الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

هل ثبت في الحديث أن ملك الموت إذا قبض روح العبد وهو على وضوء كُتبت له شهادة ؟

194499

تاريخ النشر : 17-03-2013

المشاهدات : 41164

السؤال


لقد قرأت حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، يرويه عنه أنس بن مالك ، حيث إنه قال : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ أَبَدًا عَلَى وُضُوءٍ فَافْعَلْ ؛ فَإِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ إِذَا قَبَضَ رُوحَ الْعَبْدِ وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ كُتِبَتْ لَهُ شَهَادَةٌ ) . والسؤال هنا : هل هذا الحديث صحيح ؟ وإذا كان صحيحا ، فهل المقصود أنه من مات على وضوء شهيد حي عند الله يرزق ، أم أجره مثل أجر الشهيد ؟
كما أريد أن أسأل عن فضل الوضوء قبل النوم ، والمكوث طوال اليوم طاهرا على وضوء ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
هذا الحديث رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (5991) وأبو يعلى في "مسنده" (3624) من طريق عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عن أَنَس بْن مَالِكٍ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له : ( يَا بُنَيَّ، إِنِ اسْتَطَعْتَ أَلَّا تَبِيتَ إِلَّا عَلَى وَضُوءٍ فَافْعَلْ، فَإِنَّهُ مَنْ أَتَاهُ الْمَوْتُ، وَهُوَ عَلَى وَضُوءٍ ، أُعْطِيَ الشَّهَادَةَ ) .
وعلي بن زيد معروف بالضعف ، ضعفه الأئمة : منهم شعبة ، وابن عيينة ، وابن معين ، وأبو زرعة ، وأبو حاتم ، وابن خزيمة ، والدارقطني وغيرهم .
وقال ابن قانع : خلط في آخر عمره وترك حديثه ، وقال ابن حبان : يهم ويخطىء فكثر ذلك منه فاستحق الترك .
"تهذيب التهذيب" (7/ 324) .
ورواه البيهقي في " الشعب " (2529) ، وأبو القاسم الشحامي في "السباعيات" (147) من طريق كثير بن عبد الله أبي هاشم عن أنس به .
وكثير هذا متروك : قال البخاري : منكر الحديث ، وقال النسائي: متروك الحديث ، وقال الدارقطني : ضعيف ، وقال أبو حاتم : منكر الحديث ، شبه المتروك .
ميزان الاعتدال (3/ 406) .
ورواه قوام السنة (254) في "الترغيب والترهيب" من طريق بشر بن إبراهيم ، نا عباد بن كثير، عن عبد الرحمن بن حرملة ، عن سعيد بن المسيب، عن أنس بن مالك .
وهذا إسناد تالف : عباد بن كثير متروك ، قال البخاري : تركوه . وكان الثوري يكذبه ، وقال أحمد : روى أحاديث كذب . "تهذيب التهذيب" (5/ 100)
وبشر بن إبراهيم شر منه ، قال العقيلي: يروي عن الأوزاعي موضوعات ، وقال ابن عدي: هو عندي ممن يضع الحديث ، وقال ابن حبان : كان يضع الحديث على الثقات .
"ميزان الاعتدال" (1/ 311) .
ورواه أحمد بن منيع – كما في "المطالب العالية" (2/ 273) - : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثنا الْعَلَاءُ - أَبُو مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ - حَدَّثَنَا أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ به .
والعلاء هذا هو العلاء بن زيد الثقفي : قال ابن المديني: كان يضع الحديث ، وقال أبو حاتم والدارقطني : متروك الحديث ، وقال البخاري وغيره : منكر الحديث ، وقال ابن حبان : روى عن أنس نسخة موضوعة .
"ميزان الاعتدال" (3/ 99) .

والحاصل من ذلك كله : أن الحديث المذكور ضعيف ، ليس له طريق يعتمد عليها ، ولا يتقوى بمجموع طرقه لشدة ضعفها .

ثانيا :
أصح ما ورد في فضل الوضوء عند النوم ما رواه البخاري (247) ومسلم (2710) عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ ، ثُمَّ قُلْ : اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ ؛ فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ ) .
راجع إجابة السؤال رقم (12782) ، والسؤال رقم (131796) .

فمن توضأ قبل نومه ثم اضطجع على شقه الأيمن وقال هذا الدعاء ثم مات : مات على الفطرة.
وروى أبو داود (5042) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَبِيتُ عَلَى ذِكْرٍ طَاهِرًا فَيَتَعَارُّ مِنْ اللَّيْلِ فَيَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ) . وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
فمن توضأ قبل نومه ثم تعار من الله فسأل الله أعطاه من فضله .

ثالثا :
من استطاع أن يمكث طوال اليوم طاهرا فهو خير وفضل ، ولا نعلم في فضل ذلك حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن العبد إذا كان طاهرا تمكن من فعل ما لا يتمكن من فعله إذا كان على غير طهارة ، فإذا دخل المسجد تمكن من الصلاة ، وإذا أراد تلاوة القرآن تمكن من مس المصحف ، وإذا أراد ذكر الله كان ذكره ربه وهو على طهارة أفضل من ذكره وهو محدث ، وإذا حضرته الصلاة تمكن من الصلاة ، فلم يتأخر عن الصف الأول ولم تفته تكبيرة الإحرام .
فالذي يحرص على طهارته دائما يكون دائما أقرب إلى الله ، متمكنا من فعل العبادة .
وقد روى ابن ماجة (277) عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةَ ، وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ ) صححه الألباني في " صحيح ابن ماجة " .
قال الباجي رحمه الله :
" يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُدِيمُ فِعْلَهُ بِالْمَكَارِهِ وَغَيْرِهَا مُنَافِقٌ ، وَلَا يُوَاظِبُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا مُؤْمِنٌ "
انتهى من "المنتقى" (1/ 74) .
فالوضوء من خصال أهل الإيمان ، وهو من مكفرات الذنوب .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب