السبت 11 شوّال 1445 - 20 ابريل 2024
العربية

معنى حديث: (عجب الله من قوم يدخلون الجنة فى السلاسل)

242817

تاريخ النشر : 25-12-2017

المشاهدات : 79017

السؤال


جاء في القرآن الكريم أنه (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) ، ولكنني قرأت في السنة ما يدل على خلاف ذلك ، فالحديث الأول : هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الناس للناس يأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام) ، والحديث الثاني : هو عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأحدهم : (ألا تريحني من ذي الخلصة ) ،فقام الرجل فوضع السيف على رقبة رجل آخر حتى أسلم"؟ أرجو شرح المسألة ؟وهل الآية منسوخة ؟

الجواب

الحمد لله.



قوله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) آية محكمة غير منسوخة ، فلا يكره أحد على الدخول في الإسلام، وإن كان الجهاد يقتضي إكراه أناسٍ على الخضوع لنظام الإسلام وشريعته، لكن تكون لهم الحرية في البقاء على دينهم، مع دفع الجزية.
وتنظر: الفتوى رقم : (165408).

ثانيا:
الحديث الأول، هو ما رواه البخاري في صحيحه (3010) باب الأسارى فى السلاسل، عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : (عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ فِي السَّلاَسِلِ).
وقد اختلف في معناه: قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (6/145) : " المراد بكون السلاسل في أعناقهم : مقيد بحالة الدنيا ؛ فلا مانع من حمله على حقيقته . والتقدير : يدخلون الجنة ، وكانوا قبل أن يسلموا في السلاسل .
وسيأتي في تفسير آل عمران من وجه آخر عن أبي هريرة في قوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس ) قال : ( خير الناس للناس ، يأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام.
قال ابن الجوزي: معناه : أنهم أُسروا وقيدوا ، فلما عرفوا صحة الإسلام ، دخلوا طوعا ، فدخلوا الجنة ، فكان الإكراه على الأسر والتقييد هو السبب الأول ، وكأنه أَطلق على الإكراه : التسلسل ، لما كان هو السبب في دخول الجنة ، أقام المسبب مقام السبب. ..
وقال غيره: يحتمل أن يكون المراد المسلمين المأسورين عند أهل الكفر ، يموتون على ذلك ، أو يقتلون ، فيحشرون كذلك، وعبر عن الحشر بدخول الجنة لثبوت دخولهم عقبه، والله أعلم". انتهى.

فعلى الاحتمالين ليس في الحديث معارضة للآية؛ إذْ لم يُكره أحد على الدخول في الإسلام.

وأما الحديث الثاني، وهو حديث جرير بن عبد الله البجلي، فقد رواه البخاري أيضاً (4357) عن جرير قال : " قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَلاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الخَلَصَةِ ) فَقُلْتُ: بَلَى، فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ، وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ، وَكُنْتُ لاَ أَثْبُتُ عَلَى الخَيْلِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضَرَبَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ يَدِهِ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: ( اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ، وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا ) قَالَ: فَمَا وَقَعْتُ عَنْ فَرَسٍ بَعْدُ، قَالَ: وَكَانَ ذُو الخَلَصَةِ بَيْتًا بِاليَمَنِ لِخَثْعَمَ، وَبَجِيلَةَ، فِيهِ نُصُبٌ تُعْبَدُ، يُقَالُ لَهُ الكَعْبَةُ، قَالَ: فَأَتَاهَا فَحَرَّقَهَا بِالنَّارِ وَكَسَرَهَا، قَالَ: وَلَمَّا قَدِمَ جَرِيرٌ اليَمَنَ، كَانَ بِهَا رَجُلٌ يَسْتَقْسِمُ بِالأَزْلاَمِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَا هُنَا، فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْكَ ضَرَبَ عُنُقَكَ، قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ يَضْرِبُ بِهَا إِذْ وَقَفَ عَلَيْهِ جَرِيرٌ، فَقَالَ: لَتَكْسِرَنَّهَا وَلَتَشْهَدَنَّ: أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَوْ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ؟ قَالَ: فَكَسَرَهَا وَشَهِدَ، ثُمَّ بَعَثَ جَرِيرٌ رَجُلًا مِنْ أَحْمَسَ يُكْنَى أَبَا أَرْطَاةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُهُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، مَا جِئْتُ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ، قَالَ: فَبَرَّكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ" .
وهذه واقعة عين ، لا يعارض بها النص المحكم؛ إذ يحتمل أن يكون هذا الرجل قد ارتد ، أو نقض عهده، فلم يكن يقبل منه إلا الإسلام ، أو القتل .
أو كان الرجل وثنيا غير كتابي ، ويقويه استقسامه بالأزلام ، ولعل جريراً رضي الله عنه كان يرى عدم أخذ الجزية من الوثنيين .
وقضايا الأعيان محتملة مظنونة ، لا يعارض بها المحكمات .
والثابت أن أهل اليمن لم يكرهوا على الدخول في الإسلام، بل منهم من أسلم طوعا، ومنهم من دفع الجزية، كما في حديث معاذ بن جبل قال: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مَعَافِرَ) رواه أحمد (22066) ، والنسائي (24529) ، وأبو داود (1576) ، والترمذي (623) وصححه الألباني .
والمعافر ثياب في اليمن معروفة.
قال ابن القيم : "بعث معاذا رضى الله عنه إلى اليمن، فعقد لمن لم يسلم من يهودها الذمة، وضرب عليهم الجزية" انتهى من "زاد المعاد" (3/51).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الاسلام سؤال وجواب