الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

تريد أخته أن تخرج للعمل بإلحاح شديد وتعصّب ، فما الحل معها ؟

179640

تاريخ النشر : 12-05-2012

المشاهدات : 11373

السؤال


أنا لدي أخت عمرها 22 عام ، وهي كانت تعمل في محل لبيع ملابس الأطفال ، وأنا كنت غير مقتنع بفكرة عملها ؛ لأننا لا نحتاج إلى هذا العمل ، ولكن هي كانت تحب ذلك العمل لأنها لا تحب الجلوس في المنزل ، فتكلمت معها أكثر من مرة لكي تترك العمل لكنها كانت ترفض وتبكي بسبب ذلك ، وبعد مرور أيام من آخر مرة تكلمت معها بخصوص ترك عملها حدثت الثورة وانتشرت حالة من الفوضى وعدم الأمن في الشارع ، مما دفعني إلى جعلها تترك العمل بالأمر دون مناقشة ، وهي كانت غير راضية عن ذلك بحجة أن كل أصحابها يذهبون إلى العمل ولا يحدث لهم شيء ، لكنني أرغمتها بأن تلتزم المنزل ولا تنزل منه إلا للضرورة ، ومن بعد الثورة وبعد هدوء الأوضاع نسبيا رجعت مرة أخرى تلح لكي تنزل العمل وتبكي وتقول : أنها قد يصيبها مرض نفسي اكتئاب بسبب جلوسها في المنزل ، فأنا عرضت عليها إذا كانت هي لا تحب الجلوس في المنزل أن تذهب إلى دار لتحفيظ القرآن مثلا ، وأنا بدأت أخاف أن يسبب كثرة بكائها انهياراً عصبيا أو يصيبها مرض نفسي ، لا أدري هل أنا على صواب وأنا متعجب من طريقتها في الالحاح لنزولها للعمل ، فكانت طوال هذه السنة تلح وتطلب بطريقة هستيرية النزول لذلك العمل ، وكأن هذا العمل هو حياتها أو كأنها هي صاحبة المحل ، وذلك السبب أيضا جعلني أصر علي موقفي في عدم رجوعها للعمل مرة أخرى ، فأنا أثق بأختي ثقة كبيرة جدا ، وأثق في تربيتها وأخلاقها ، لكن هذا الإلحاح أدخل في نفسي نسبة من الشك بأنها قد تكون على علاقة بأحد الشباب ، لكني استبعدت ذلك من تفكيري مطلقا فأنا لا أجد أي سبب منطقي بتمسكها بهذا العمل بهذه الطريقة ، فأنا المسؤول عن أختي ، وأشعر كأنني أحمل فوق أكتافي جبال من الهموم بسبب هذه المشكلة ، فهل المرأة لا تخرج من المنزل إلا للضرورة ؟ وهل المفروض أن أسمح لها بالذهاب للعمل مع عدم الحاجة له بحجة أنها تتضايق من الجلوس في المنزل ، وإذا سمحت لها بالعمل فكيف أطمئن عليها ؟ وهي في المواصلات مثلا . ونحن هذه الأيام نعيش أياما صعبة ، وتنتشر عمليات الخطف ، وغيرها، وكيف أطمئن عليها وهي في العمل ، هل أريح نفسي وأتركها في البيت ، وتخرج فقط للضرورة ، وللزيارات العائلية أو تذهب لدار لحفظ القران ، أو أسمح لها بالعمل مرة ثانية. أرجو الرد بأسرع وقت ؛ لأنها مازالت تبكي ، وأنا لا أعرف القرار الصحيح .

الجواب

الحمد لله.


قد أحسنت صنعا بمنع أختك من الخروج للعمل ، وخاصة وسط هذه الفتن الكثيرة والأحوال المتغيرة .
وحيث إنه لا توجد ضرورة أو حاجة شديدة لخروجها للعمل ، وكان في خروجها تعرضها للفتن ، فالواجب عليك الإصرار على عدم خروجها ، وخاصة مع إصرارها الشديد المريب .
ولا نرى عليك غضاضة في شيء مما قلت : فلا حاجة لخروجها - والمرأة لا تخرج من بيتها للعمل إلا لحاجة ؛ والأصل مكثها في بيتها عزيزة كريمة - والفتن كثيرة وخاصة في وسائل المواصلات المختلطة شديدة الزحام ، وإلحاحها الشديد مريب ، وإلحاقها بدور التحفيظ مناسب جدا ، وأنت مسئول عنها مسئولية شرعية .
كل ذلك قلته في سؤالك ، وكل ذلك حق ، وكل ذلك يؤكد على منعها من الخروج ، وخاصة في هذا السن الحرج وهي لم تخطب بعد .
ولكن عليك أن ترفق بها في الوعظ ، ولا تشدد عليها بالزجر الشديد والتهديد والوعيد ، وتلطف لها بالقول الحسن ، وبيّن لها أن خروجها يعرضها للفتنة وتعرض السفهاء من الناس لها بفاحش القول والفعل ، وأنك إنما تمنعها من الخروج لمصلحتها والخوف عليها والحرص على سلامتها من كل سوء .
وأكد عليها في الالتحاق بدار من دور تحفيظ القرآن الكريم ، ومصاحبة المسلمات العفيفات والأخذ عنهن الخلق الحسن والنهج القويم المستقيم .
والفتاة المسلمة طيعة لينة سهلة ، تحتاج إلى تلطف في القول مع لين الجانب وحسن الكلام والابتسامة الدائمة تحت أي ظرف من الظروف .
واذكر لها من كلام أهل العلم ما يؤكد نصيحتك ويبين أنك حريص عليها حقا ، ولا ترجو لها إلا الخير والبعد عن الشر والفتن ومظانها .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" أمر الله سبحانه النساء بلزوم البيوت ؛ لأن خروجهن غالبا من أسباب الفتنة , وقد دلت الأدلة الشرعية على جواز الخروج للحاجة مع الحجاب والبعد عن أسباب الريبة , ولكن لزومهن للبيوت هو الأصل وهو خير لهن وأصلح وأبعد عن الفتنة " .
انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (4 /309) .
وقال ابن عثيمين رحمه الله :
" إن المرأة التي تقول إن بقاء المرأة في بيتها سجن أقول : إنها معترضة على قول الله تعالى (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) كيف نجعل ما أمر الله به سجنا ؟ لكنه سجن على من تريد التبذل والالتحاق بالرجال ، وإلا فإن سرور البقاء في البيت هو السرور ، وهو الحياء ، وهو الحشمة ، وهو البعد عن الفتنة ، وهو البعد عن خروج المرأة للرجال ؛ لأن المرأة إذا خرجت ورأت هؤلاء الرجال هذا شاب جميل ، وهذا كهل جميل ، وهذا لابس ثيابا جميلة ، وما أشبه ذلك تفتتن بالرجال ، كما أن الرجال يفتتنون بالنساء .
فعلى النساء أن يتقين الله وأن يرجعن إلى ما قال ربهن وخالقهن ، وإلى ما قاله رسول رب العالمين إليهن وإلى غيرهن ، وليعلمن أنهن سيلاقين الله عز وجل ، وسيسألهن ماذا أجبتم المرسلين ، وهن لا يدرين متى يلاقين الله ، قد تصبح المرأة في بيتها وقصرها وتمسي في قبرها ، أو تمسى في بيتها وتصبح في قبرها ، ألا فليتقِ الله هؤلاء النسوة " .
انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (22/2) .
وقال الشيخ ابن عثيمين أيضا :
" أنصح النساء المؤمنات بتقوى الله عز وجل ، وأن يقدمن الهدى على الهوى ، ويعتصمن بما أمر الله به نساء النبي صلى الله عليه وسلم اللاتي هن أمهات المؤمنين وأكمل النساء أدبا وعفه حيث قال لهن ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) الأحزاب /33 ، ليكون لهن نصيب من هذه الحكمة العظيمة ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) .
وأنصح رجال المؤمنين الذين جعلهم الله قوّامين على النساء أن يقوموا بالأمانة التي حملوها واسترعاهم الله عليها نحو هؤلاء النساء ، فيقوموهن بالتوجيه والإرشاد والمنع من أسباب الفتنة ، فإنهم عن ذلك مسؤولون ، ولربهم ملاقون ، فلينظروا بماذا يجيبون (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ )آل عمران/30 " انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (12 /247) .

ومسألة الاكتئاب التي تعاني منها يمكن حلها بالخروج بها باستمرار للتنزه والتفسح ، أو الزيارات العائلية ، في جو من المرح والانبساط ، فإذا تعودت على الذهاب لدار التحفيظ ، وصاحبت الأخوات المسلمات ، وخرجت أنت بها للتنزه كل فترة مناسبة فسوف تعتاد ذلك بإذن الله ، وسيتغير رأيها عن ذي قبل ، ولكن لا بد في ذلك كله – كما قدمنا - من مراعاة الحكمة في التعامل معها والصبر وعدم الشدة ، فخذها بالحسنى وانصحها بالحكمة والموعظة الحسنة واصبر عليها وارفق بها ولا تمنعها من الخروج مطلقا ، وأكثر من الخروج بها للتفسح والتروّح وخاصة في هذه الفترة حتى تعتاد الأمر وترضى به ولا تسخط عليه ، ونسأل الله لها الهداية والإذعان لأمره سبحانه .
وإذا لم تُجد هذه الوسائل معها ، فالأقرب أن تبحث لها عن عمل آخر في مكان قريب من البيت لا تحتاج معه إلى ركوب مواصلات ، ويجب أن يكون خاليا من الاختلاط بالرجال ؛ فإنه لا يجوز للمرأة أن تعمل في مكان تختلط فيه بالرجال .
وينظر سؤال رقم (1200) ورقم (50398) .
وهذا الحل الأخير فيه تحقيق رغبتها ، مع السلامة من المحذورات .
والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب