الخميس 9 شوّال 1445 - 18 ابريل 2024
العربية

غَيرة امرأته الزائدة تتسبب في بعده عن أمه ، فماذا يفعل ؟

178690

تاريخ النشر : 23-06-2012

المشاهدات : 17853

السؤال


أنا شاب متزوج من 5 سنوات من امرأة صالحة وخلوقة مشكلتها الوحيدة غيرتها المرضية. في السنة الأولى من الزواج كنا نسكن مع والدتي ، ولي أخوين متزوجين من ابنتي خالي ، وكنت أعاملهمن مثل أخواتي وكنت أمازحهن ، مما ولد هذه الغيرة عند زوجتي ونبهتني لذلك فتوقفت عن ذلك والحمد لله، حتى أنني لا أكلمهن ولا أصافحهن، لكن زوجتي لم يكفيها ذلك بل أصرت على أن نسكن وحدنا وذلك ما كان ، فأسكنتها معي حيث أعمل بعيدا عن والدتي ، لكنها لا تريد أن نزور بيتنا مادامت زوجات أخوتي فيه ، وبالتالي لا نزور والدتي إلا لماما زيارات خاطفة ،أمام هذا الوضع أصبحت أحس أنني بعيد عن أمي ولا أؤدي حقها كما يجب ،وزوجتي تقول أنها لن تتصالح أبدا مع زوجتي أخوي ؛لأنها تراهما خطرا علي. من فضلكم أعينوني ، ماذا أفعل ؟ هل أبقي الوضع على ماهو عليه حفاظا على زواجي وابنتي الصغيرة ؟ أم أطلقها وأسعى إلى تعويض أمي ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
من حق الزوجة على زوجها أن يهيئ لها المسكن الخاص بها ، ولها أن تمتنع عن السكنى ببيت أبيه وأمه ، وخاصة إذا أدى ذلك إلى حصول مشاكل بين الطرفين ، فطلب زوجتك السكنى وحدها بعيدا عن بيت العائلة من حقها ، ويتأكد ذلك لما كان يحصل منك من ممازحة زوجتي أخويك ، وهو عمل محرم لا يجوز ، ولها إنكاره عليك ، ولها طلب السكنى بعيدا عنهما .
وحيث إنك لَبّيت طلبها ، وتركت ممازحة زوجتي أخويك والتحدث إليهما ومصافحتهما وتبت إلى الله من ذلك فقد أحسنت صنعا .
راجع لمزيد البيان في ذلك إجابة السؤال رقم : (26784) ، (112091) ، (152250) .

ثانيا :
الواجب تقديم الوالدين في البر وحسن الصحبة على من عداهما ؛ لما روى البخاري (5514) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ ) .
راجع إجابة السؤال رقم (105748) .

فتقديم بر الوالدة وإكرامها وحسن صحابتها من الإيمان ، ولا يجوز التنغيص عليها بحال ، ولا معاملتها بنوع جفوة أو بُعد أو إشعارها أنك تقدم محبة زوجتك على محبتها وقربها على قربها ، بل محبتها هي المقدمة وقربها هو الأولى .
ولكن ذلك لا يعني المصادمة مع الزوجة إلى الحد الذي تفكر فيه بالطلاق والانفصال عنها !
وحيث إن زوجتك – على ما وصفت – ذات خلق ودين ، فينبغي عليك الحرص عليها والاهتمام بها ، وقد فعلت – بحمد الله - .
ومن تمام ذلك أن تعالج هذه المشكلة بالحكمة والصبر ، فتبين للزوجة أن والدتك لها حق عليك عظيم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن رضاها من رضا الله تعالى .
فلا يجوز هجرها أو البعد عنها أو مجافاتها ، والزيارات الخاطفة قد تفسد أكثر مما تصلح ، وقد تحزن أكثر مما تفرح ، وما المعنى عند الوالدة إذا ترك ولدها بيتها وسكن مع زوجته في بيت آخر بعيد إرضاء للزوجة ، ثم لا يأتيها إلا قليلا ، وإذا أتاها ذهب سريعا ؟!
لا شك أن مثل هذا ينغص على الوالدة فلا يجوز .
فتبين للزوجة أن مثل هذا لا يصلح شرعا ، وقد يكون من العقوق الذي هو من أكبر الكبائر ؛ فيعود ذلك عليك وعليها أيضا بما لا تحمد عواقبه .
فذكرها بالله وطيب قلبها وألن لها في النصح ، فإن أبت فلتذهب أنت وحدك إلى والدتك لزيارتها وصلتها وإتحافها بالهدايا ، على الوجه الذي يرضيها ، ولا حاجة بك حينئذ لأخذ زوجتك معك ، فإن الذي يهم الوالدة إنما هو أنت ، وحيث بررتها ووصلتها فقد أديت ما عليك .
وبإمكانك أن تجعل ذلك خفية عن زوجتك ، أو تجعل مرة من أمامها ، ومرة أخرى من خلفها ، إذا كنت تأمن أنها لن تطلع على ذلك ، فتسوء حالها .
وبإمكانك أن تصطحب والدتك إلى بيتك في بعض الأوقات ، لتقضي معها وقتا أطول ، بعيدا عن أسباب الغيرة ومنغصاتها .
إن الظروف التي حكيتها لنا تجعلنا نؤكد عليك إن الحل لمشكلتك يكمن في الحكمة وحسن المعالجة ، وحسن التأتي للأمور ؛ فبر أمك ، وصلها ، وأحسن إليها ؛ لكن لا تفكر في طلاق زوجتك ، بل اجتهد في حسن سياسة أمرك ، لتجمع بين الأمرين .

سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
يحصل بيني وبين زوجي خصام في أكثر الأحيان وذلك بسبب غيرتي عليه فأنا أغار عليه وأراقب نظراته ، وإذا لمحت منه أي نظرة أو اشتبهت فيها غرت عليه ، وهو يحتج عليَّ دائماً بأن الغيرة المحبوبة إلى الله هي الغيرة في محارم الله ، وأما الغيرة التي تقع مني فهي تسبب الطلاق ، ولم أقتنع بكلامه لأنني أعتقد أن من حقي أن أغار عليه حتى ولو لم يقصد ، علماً أنه ملتزم ولا أشك فيه ، وجهني بما تراه وفقك الله .
فأجاب :
" أوجه هذه السائلة أن تخفف من غيرتها ، وإلا فإن من طبيعة المرأة أن تغار على زوجها ، وهذا دليل على محبتها له ، ولكني أقول : الغيرة إذا زادت صارت غبرة وليست غيرة ، ثم تتعب المرأة تعباً شديداً ، لذلك أشير على هذه المرأة أن تخفف من غيرتها ، وأشير على الرجل أيضاً أن يحمد الله على أن هيأ له امرأة صالحة تحبه ، لأن هذا – أعني : التحاب بين الزوجين - مما يجعل الحياة بينهما سعيدة ، وإلا فإن الغيرة أمر فطري لا بد منه .
وأرى أن من نعمة الله على الزوج أن تكون المرأة تحبه إلى هذا الحد ، ولكني أقول للمرأة : خففي من الغيرة لئلا تشقي على نفسك وتتعبي ، وأقول للرجل : احمد ربك على هذه النعمة ،
ولا يزيدك ذلك إلا رغبة في أهلك ومحبة لهم ، أما مسألة الطلاق فلا تذكره أبداً عند المرأة ، الرجل إذا ذكر الطلاق عند المرأة صار هذا الشبح أمام عينها نائمة ويقظانة ، وهذا غلط ، ولهذا من السفه أن بعض الناس يذكر كلمة الطلاق لامرأته ، حتى ولو للتهديد ، يا أخي : هددها بغير هذا ، تهددها بالطلاق فيبقى الشيطان دائماً يعمل في قلبها حتى تؤدي النهاية إلى الفراق والعياذ بالله " انتهى من "اللقاء الشهري" (2 /236-237) .
نسأل الله أن ييسر لك أمرك ، ويلهمك رشدك ، ويعينك على بر أمك ، ويصلح لك زوجتك .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب