الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

تبرع لهيئة بمال لبناء مسجد فاستأجروا به مبنى فهل له أن ينقطع عن الدفع ؟

175612

تاريخ النشر : 07-01-2012

المشاهدات : 8846

السؤال


قالت منظمة دعوية إنها تحتاج إلى أموال لبناء مسجد ، وعرضت علينا خطط البناء ... الخ ، وقمت بالتبرع بمبلغ كبير من المال لهم لبناء مسجد وبغرض أن أقوم بالاستثمار في آخرتي بصدقة جارية ستستمر لأجيال قادمة وحتى يوم القيامة إن شاء الله ، وقد اكتشفتُ مؤخراً أنهم لم يجمعوا ما يكفى من المال ولهذا فهم يقومون باستئجار مبنى الآن بإيجار مرتفع للغاية ، وسؤالي هو : إذا لم يتمكنوا من جمع ما يكفي من المال للبناء - وهو 15 مليون دولاراً - والمشروع تم إلغاؤه ، وجميع أموالنا التي تبرعنا بها ستذهب على الإيجار المرتفع للغاية ولا يمكنني الانتفاع بالصدقة الجارية التي كانت ستستمر عند بناء المسجد وكونه وقفاً ، وأنا أقوم بدفع التبرع الذي وعدت به على أقساط ، وقد دفعت نصفه ، فهل هناك حرمة في إلغاء هذا التبرع ؟ لأني لا أشعر بأنهم قاموا بالوفاء بوعدهم ، فأنا لم أكن لأتبرع بالمال لو كنت قد علمت أنه لن يكون وقفاً.
وجزاكم الله خيراً .

الجواب

الحمد لله.


أولاً:
ما فعلتْه تلك المنظمة الدعوية من استئجار مبنى لجعله مسجداً للصلاة فيه : جائز عند جمهور العلماء خلافاً للحنفية .
قال ابن قدامة – رحمه الله - : " ويجوز استئجار دار يتخذها مسجداً يصلي فيه ، وبه قال مالك والشافعي ، وقال أبو حنيفة : لا يصح لأن فعل الصلاة لا يجوز استحقاقه بعقد إجارة بحال فلا تجوز الإجارة لذلك .
ولنا : أن هذه منفعة مباحة يمكن استيفاؤها من العين مع بقائها ، فجاز استئجار العين لها " انتهى من " المغني " ( 6 / 143 ) .

وهل يمكن جعل المكان المستأجر وقفاً فيأخذ حكم المسجد ؟ ذهب جمهور العلماء إلى عدم صحة هذا ؛ لأن وقف المنفعة عندهم لا يصح لأنه مؤقت ويشترط لصحته – عندهم - التأبيد ، وذهب المالكية إلى عدم اشتراط ذلك .

وفي " الموسوعة الفقهية " ( 44 / 165 ، 166 ) : " ذهب جمهور الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة إلى عدم جواز وقف المنفعة إذ إنهم يشترطون أن يكون الموقوف عيناً ينتفع بها مع بقاء عينها كما أنهم يشترطون تأبيد الوقف .

وذهب المالكية إلى جواز وقف المنفعة ، فمن استأجر داراً مدة معلومة فإنه يجوز له أن يقف منفعتها في تلك المدة ، وينقضي الوقف بانقضائها ، لأنه لا يشترط عندهم تأبيد الوقف " . انتهى .
ووافقَ المالكيةَ شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
فقد سئل - رحمه الله - عمن استأجر أرضاً وبنى فيها داراً ودكاناً أو شيئاً يستحق له كري عشرين درهماً كل شهر إذا يعمر وعليه حكر في كل شهر درهم ونصف ؟ توقف قديماً ، فهل يجوز للمستأجر أن يعمر مع ما قد عمره من الملك مسجدا لله ويوقف الملك على المسجد ؟ .
فأجاب :
" يجوز أن يقف البناء الذي بناه في الأرض المستأجرة ، سواء وقفه مسجداً أو غير مسجد ، ولا يسقط ذلك حق أهل الأرض فإنه متى انقضت مدة الإجارة وانهدم البناء : زال حكم الوقف سواء كان مسجداً أو غير مسجد وأخذوا أرضهم فانتفعوا بها ، وما دام البناء قائما فيها : فعليه أجرة المثل .. . " انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 31 / 8 ) .

وقد صدر قرار من " مجمع الفقه الإسلامي " رقم 181 ( 7 / 19 ) ، موافق لهذا القول، وفيه :
1. إن النصوص الشرعية الواردة في الوقف مطلقة يندرج فيها المؤبد والمؤقت ، والمفرز والمشاع ، والأعيان والمنافع والنقود ، والعقار والمنقول ؛ لأنه من قبيل التبرع وهو موسع ومرغب فيه .
2. يجوز وقف أسهم الشركات المباح تملكها شرعاً ، والصكوك ، والحقوق المعنوية ، والمنافع ، والوحدات الاستثمارية ؛ لأنها أموال معتبرة شرعاً .
(3) تترتب على وقف الأسهم والصكوك والحقوق والمنافع وغيرها أحكام ، من أهمها :
... .
هـ. يجوز وقف المنافع والخدمات والنقود ، نحو خدمات المستشفيات والجامعات والمعاهد العلمية وخدمات الهاتف والكهرباء ومنافع الدور والجسور والطرق .
و. لا يؤثر وقف المنفعة لمدة محددة على تصرف مالك العين بملكه ، إذ له كل التصرفات المباحة شريطة المحافظة على حق الوقف في المنفعة .
ز. ينقضي وقف الحقوق المعنوية بانتهاء الأجل القانوني المقرر لها .
انتهى

وهذا هو الراجح عندنا ، وإنما أطلنا في بيان هذه الجزئية ليطمئن قلبك أن ما فعلتَه لم يخرج عن دائرة الوقف إن شاء الله ، وأنه لا فرق – على الصحيح – بين الوقف المؤبد والمؤقت من حيث صحة وقف كل منهما ، وفي كل الأحوال سواء كان ما بذلتَه صدقة أو وقفاً : فإنك مشارك – إن شاء الله - في أجور كل ما يحصل في المسجد من خير من صلاة ودعوة وتعليم وغير ذلك .

ثانياً:
لا يجوز لتلك المنظمة استعمال أموال الوقف المجموعة من أجل بناء مسجد في استئجار ذلك المبنى ، ولو كان ذلك من أجل الصلاة فيه ؛ لما يجب عليهم من الالتزام بشرط الواقف ونيته ، ولو علم المتبرعون بنية تلك المنظمة ، فلعل بعضهم أن يُحجم عن الدفع لهم ولعل بعضهم أن يقلل من المال المبذول لذلك المشروع ، وها هو الأخ السائل مثال على ما نقوله ، فمما لا شك فيه أن هناك فرقا عند الواقف بين الوقف المؤبد والوقف المؤقت ، وقد يبذل الواقفون في الأول ما لا يبذلونه في الآخر ، وخاصة أن المسألة هنا خلافية ، وقد يوجد كثير ممن لا يرون صحة الوقف المؤقت أو وقف المنافع ، فكان الواجب على تلك المنظمة إخبار أصحاب المال بما حصل من تغيير في خطة مشروعهم ليروا من يستمر معهم ومن ينسحب .

ثالثاً:
بما أن الأمر كان بينك وبين المنظمة على أن يكون التبرع من أجل بناء المسجد وقفاً لله تعالى ، وابتغاء الأجر في باب الصدقة الجارية المؤبدة ، وأنهم لم يوفوا بما اتفقتم عليه – مهما كان السبب الذي يذكرونه – فلا حرج عليك في التوقف عن دفع باقي المبلغ الذي وعدتهم به ؛ بل الأمر إليك أنت : فإن شئت أن تساهم في إيجار هذا المكان ، متى رأيت فيه خيرا ، فعلت ، وإن شئت امتنعت عن المشاركة ، واكتفيت بما دفعته لهم قبل ذلك : فعلت .
ثم متى توقفت عن دفع باقي المبلغ ، ووجدت بعد ذلك في نفس المكان ، أو في مكان آخر ، مسجدا يبنى ، يحتاجه أهل المكان ، فسارع إلى المساهمة فيه ، وادفع فيه باقي المبلغ الذي كنت تعزمه على دفعه ، أو أكثر منه ، أو أقل ، بحسب ما ييسره الله لك ، ولا تضيع الفرصة التي كنت تؤملها ، ونحب لك ألا يقل المبلغ الذي تدفعه في هذه الحال ، عن نصف المبلغ الذي كنت تريد دفعه أولا .

نسأل الله أن يتقبل منك أعمالك ، وأن يوفق القائمين على خدمة دينه .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب