الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

كيف يمكن أن يصيب المني الثياب دون المذي ؟

215181

تاريخ النشر : 20-03-2015

المشاهدات : 52708

السؤال


خروج المذي حتمي قبل خروج المني . والقاعدة معلومة أن المذي نجس ، أما المني فطاهر ، فكيف إذاً نفهم حديث عائشة رضي الله عنها في " صحيح مسلم " عندما قالت : ( إنها كانت تفرك المني من ملابس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يصلي فيها ) أي بعبارة أخرى : كيف يمكن أن تُصاب الملابس بالمني قبل أن يقع عليها المذي ؟ أرجو توضيح هذا الإشكال .

الجواب

الحمد لله.


أولا :
الحكم بطهارة شيء أو نجاسته هو حكم شرعي ، أي : يجب أن يُتَلَقَّى من الشرع ، ويؤخذ من الأدلة الشرعية .
فإذا أردنا معرفة حكم المني من حيث الطهارة أو النجاسة ، فإننا ننظر إلى الأدلة الشرعية ( الكتاب والسنة النبوية والإجماع والقياس ... وسائر الأدلة ) لاستخلاص هذا الحكم ، وسنجد أن الأدلة الشرعية تدل على طهارة المني ، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم  : (170012) .

ثم إذا ورد إشكال على هذا الحكم الشرعي المستفاد من الأدلة الشرعية : فالواجب البحث له عن جواب سليم مقنع تجتمع به الأدلة الشرعية مع واقع الأمر ، أو مع ما يظنه السائل واقعاً .

والإشكال الذي ذكره السائل هنا إشكال وارد بلا شك ، وهو ليس جديداً ، فقد تحدث العلماء عنه قديماً ، وأجابوا عنه أيضا !!

والجواب على هذا الإشكال من عدة أوجه :
الأول : أن القول بأن "خروج المذي قبل المني هو أمر حتمي" : قول غير صحيح ؛ وأنه لا تلازم بين خروج المني ، وخروج المذي قبله .
قال ابن قدامة الحنبلي رحمه الله في "المغني" (2/499) " وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمَنِيِّ مِنْ الْجِمَاعِ أَنَّهُ نَجِسٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ الْمَذْيِ .
وَقَدْ ذَكَرْنَا فَسَادَ هَذَا .
فَإِنَّ مَنِيَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا كَانَ مِنْ جِمَاعٍ [ لأن الأنبياء لا يحتلمون ] ، وَهُوَ الَّذِي وَرَدَتْ الْأَخْبَارُ بِفَرْكِهِ " انتهى .
وانظر : " الشرح الكبير " (1/309) .
والإشارة بقوله : " وقد ذكرنا فساد هذا " ، إلى ما ذكره قبل ذلك بعدة صفحات (2/492) وهو يرد على كلام القاضي قال : " وَلَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ ، فَإِنَّ الشَّهْوَةَ إذَا اشْتَدَّتْ خَرَجَ الْمَنِيُّ دُونَ الْمَذْيِ ، كَحَالِ الِاحْتِلَامِ " انتهى .
وانظر : " المبدع " (1/218) .
وقد نقل الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (1/398) جواب ابن قدامة رحمه الله ووافقه عليه .
وعلى هذا ؛ فالمقدمة التي بُني عليها هذا الإشكال غير صحيحة .

الوجه الثاني :
على فرض أن هذه المقدمة صحيحة – وهي ليست كذلك – فإن هذا المذي هو شيء يسير : خالط المني ، واستُهلِك فيه ؛ فلم يبق له أثر ، ولم ينجس المحل .
وإذا كان يعفى عن يسير المذي المنفرد ، كما هو الأصل في النجاسات التي يُعفى عن يسيرها ؛ فمن باب أولى يُعفى عن يسيره المختلط بالمني الطاهر .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" النجاسات على قسمين :
ما يبطل الصلاة قليلها وكثيرها .
وما يعفى عن يسيرها .
أما المذي فيُعفى عنه في أقوى الروايتين ؛ لأن البلوى تعم به ، ويشق التحرز منه ، فهو كالدم ، بل أولى ؛ للاختلاف في نجاسته ، والاجتزاء عنه بنضحه " انتهى من " شرح عمدة الفقه لابن تيمية - من كتاب الطهارة والحج " (1/ 104) .
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" يُعفى عن النجاسات فيما يأتي :
أولا : يسير الدم وما تولد منه ، إلا دم الحيض .
ثانيا : يسير المذي وسلس البول مع كمال التحفظ ... إلخ " انتهى من " تعليقات الشيخ ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة " (1/ 56 ، بترقيم الشاملة آلياً )

وقد ذهب بعض العلماء إلى نجاسة المني لأنه يخرج من مخرج البول ، فيتنجس بآثار البول ، وأُجيب بجوابين :
1- أن هذا مما عَفَى الشرع عنه .
2- أن ملاقاة النجاسة في الباطن لا تؤثر، وإنما تؤثر ملاقاتها في الظاهر .
انظر : " المجموع " للنووي (1/301) ، (2/574) .
وللمزيد يرجى مراجعة الفتوى رقم : (97942) ، (194692) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب