الثلاثاء 7 شوّال 1445 - 16 ابريل 2024
العربية

حكم بيع النساء الطعام وقت الجمعة في المسجد

251316

تاريخ النشر : 22-02-2017

المشاهدات : 17250

السؤال


أتطوع في المسجد مع النساء ، فهل يجوز للنساء شراء ما يعرض هناك من طعام لأغراض خيرية في وقت صلاة الجمعة ، كون صلاة الجمعة ليست بواجب على النساء؟ وأرجو منكم ذكر الدليل على ذلك

ملخص الجواب

يجوز للنساء تبايع الطعام وغيره في وقت الجمعة خارج المسجد. وأما البيع في المسجد : فمحرم، ويتأكد منعه وقت الجمعة ، لأن من حضرها أمر بالإنصات ومنع مما يشغل عنه.

الجواب

الحمد لله.


أولا:
أمر الله تعالى بترك البيع بعد نداء الجمعة الثاني، وهو النداء الذي يكون بعد صعود الخطيب للمنبر فقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الجمعة/9 .
ولم يختلف الفقهاء في المنع من البيع بعد نداء الجمعة الثاني .
وينظر : "الموسوعة الفقهية" (9/225).
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : " إن البيع بعد نداء الجمعة الثاني : حرام ، وباطل أيضاً ، وعليه : فلا يترتب عليه آثار البيع ، فلا يجوز للمشتري التصرف في المبيع ؛ لأنه لم يملكه ، ولا للبائع أن يتصرف في الثمن المعين ؛ لأنه لم يملكه ، وهذه مسألة خطيرة ؛ لأن بعض الناس ربما يتبايعون بعد نداء الجمعة الثاني ، ثم يأخذونه على أنه ملك لهم" .
انتهى من "الشرح الممتع على زاد المستقنع" (8/190 ، 191).

ويُستثنى من الحكم السابق : من لا يلزمهم السعي لصلاة الجمعة ، وهم : المرأة ، والعبد ، والمسافر ، والمريض ، والصبي الذي لم يبلغ ، فهؤلاء يجوز بيع بعضهم لبعض ، ولا يجوز البيع إن كان أحدهم طرفاً ، وكان الطرف الآخر ممن يلزمه السعي لصلاة الجمعة .
قال ابن قدامة رحمه الله : " وتحريم البيع ووجوب السعي يختص بالمخاطَبين بالجمعة ، فأما غيرهم من النساء والصبيان والمسافرين : فلا يثبت في حقه ذلك ، لأن الله تعالى إنما نهى عن البيع مَن أمَرَه بالسعي ، فغير المخاطب بالسعي لا يتناوله النهي ، ولأن تحريم البيع معلَّل بما يحصل له من الاشتغال عن الجمعة ، وهذا معدوم في حقهم .
وإن كان أحد المتبايعيْن مخاطَباً ، والآخر غير مخاطب : حرُم في حق المخاطَب ، وكره في حق غيره ؛ لما فيه من الإعانة على الإثم ، ويحتمل أن يحرُم أيضاً ؛ لقوله تعالى : (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)" انتهى من "المغني" (2/145) باختصار .

وهذا الاحتمال الذي ذكره ابن قدامة رحمه الله هو الراجح ؛ لأن النهي في الآية عن التعاون على الإثم والعدوان ظاهر في التحريم ، وهو مذهب الجمهور.
وجاء في " الموسوعة الفقهية " (9/228) : " أما لو وجبت [أي الجمعة] على أحدهما دون الآخر : فمذهب الجمهور من الحنفية والشافعية : أنهما يأثمان جميعا ؛ لأن الأول الذي وجبت عليه ارتكب النهي ، والآخر الذي لم تجب عليه ، أعانه عليه " انتهى .
ثانيا:
المرأة لا تجب عليها الجمعة ، وإن حضرتها وصلّت : أجزأتها ، ولا تجب عليها بحضورها ، في قول عامة أهل العلم ، فلها أن تنصرف وتصليها ظهرا.
قال النووي رحمه الله : " قال أصحابنا : إذا حضر النساء والصبيان والعبيد والمسافرون الجامع ، فلهم الانصراف ويصلون الظهر ...
وأما الأعمى الذي لا يجد قائدا فإذا حضر لزمته بلا خلاف لزوال المشقة .
وأما المريض ، فأطلق المصنف والأكثرون : أنه لا يجوز له الانصراف ، بل إذا حضر لزمته الجمعة ، والأولى التفصيل : فإن حضر قبل دخول الوقت ، فله الانصراف مطلقا ، وإن كان بعد دخول الوقت وقبل إقامة الصلاة ونيتها : فإن لم تلحقه زيادة مشقة بانتظارها : لزمته ، وإن لحقته: لم تلزمه ، بل له الانصراف . وهذا التفصيل حسن واستحسنه الرافعي ، فقال : لا يبعد حمل كلام الأصحاب عليه...
هذا كله إذا لم يشرعوا في صلاة الجمعة ; فإن أحرم بها الذين لا تلزمهم ثم أرادوا قطعها : قال في البيان : لا يجوز ذلك للمريض والمسافر ، وفي جوازه للعبد والمرأة وجهان حكاهما الصيمري ، ولم يصحح أحدهما .
والصحيح : أنه يحرم عليهما قطعها ; لأنها انعقدت عن فرضهما ، فتعين إتمامها .
وقد سبق في باب التيمم ومواقيت الصلاة وغيرهما : أن من دخل في الفريضة في أول وقتها ، حرم عليه قطعها ، نص عليه الشافعي في الأم واتفق عليه الأصحاب إلا احتمالا لإمام الحرمين " انتهى من "المجموع" (4/358).

ثالثا:
إن كانت المرأة ستبيع وتشتري بعد النداء الثاني داخل المسجد، فهذا يمنع من وجهين:
الأول: أن من حضر الجمعة لزمه الإنصات للخطبة ، ومنع من الصلاة إلا تحية المسجد؛ وعلة المنع اشتغاله بذلك عن سماع الخطبة. وإذا كان هذا في الصلاة فأولى أن يمنع من البيع أو الشراء لأنه أعظم إعراضا وإشغالا.
قال ابن أبي زيد المالكي : " (وَيُنْصَتُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ، أَيْ : يَجِبُ الْإِنْصَاتُ ، وَهُوَ السُّكُوتُ ، عَلَى كُلِّ مَنْ شَهِدَ الْجُمُعَةَ (لِ) أَجْلِ سَمَاعِ (الْإِمَامِ).." .
وقال العدوي في "حاشيته" (1/377) : " [قَوْلُهُ: عَلَى كُلِّ مَنْ شَهِدَ إلَخْ] مِنْ الْمُكَلَّفِينَ ، وَكَانَ بِالْجَامِعِ أَوْ رِحَابِهِ ، مَعَ مَنْ هُوَ بِأَحَدِهِمَا .
وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ نِسَاءً ، أَوْ عَبِيدًا ، أَوْ مَعَ خَارِجٍ عَنْهُمَا .
وَأَمَّا مَن كَانَ بِالطُّرُقِ : فَيُبَاحُ لَهُ الْكَلَامُ مَعَ مَنْ كَانَ فِيهَا ، وَلَوْ سَمِعَا الْخُطْبَةَ ، لَا عَلَى مَنْ كَانَ بِالْمَسْجِدِ أَوْ رُحْبَتِهِ ؛ فَيَحْرُمُ .
وَالْحَاصِلُ : أَنَّ الْمُصَلِّيَ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْجِدِ ، أَوْ رَحَبَتِهِ ، أَوْ الطُّرُقِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ .
وَفِي كُلٍّ : إمَّا أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا بِالْجُمُعَةِ ، أَوْ لَا ، كَالْعَبِيدِ وَالنِّسَاءِ .
فَيَحْرُمُ الْكَلَامُ فِي كُلِّهَا ، إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَهُوَ : مَا إذَا كَانَ فِي الطُّرُقِ ، وَتَكَلَّمَ مَعَ مَنْ كَانَ فِيهَا .
وَوَجْهُ الْحُرْمَةِ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ خَارِجَ الطُّرُقِ ، مَعَ مَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ ، أَوْ الرِّحَابِ : أَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِمُحَرَّمٍ ؛ وَالْوَسِيلَةُ لِلْمُحَرَّمِ مُحَرَّمَةٌ .. " . اهـ .

وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله ما نصه : " ما حكم الطواف تطوعاً للمقيم والمسافر ، والخطيب يخطب يوم الجمعة ؟
فأجاب : " إذا ابتدأ الخطيب يخطب وجب على المصلين الإنصات للخطبة ، والبقاء في أماكنهم، ولم يجز الاشتغال بغير ذلك ، إلا لمن دخل والخطيب يخطب ، فإنه يصلي ركعتين يخففهما ، سواء كان من أهل مكة أو من غيرهم .
فالأدلة عامة في النهي عن الحركة والكلام حال خطبة الخطيب ، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا قلت لصاحبك أنصت ، والإمام يخطب : فقد لغوت". هكذا حذر من هذه الكلمة مع أنها للصلاة . فعلى هذا نرى أنه لا يجوز الطواف على كل حال ما دام الإمام يخطب خطبة الجمعة .
وقد كان الأئمة قديماً يمنعون من الطواف حال الخطبة ، ولكن تساهل المتأخرون ، وادعوا أنهم عاجزون عن حجز أولئك الذين يطوفون .
والذين يتعللون بأنهم مسافرون يودّعون البيت بهذا الطواف ، أو يرون فضل الطواف على الإنصات لسماع الخطبة ؛ ولكن هذا غير صحيح ، فنرى لزوم منعهم حتى يفرغ من الصلاة .
وأما خطبة العيد فلا بأس بالطواف حال خطبته ، وذلك لأنها سنة ، ولا يلزم البقاء للمصلين إلى انتهائها " انتهى نقلا عن "مجلة الحرس الوطني" ، عدد 272 بتاريخ 1/1/2005
http://haras.naseej.com/Detail.asp?InNewsItemID=155758

والوجه الثاني في المنع من الصورة المذكورة في السؤال : أن البيع داخل المسجد منهي عنه، في وقت الجمعة وغيرها.
روى أحمد (6676) ، وأبو داود (1079) ، والنسائي (714) عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ ".
والحديث حسنه الألباني في "صحيح أبي داود"، وشعيب الأرنؤوط في تحقيق "المسند".
وروى الترمذي (1321) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إ ِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا : لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ).
والحديث صححه الألباني في "صحيح الترمذي".
والبيع والشراء محرم داخل المسجد ، عند جماعة من أهل العلم.
قال في" كشاف القناع" (2/366): " (ويحرم فيه) أي المسجد (البيع والشراء والإجارة) لأنها نوع من البيع (للمعتكف وغيره) . وظاهره : قل المبيع أو كثر ، احتاج إليه أولا؛ لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البيع والابتياع وعن تناشد الأشعار في المساجد ) رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وحسنه.
ورأى عمران القصير رجلا يبيع في المساجد فقال: يا هذا إن هذا سوق الآخرة ، فإن أردت البيع فاخرج إلى سوق الدنيا.
(فإن فعل) أي باع أو اشترى في المسجد : (فباطل) . قال أحمد : وإنما هذه بيوت الله ، لا يباع فيها ولا يشترى .
وجوز أبو حنيفة البيع، وأجازه مالك والشافعي مع الكراهة " انتهى.

وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة"(6/282): " س: كثير من المساجد في أمريكا تحتوي على قاعة للصلاة ، وغرف ملحقة بها، فهل يجوز البيع والشراء في تلك الغرف لصالح المسجد؟ وهل يجوز البيع والشراء في القاعة المخصصة للصلاة (حرم المسجد) أو الإعلان عن البضائع والخدمات فيها؟
ج: لا يجوز البيع والشراء ، ولا الإعلان عن البضائع في القاعة المخصصة للصلاة ، إذا كانت تابعة للمسجد ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد ، فقولوا: لا أربح الله تجارتك ، وقال عليه الصلاة والسلام: من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك .
أما الغرف ففيها تفصيل: فإن كانت داخلة في سور المسجد ، فلها حكم المسجد ، والقول فيها كالقول في القاعة .
أما إن كانت خارج سور المسجد ، ولو كانت أبوابها فيه : فليس لها حكم المسجد؛ لأن بيت النبي صلى الله عليه وسلم الذي تسكنه عائشة رضي الله عنها كان بابه في المسجد ، ولم يكن له حكم المسجد" انتهى .
الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز .
وينظر: "الشرح الممتع" (10/ 90)، (14/ 253).

والحاصل : 

أنه يجوز للنساء تبايع الطعام وغيره في وقت الجمعة خارج المسجد. 

وأما البيع في المسجد : فمحرم، ويتأكد منعه وقت الجمعة ، لأن من حضرها أمر بالإنصات ومنع مما يشغل عنه. 
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الاسلام سؤال وجواب