الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

حكم مشي الإمام تجاه القبلة ليصل إلى الميكروفون حتى يسمع الناس .

190016

تاريخ النشر : 11-12-2012

المشاهدات : 15792

السؤال


أثناء صلاة التراويح انقطعت الكهرباء مما جعلنا نصلى في مكان خلفي في المسجد ، وذلك بسبب الحر الشديد ، وأثناء الصلاة عادت الكهرباء للعمل ، فما كان من الإمام إلا أن سار وهو يقرأ مسافة كبيرة تبلغ حوالي 25 م باتجاه القبلة ؛ ليصل إلى مكبر الصوت ، ولكننا كأمومين لم نتبعه في ذلك ، وبعد الصلاة قلنا له ما حملك على ذلك ، قال : إنه تحرك من أجل أن يبلغ مكبر الصوت ؛ لأن النساء في الدور العلوي بعد عودة الكهرباء وعمل المراوح قد لا يسمعوا صوته جيدا، أفيدونا في مسألة تحركه هذه المسافة ، ومدى جواز ذلك ، وما هي حدود الحركة في الصلاة ؟ ، وهل تختلف إن كانت الصلاة فرض عن كونها نافلة ؟ ، وما هو نطاق الضرورة للحركة ؟.

الجواب

الحمد لله.


أولا :
تجوز الحركة في الصلاة إذا كانت لمصلحة الصلاة ، وإن كانت كثيرة .
روى البخاري (403) ومسلم (526) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : " بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا ، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ " .
قال ابن عثيمين رحمه الله :
" فيه جواز الحركة لمصلحة الصلاة " انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (12 /354) .

والحركة في الصلاة تنقسم إلى خمسة أقسام ، وذلك بحسب الدافع إليها ، فإن كان الدافع إليها من الواجبات فالحركة واجبة ، وإن كان الدافع إليها من المحرمات فالحركة محرمة ، وهكذا .
راجع لبيان ذلك إجابة السؤال رقم (12683) .

وعلى ذلك : فتحرك الإمام إلى الأمام باتجاه القبلة ليصل إلى مكبر الصوت ليسمع النساء قراءته وتكبيره : فإن كان صوته لا يبلغ النساء ، أو كانت هناك مشقة زائدة في إسماع النساء قراءة الإمام ، ففعله صحيح مشروع ؛ لأنه في مصلحة الصلاة .

وقد روى أبو داود (922) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ :" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَالْبَابُ عَلَيْهِ مُغْلَقٌ ، فَجِئْتُ فَاسْتَفْتَحْتُ ، فَمَشَى فَفَتَحَ لِي ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُصَلَّاهُ ، وَذَكَرَ أَنَّ الْبَابَ كَانَ فِي الْقِبْلَةِ " . حسنه الألباني في "صحيح أبي داود" .
وروى ابن خزيمة (827) عن ابن عباس : " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي فمرت شاة بين يديه فساعاها (سابقها) إلى القبلة حتى ألزق بطنه بالقبلة " .
صححه الألباني في "صفة الصلاة" (ص83) .
وقد صلى ابن عباس رضي الله عنهما مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فقام عن يساره ، فحوّله النبي صلى الله عليه وسلم فجعله عن يمينه.
رواه البخاري (138) ومسلم (763)

وإن كنّ يسمعن صوته بدون المكبر ، إلا أنهن يسمعنه بالمكبر بصورة أوضح وأحسن ، فالذي فعله غير مشروع ، وهو مكروه كراهة شديدة ؛ لأنه فعل كثير يمكن الاستغناء عنه ، وقد يحصل به انشغال المصلين في الصلاة ، واضطرابهم واختلافهم وتنازعهم في الصلاة وبعد الصلاة .

ثانيا :
حدود الحركة في الصلاة : ضابطها أنه تجوز لمصلحة الصلاة وإن كانت كثيرة ، أما إن كانت لغير مصلحة الصلاة ، ولغير حاجة داعية إليها ، فإنها تكره إن كانت قليلة ، وتبطل الصلاة بها إن كانت كثيرة .
قال المرداوي في "الإنصاف" (2/129) :
" ( وَالْعَمَلُ الْمُسْتَكْثَرُ فِي الْعَادَةِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الصَّلَاةِ يُبْطِلُهَا عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ ) اعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ بِالْعَمَلِ الْكَثِيرِ عَمْدًا , بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ , وَتَبْطُلُ بِهِ أَيْضًا سَهْوًا , عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ , وَحَكَاهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ إجْمَاعًا .
ومُرَادُهُ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِالْعَمَلِ الْمُسْتَكْثَرِ : إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ إلَى ذَلِكَ " انتهى .

ثالثا :
السنة للمؤمن أن يقبل على صلاته ويخشع فيها بقلبه وبدنه ، سواء كانت فريضة أو نافلة ، لقول الله سبحانه : ( قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون ) المؤمنون/1-2 .
وأحكام الصلاة لا تختلف في الفرض عنها في النافلة إلا فيما خصه الدليل ، قال ابن قدامة رحمه الله :
" مَا أَبْطَلَ الْفَرْضَ أَبْطَلَ التَّطَوُّعَ ، كَسَائِرِ مُبْطِلَاتِهِ " انتهى من "المغني" (2/ 47) .

إلا أن الحركة في صلاة النافلة قد تكون لحاجة أكثر منها في الفريضة ؛ وذلك لأن النافلة عادة تكون بالبيت ، وهذا مما يجعلها عرضة لحصول بعض الطوارئ التي يحتاج معها المصلي فيها إلى الحركة بخلاف الفرض الذي يكون عادة بالمسجد ، كما تقدم في حديث فتح النبي صلى الله عليه وسلم الباب لعائشة ، وكما روى ابن حزم في "المحلى" (2/ 126) عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ: " أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ تَأْمُرُ خَادِمَهَا أَنْ تُقَسِّمَ الْمَرَقَةَ ، فَتَمُرُّ بِهَا وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ فَتُشِيرُ إلَيْهَا: أَنْ زِيدِي ؛ وَتَأْمُرُ بِالشَّيْءِ لِلْمِسْكِينِ تُومِئُ بِهِ وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ " .
وعنْ مُعَاذَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ:" أَنَّهَا قَامَتْ إلَى الصَّلَاةِ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ، فَأَشَارَتْ إلَى الْمِلْحَفَةِ فَنَاوَلْتهَا، وَكَانَ عِنْدَهَا نِسْوَةٌ فَأَوْمَأَتْ إلَيْهِنَّ بِشَيْءٍ مِنْ طَعَامٍ بِيَدِهَا - تَعْنِي وَهِيَ تُصَلِّي" .
رابعا :
نطاق الضرورة للحركة في الصلاة يعرف بمقدار الحاجة إليها ، فإن كانت الحاجة إليها ضرورية كالحركة لمصلحة الصلاة ، وكالحركة لقتل الحية والعقرب في الصلاة ، وكالحركة لإنقاذ معصوم من الغرق أو التلف : فلا حرج على المصلي في ذلك ، وقد يؤمر به .
وإذا كانت الحاجة إلى الحركة في الصلاة غير ضرورية كانت الحركة تبعا لها ، وتختلف باختلاف الداعي إليها ، كما يتبين ذلك بمراجعة السؤال رقم (12683) .

وعلى كل : فالذي يظهر لنا أنه لا حرج على الإمام فيما فعله في صلاته ، إن كانت هناك مشكلة في وصول صوته للنساء ، وكان الواجب على المأمومين متابعته في صلاته ، لا سيما وهم لم يتبين لهم خطؤه في ذلك على وجه اليقين .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب

موضوعات ذات صلة