات عظيمة خارجة عن حد الاعتدال ولهو وغناء بالآت طرب محرمة بأصوات عالية قد تستمر طوال الليل حتى تعلو في بعض الأحيان على أصوات المؤذنين في صلاة الصبح وما يسبق ذلك من ولائم الخطوبة وولائم عقد القران كما استعرض بعض ما ورد في الحث على تخفيف المهور والاعتدال في النفقات والبعد عن الإسراف والتبذير .. " .
وقالت الهيئة في توصياتها المتعلقة بذلك :
" ولما يسببه هذا التمادي في المغالاة في المهور والمسابقة في التوسع في الولائم بتجاوز الحدود المعقولة ، وتعدادها قبل الزواج وبعده ، وما صاحب ذلك من أمور محرمة تدعو إلى تفسخ الأخلاق ، من غناء واختلاط الرجال بالنساء في بعض الأحيان ، ومباشرة الرجال لخدمة النساء في الفنادق إذا أقيمت الحفلات فيها ، مما يعد من أفحش المنكرات ، ولما يسببه الانزلاق في هذا الميدان من عجز الكثير من الناس عن نفقات الزواج ...
بل قد يجر هذا التوسع الفاحش إلى انحراف الشباب من بنين وبنات ، ولذلك كله فإن مجلس هيئة كبار العلماء يرى ضرورة معالجة هذا الوضع معالجة جادة وحازمة بما يلي:
* يري المجلس منع الغناء الذي أحدث في حفلات الزواج ، بما يصحبه من آلات اللهو ، وما يستأجر له من مغنين ومغنيات ، وبآلات تكبير الصوت ، لأن ذلك منكر محرم يجب منعه ومعاقبة فاعله .
* منع اختلاط الرجال بالنساء في حفلات الزواج وغيرها ، ومنع دخول الزوج على زوجته بين النساء السافرات ومعاقبة من يحصل عندهم ذلك من زوج وأولياء الزوجة معاقبة تزجر عن مثل هذا من المنكر .
* منع الإسراف وتجاوز الحد في ولائم الزواج ، وتحذير الناس من ذلك بواسطة مأذوني عقود الأنكحة ، وفي وسائل الإعلام ، وأن يرغب الناس في تخفيف المهور ، ويذم لهم الإسراف في ذلك على منابر المساجد وفي مجالس العلم وفي برامج التوعية التي تبث في أجهزة الإعلام .
* يرى المجلس بالأكثرية معاقبة من أسرف في ولائم الأعراس إسرافا بيناً ، وأن يحال بواسطة أهل الحسبة إلى المحاكم ليعزر من يثبت مجاوزته الحد ، بما يراه الحاكم الشرعي من عقوبة رادعة زاجرة تكبح جماح الناس عن هذا الميدان المخيف ...
* يرى المجلس الحث على تقليل المهور ، والترغيب في ذلك على منابر المساجد وفي وسائل الإعلام ، وذكر الأمثلة التي تكون قدوة في تسهيل الزواج ، إذا وجد من الناس من يرد بعض ما يدفع إليه من مهر ، أو اقتصر على حفلة متواضعة لما في القدوة من التأثير " انتهى من "فتاوى إسلامية" (3/251) .
والحاصل :
أن الإسراف ممنوع مذموم في كل حال ، سواء ما تعلق منه بالزواج أو غيره ، والمشروع ألا يشق المرء على نفسه ، ولا يكلفها فوق طاقتها ، بل ينفق بحسب حاله وما يستطيعه ، مع تجنب الإسراف والتبذير في النفقة .
لكن ذلك لا يعني أن نفقة أيام العرس والزواج سوف تكون كنفقته في الأيام المعتادة ، مثلا ؛ فهذا غير مناسب طبعا ، بل يشرع التوسع في نفقة ذلك عن المعتاد ، ولأجل ذلك يسن للرجل أن يجعل في نكاحه وليمة ، ويدعو الناس إليها ، وهذه تكلفة زائدة عما اعتاده ، لكن المعتبر ، كما قلنا البعد عن الإسراف والتبذير في ذلك كله ، ومراعاة كل إنسان لحاله وما يقدر عليه .
وينظر جواب السؤال رقم (11446).
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب