الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

كيف يعرف الإنسان أن تيسير أموره واستجابة دعائه ليس من الاستدراج ؟

198964

تاريخ النشر : 02-07-2013

المشاهدات : 52592

السؤال


أدعو الله سبحانه في كثير من الأمور ، وأرى اﻻستجابة في الدعاء ، ولكن قلبي يقول لي : هذه المسائل استدراج من الشيطان ، بحيث يجعلك تطمئن على أنك متدين !!

فكيف أعرف استدراج الشيطان ؟ وهل الشيطان له قدرة على تيسير الأمور ، بحيث يخدعك ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
المؤمن دائما حسن الظن بربه ، سيء الظن بنفسه ، لا يصيبه ما يكرهه إلا وهو يعلم أن ما أصابه من ذلك إنما أصابه بذنبه ، ولا يأتيه خير يحبه إلا وهو يعلم أنه من فضل ربه عليه ؛ منةً منه وكرما .
ثانيا :
الدعاء على نوعين : دعاء العبادة ، وهو الحال الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم من طاعة ربه وعبادته .
ودعاء المسألة ، وهو سؤال الله جلب النفع ودفع الضر .
ودعاء العبادة لا يكون إلا للمؤمن ، أما دعاء المسألة فيكون للمؤمن والكافر والبر والفاجر ، فليس كل من أجاب الله دعاءه يكون راضياً عنه، ولا محباً له ، ولا راضياً بفعله ، بخلاف دعاء العبادة الذي لا يكون إلا بتوفيق الله تعالى ومحبته .
فقد تكون إجابة الدعاء استدراجا ، وقد تكون تعجيلا لنصيب الداعي من الخير حيث لا يكون له إلا في الدنيا ، وقد تكون إظهارا لرحمة الله بعباده ، أو استجابة لدعاء مظلوم ، ونحو ذلك .
وقد تكون الاستجابة لصلاح المرء وتقواه .
والحاصل : أن الدعاء هو سبب من أسباب قضاء الحاجات ؛ بل هو من أعظم الأسباب ، ومتى كانت الحاجة دنيوية ، وقد أجيب لصاحبها دعاؤه : فهذا رزق من الله ، جرى بسببه ، كما أن العمل سبب للرزق ، والنكاح سبب للولد ، والدواء سبب للشفاء ، لكن ليس جريان الرزق وتعجيله في شيء من ذلك كله ، دليلا على محبة الله لمن أعطاه ذلك الرزق ، كما أن منع الإجابة ، أو حبس الرزق : ليس دليلا على سخط الله على من حرمه ذلك .
راجع لمزيد الفائدة والتوضيح جواب السؤال رقم : (41114) ، (177561) .

ثالثا :
العطاء والمنع ، والخفض والرفع ، والغنى والفقر ، والصحة والمرض ، وسائر ما يقدره الله لعبده من الرزق : فإنما أمره إلى الله وحده ، هو يقضيه ، ويصرفه ، ويدبره لعباده سبحانه ، لا يملك أحد من خلقه ، لا الشيطان وأعوانه ، ولا الملائكة ، ولا مخلوق : يملك شيئا من ذلك استقلالا ، ولا يشارك الله تعالى في تدبير شيء من ذلك كله ، بل أمره كله إلى الله .
وإن كان ذلك لا يمنع أن يكون للعباد شيء من أسباب ذلك ، كما أن الشفاء إنما هو بيد الله ، والطبيب سبب ، والولد من رزق الله ، والزوج أو الزوجة سبب ، وهكذا .

روى الترمذي (2516) وصححه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( ... وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتْ الأَقْلامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ ). وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .

رابعا :
ليس الاستدراج من فعل الشيطان في شيء ، ولا له مدخل فيه ، ولم ينسب إليه شيء منه في كتاب الله ، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ فلا يملك أن ييسر قضاء حاجة لعبد ، يستدرجه بها ، ولا يملك أيضا منع حاجة لعبد ، يستدرجه بذلك ، فإن الله تعالى رد كيده إلى الوسوسة والإغواء ، وأما التدبير والتصريف فليس له منه شيء .

لكن الاستدراج : هو فعل الله تعالى بمن شاء من عباده .
قال الإمام الطبري رحمه الله :
" وأصل "الاستدراج" : اغترارُ المستدرَج بلطف من استدرجه ، حيث يرى المستدرَج أن المستدرِج إليه محسنٌ، حتى يورِّطه مكروهًا " انتهى من " تفسير الطبري" (13/287) .

والعبد ينبغي أن يغلب جانب حسن الظن بالله ، على ما أعطاه من نعم ، لكن مع الاعتناء بشكره فيها ، والجمع بين ذلك والخوف من مكر الله ، فيجمع في سيره إلى الله بين الرهبة والرغبة ، والرجاء والخوف ، والمحبة والخشية .

قال المَرُّوذيّ : " قلت لأبي عبد الله - يعني الإمام أحمد - : ما أكثر الدّاعي لك .
قال: " أخاف أن يكون هذا استدراجًا ، بأيّ شيء هذا ؟ " .
انتهى من " تاريخ الإسلام " (18/ 76) .

خامسا :
من أعظم العلامات التي يخشى على صاحبها من استدراج الله له ، ومكره به : أن يعطيه الرزق ، عند معصيته به ، وإعراضه عنه .
قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ) الأعراف/182 .
قال القرطبي رحمه الله :
" قَالَ الضَّحَّاكُ: كُلَّمَا جَدَّدُوا لَنَا مَعْصِيَةً جَدَّدْنَا لَهُمْ نِعْمَةً.
وَقِيلَ لِذِي النُّونِ: ما أقصى ما يخدع به العبد ؟
قَالَ: بِالْأَلْطَافِ ، وَالْكَرَامَاتِ ...
وَأَنْشَدُوا:
أَحْسَنْتَ ظَنَّكَ بِالْأَيَّامِ إِذْ حَسُنَتْ ... وَلَمْ تَخَفْ سُوءَ مَا يَأْتِي بِهِ الْقَدَرُ
وَسَالَمَتْكَ اللَّيَالِي فَاغْتَرَرْتَ بِهَا ... وَعِنْدَ صفو الليالي يحدث الكدر" انتهى من "تفسير القرطبي" (7/329) .

وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا رَأَيْتَ اللهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ ، فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ ) ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ) الأنعام/ 44.
رواه الإمام أحمد (17311) ، وصححه الألباني في " مشكاة المصابيح " برقم (5201).

قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" قد يبتلى الإنسان بالسراء كالمال العظيم والنساء والأولاد وغير ذلك فلا ينبغي أن يظن أنه بذلك يكون محبوبا عند الله إذا لم يكن مستقيما على طاعته ، فقد يكون من حصل له ذلك محبوبا ، وقد يكون مبغوضا ، والأحوال تختلف ، والمحبة عند الله ليست بالجاه والأولاد والمال والمناصب ، وإنما تكون المحبة عند الله بالعمل الصالح ، والتقوى لله والإنابة إليه ، والقيام بحقه ، وكل من كان أكمل تقوى ، كان أحب إلى الله .
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن الله يعطي الدنيا من
يحب ومن لا يحب ولا يعطي الإيمان إلا من أحب ) رواه الحاكم (94) وصححه ، ووافقه الذهبي .
فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه ، ومن ابتلي بالكفر والمعاصي فهذا دليل على أنه مبغوض عند الله على حسب حاله .
ثم أيضا قد يكون الابتلاء استدراجا فقد يبتلى بالنعم يستدرج بها حتى يقع في الشر وفيما هو أسوأ من حاله الأولى ، قال تعالى : ( سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ) الأعراف/182-183 ، وقد يبتلى الناس بالأسقام والأمراض ونحو ذلك ، لا عن بغض ولكن لحكمة بالغة ، منها : رفع الدرجات ، وحط الخطايا " .
انتهى ملخصا من "مجموع فتاوى ابن باز" (7/ 147-148) .

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب