الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

حكم الاحتضان بين الصديقات

221039

تاريخ النشر : 16-09-2014

المشاهدات : 79932

السؤال


هل يجوز الاحتضان بين الصديقات ؛ أم إن هذا خاص بالزوج فقط ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
يباح المعانقة ، والالتزام ، بين الرجل ورجل مثله ، والمرأة ، وامرأة مثلها ، إذا كان هناك سبب يدعو إلى ذلك ، كالعودة من السفر ، أو طول الغياب ، ولو لم يكن عن سفر ، وألحق به بعض أهل العلم : حال غلبة الشوق للصديق ونحوه .
قال ابن القيم في " زاد المعاد " ( 2 / 414 ) : " وكان يعتنق القادم من سفره " انتهى.
ومن ذلك ؛ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: ( لَمَّا قَدِمَ جَعْفَرٌ مِنَ الْحَبَشَةِ عَانَقَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده ( 3 / 398 ) ، وحسّنه الألباني في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " ( 6 / 332 ) .
وهذا الذي كان عليه عمل الصحابة رضوان الله عليهم .
عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ: ( كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَلَاقَوْا تَصَافَحُوا ، وَإِذَا قَدِمُوا مِنْ سَفَرٍ تَعَانَقُوا ) رواه الطبراني في " المعجم الأوسط " ( 97 ) ، وحسّنه الألباني في " السلسة الصحيحة " ( 6 / 303 ) .
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ ، يَقُولُ : ( بَلَغَنِي حَدِيثٌ عَنْ رَجُلٍ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَاشْتَرَيْتُ بَعِيرًا ، ثُمَّ شَدَدْتُ عَلَيْهِ رَحْلِي ، فَسِرْتُ إِلَيْهِ شَهْرًا ، حَتَّى قَدِمْتُ عَلَيْهِ الشَّامَ ، فَإِذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ ، فَقُلْتُ لِلْبَوَّابِ : قُلْ لَهُ : جَابِرٌ عَلَى الْبَابِ ، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، فَخَرَجَ يَطَأُ ثَوْبَهُ ، فَاعْتَنَقَنِي ، وَاعْتَنَقْتُهُ ) رواه الإمام أحمد في مسنده ( 25 / 431 - 432 ) ، والبخاري في " الأدب المفرد " ( 970 ) ، وحسّن إسناده الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " ( 1 / 174 ) .

وألحق بعض أهل العلم بالسفر : طول الغياب ، كما سبق الإشارة إليه .
ففي " مغني المحتاج " في الفقه الشافعي ( 4 / 218 ) : " وتكره المعانقة والتقبيل في الرأس ، ولو كان المقبل أو المقبل صالحا ، للنهي عن ذلك ، رواه الترمذي ؛ إلاّ لقادم من سفر، أو تباعد لقاء عرفا " انتهى.

وألحق آخرون بصورة الجواز : المعانقة التي تحصل أحيانا ودافعها شدة الحبّ في الله تعالى .
قال البغوي رحمه الله تعالى :
" فأما المكروه من المعانقة والتقبيل ، فما كان على وجه الملق والتعظيم ، وفي الحضر ، فأما المأذون فيه ، فعند التوديع ، وعند القدوم من السّفر ، وطول العهد بالصاحب ، وشدّة الحبّ في اللّه " انتهى من " شرح السنة " ( 12 / 293 ) .

واستُدل لهذه الصورة بحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
( خَرَجَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي سَاعَةٍ لَا يَخْرُجُ فِيهَا وَلَا يَلْقَاهُ فِيهَا أَحَدٌ ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ ، فَقَالَ : مَا جَاءَ بِكَ يَا أَبَا بَكْرٍ ؟ قَالَ : خَرَجْتُ أَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْظُرُ فِي وَجْهِهِ ، وَالتَّسْلِيمَ عَلَيْهِ ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ عُمَرُ ، فَقَالَ : مَا جَاءَ بِكَ يَا عُمَرُ ؟ قَال َ: الْجُوعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قال : فقال رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: وَأَنَا قَدْ وَجَدْتُ بَعْضَ ذَلِكَ . فَانْطَلَقُوا إِلَى مَنْزِلِ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيْهَانِ الْأَنْصَارِيِّ ، وَكَانَ رَجُلًا كَثِيرَ النَّخْلِ وَالشَّاءِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ خَدَمٌ فَلَمْ يَجِدُوهُ ، فَقَالُوا لِامْرَأَتِهِ : أَيْنَ صَاحِبُكِ ؟ فَقَالَتِ : انْطَلَقَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا الْمَاءَ ، فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ جَاءَ أَبُو الْهَيْثَمِ بِقِرْبَةٍ يَزْعَبُهَا فَوَضَعَهَا ، ثُمَّ جَاءَ يلتزمُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َوَيُفَدِّيهِ بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ ) رواه الترمذي ( 2369 ) ، وصححه الألباني في " مختصر الشمائل " ( ص 79 ) .
 

ثانيا :
يستثنى من الرخصة في المعانقة والالتزام : ما كان صادرا عن شهوة ، ولو بين امرأة وامرأة مثلها ، أو خيف أن يدعو إليها ، ويجر إليها .
قال ابن مفلح رحمه الله تعالى :
" وتباح المعانقة ، وتقبيل اليد والرأس تديناً وإكرماً واحتراماً ، مع أمن الشهوة " انتهى من " الآداب الشرعية " ( 2 / 247 )
وبوب البيهقي رحمه الله تعالى في كتابه " السنن الكبرى " ( 7 / 161 ) : " باب ما جاء في معانقة الرجل الرجل ، إذا لم تكن مؤدية إلى تحريك شهوة " انتهى.

ثالثا :
ذهب غير واحد من أهل العلم إلى كراهة المعانقة والالتزام عند كل لقاء ؛ فإن الرخصة إنما وردت في ذلك ، في خاص من الأحوال ، فلا ينبغي أن تجعل هديا دائما ، وعادة ملتزمة .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : ( قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ ؟ قَالَ : ‏‏ لاَ ‏.‏ قَالَ : أَفَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ ؟ قَالَ : ‏ لاَ ‏.‏ قَالَ : أَفَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ قَالَ : ‏ نَعَمْ ‏ ) قَالَ أَبُو عِيسَى – الترمذي - : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ . رواه الترمذي ( 2728 ) ، وحسنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 1 / 298 ) دون لفظة ( أَفَيَلْتَزِمُهُ ) .

جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء " ( 24 / 128 ) :
" المشروع عند اللقاء : السلام والمصافحة بالأيدي ، وإن كان اللقاء بعد سفر ، فيشرع كذلك المعانقة ؛ لما ثبت عن أنس رضي الله عنه قال : ( كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا ، وإذا قدموا من سفر تعانقوا ) .
وأما تقبيل الخدود فلا نعلم في السنة ما يدل عليه .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
بكر أبو زيد ، صالح الفوزان ، عبد الله بن غديان ، عبد العزيز آل الشيخ ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى.
والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب