الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

حكم تخدير الإنسان عند الاحتضار

السؤال

ما حكم استخدام المخدر عند خروج روح الإنسان ؟

الجواب

الحمد لله.

الموت أحد العوارض التي تلحق الإنسان ، يتمثل في نزع روحه ، وانتقاله من قيد البدن الدنيوي وارتباطه الأرضي ، إلى سعة عالم الآخرة ، وحينها تنفصل به الروح عن الجسد فلا تملك عليه تصرفا بعدئذ .
وفي "الطبقات الكبرى" ، لابن سعد (4/260) ، و" المستدرك " للحاكم (5915):
"عَنْ عَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ : " كَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يَقُولُ : عَجَبًا لِمَنْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ وَعَقْلُهُ مَعَهُ كَيْفَ لَا يَصِفُهُ ، فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ قَالَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: يَا أَبَتِ إِنَّكَ كُنْتَ تَقُولُ: عَجَبًا لِمَنْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ وَعَقْلُهُ مَعَهُ كَيْفَ لَا يَصِفُهُ , فَصِفْ لَنَا الْمَوْتَ وَعَقْلُكُ مَعَكَ ، فَقَالَ : يَا بُنَيَّ الْمَوْتُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُوصَفَ ، وَلَكِنِّي سَأَصِفُ لَكَ مِنْهُ شَيْئًا : أَجِدُنِي كَأَنَّ عَلَى عُنُقِي جِبَالُ رَضْوَى ، وَأَجِدُنِي كَأَنَّ فِي جَوْفِي شَوْكَ السِّلَاءِ، وَأَجِدُنِي كَأَنَّ نَفَسِي يَخْرُجُ مِنْ ثَقْبِ إِبْرَةٍ !!" انتهى .
ومع هذه المرحلة العظيمة الشديدة من مراحل الإنسان تغدو أنواع العلاجات والمسكنات ضربا من العبث ، فالموت عملية غيبية للفصل بين الروح والجسد ، والمخدر أو المسكن إنما يعمل على تخفيف آلام الجسد التي يصاب بها في نفسه ، أي بأسبابه البدنية ، فيما يتعلق بعالم الشهادة الحسي ، وعالم الموت الغيبي خارج عن تلك الأسباب ، وغير خاضع للتجارب ، والمعالجات .
وعلى ذلك ، فالذي يظهر لنا هنا : المنع من استعمال المخدر في حالة الاحتضار ؛ وذلك للأسباب الآتية :
السبب الأول : أن الأصل في التخدير المنع إلا لحاجة أو ضرورة ، ولا حاجة له هنا ، فقد سبق تقرير أن المخدر لا يرفع آلام النزع ؛ بل لا علاقة لهذه الحالة الغيبية بما يكون من حال الناس وأسبابهم وتجاربهم ؛ وحينئذ : يبقى استعمال المخدر : تناولا للمحذور ، من غير مبيح شرعي ، ولا سبب داع إليه ، بحيث نعلم تحقق نفعه والحاجة إليه ، أو غلبة الظن بذلك ، في مثل تلك الحال .
وينظر جواب السؤال رقم : (46050) .
السبب الثاني : أنه لا يمكن لأحد الجزم بتوقيت الموت وميعاده ، والتخدير له أضراره الصحية ومضاعفاته على الجسد ، بل يقول الأطباء إنه نوع من السموم الخاصة ، فمن غير المقبول أن ندخل الضرر المحقق في سبيل دفع شك أو ظن متوهم ؛ بل في سبيل التعامل مع أمر لا علم لنا بحقيقته ، ولا خبرة لنا به أصلا ، ولا نعلم لنفع المخدر فيه سبيلا .
ثم إنه في حالة العبد الصالح الذي يختم الله له بالطاعة والعبادة ، ونرى فيه الإقبال على الله تعالى ، وترطب لسانه بذكره ، فمثل هذا ننتظر منه النطق بالشهادة التي تكون له ذخرا عند ربه ، والتخدير قد يحرمه هذه الفضيلة . فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ ) رواه أبوداود (3116) يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله : " أي : من غير عذاب مطلقا ، أو من بعض الوجوه . وإنما أوّلناه بذلك ؛ لأن كل مسلم لا بد وأن يدخل الجنة وإن عذب ، فليس للإخبار فائدة بأن ختم الكلام بكلمة الإخلاص يقتضي دخول الجنة ، إلا أن فيه مزية اقتضت تخصيصه بذلك ، وتلك المزية هي : إما دخوله لها مع الناجين من غير عذاب ، أو أن الله سبحانه يخفف عنه مما استحقه من العذاب ، فيدخل الجنة قبل الأوان الذي كان يستحقه لو لم يختم له بهذه الكلمة " انتهى من " الزواجر " (2/333).
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب