الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

حكم الرقص والإنشاد الصوفي

258520

تاريخ النشر : 04-02-2017

المشاهدات : 40672

السؤال

لى صديق يقول بأنه سنى ويستمع للأناشيد الصوفية ويذهب إلى المساجد التى يتواجد بها مقامات (قبور) والصلاة بها ويرى أن هذا جائز بل ويرى أنه لايجب عليه أن ينصح من يتمسحون بالقبور فبماذا ننصحه ؟ وهل يجب علينا نصحه حتى وإن جادلنا ؛ لأن الرسول قال (أنا زعيم ببيت فى ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا) ولم أرد كسر قلبه وإظهار فضلي عليه؟ وإذا ظهر عليه أنه لا يقتنع هل أتركه لقول الله "فذكر إن نفعت الذكرى"؟ وعذرا على الاطالة وجزاكم الله خيرا

الجواب

الحمد لله.

أولا:

لا تجوز الصلاة  في المساجد التي بنيت على القبور؛ للأحاديث الواردة في لعن من فعل ذلك، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (21394) ورقم (157620) ورقم (161548) .

ثانيا:

 أناشيد الصوفية تشتمل غالبا على الإطراء المذموم، في مدح النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته وغيرهم، بل ما هو أعظم من ذلك من طلب المدد والعون من هؤلاء، فإن هذا من الشرك بالله تعالى.

وبعض هذه الأناشيد يتضمن كلمات الوحدة والاتحاد ، لا سيما في قصائد ابن عربي وابن الفارض، وهذا كفر عظيم غليظ.

وذلك من نحو قول ابن عربي:

لقد كنتُ قبلَ اليوم أنكرُ صاحبي *** إذا لم يكنْ ديني إلى دينِه دَانِي

لقد صارَ قلبى قابلاً كلَّ صورَةٍ *** فمَرْعًى لغِزْلانٍ ، وديرٌ لرُهبانِ

وبَيتٌ لأوْثانٍ ، وكعبةُ طائفٍ ***   وألوَاحُ تَوْراةٍ ، ومُصْحَفُ قُرآنِ

أدينُ بدينِ الحُبّ ، أنّى توَجّهتْ *** رَكائِبُهُ ، فالحُبُّ دينى وإيمانى

وينظر: هذه الصوفية لعبد الرحمن الوكيل ص 89

ومن نحو قول ابن الفارض:

عيسى أخوك محمد** وكلكما بانٍ وشائد

فالمسلمون بالمساجد والنصارى بالكنائس واليهود بالمعابد

ألم يك آدم واحد ** أليس دين الله واحد

جعلوا قواعد للحياة ** فهل الحياة لها قواعد.

وهذا تسوية بين الكفر والإيمان؛ لأنه على مذهب أهل الاتحاد لا كفر ولا إيمان.

فيجب الحذر من القصائد التي ينشدها الصوفية فإن فيها البلاء العظيم.

وعلى فرض سلامة بعضها من ذلك، فإنهم ينشدون قصائدهم مع الرقص والتصفيق والتمايل ؛ معتقدين أن ذلك مشروع وقربة، وهو إحداث وابتداع وتشبه بالنساء.

وقد "سئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام عن جماعة من أهل الخير والصلاح والورع يجتمعون في وقت فينشد لهم منشد أبياتاً في المحبة وغيرها ، فمنهم من يتواجد فيرقص ، ومنهم من يصيح ويبكي، ومنهم من يغشاه شبه الغيبة عن إحساسه. فهل يكره لهم هذا الفعل أم لا؟ وما حكم السماع؟

فأجاب: الرقص بدعة لا يتعاطاه إلا ناقص العقل، ولا يصلح إلا للنساء .

وأما سماع الإنشاد المحرك للأحوال السنية، المذكر بما يتعلق بالآخرة : فلا بأس به ؛ بل يندب إليه عند الفتور وسآمة القلوب، لأن الوسائل إلى المندوب مندوبة .

والسعادة كلها في اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم واقتفاء الصحابة الذين شهد لهم بأنهم خير القرون، ولا يحضر السماع إلا من في قلبه هوى خبيث، فان السماع يحرك القلوب من هوى مكروه أو محبوب " انتهى كتاب الفتاوى للعز بن عبد السلام، ص163، والمعيار للونشريسي (11/ 29).

وقال رحمه الله: "وَأَمَّا الرَّقْصُ وَالتَّصْفِيقُ : فَخِفَّةٌ وَرُعُونَةٌ مُشْبِهَةٌ لِرُعُونَةِ الْإِنَاثِ ، لَا يَفْعَلُهَا إلَّا رَاعِنٌ ، أَوْ مُتَصَنِّعٌ كَذَّابٌ .

وَكَيْفَ يَتَأَتَّى الرَّقْصُ الْمُتَّزِنُ بِأَوْزَانِ الْغِنَاءِ ، مِمَّنْ طَاشَ لُبُّهُ ، وَذَهَبَ قَلْبُهُ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ : خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُقْتَدَى بِهِمْ يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.

وَإِنَّمَا اسْتَحْوَذَ الشَّيْطَانُ عَلَى قَوْمٍ يَظُنُّونَ أَنَّ طَرَبَهُمْ عِنْدَ السَّمَاعِ إنَّمَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلَقَدْ مَانُوا فِيمَا قَالُوا ، وَكَذَبُوا فِيمَا ادَّعَوْا ، مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ عِنْدَ سَمَاعِ الْمُطْرِبَاتِ وَجَدُوا لَذَّتَيْنِ اثْنَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا لَذَّةُ الْمَعَارِفِ وَالْأَحْوَالِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِذِي الْجَلَالِ.

وَالثَّانِيَةُ: لَذَّةُ الْأَصْوَاتِ وَالنَّغَمَاتِ ، وَالْكَلِمَاتِ الْمَوْزُونَاتِ ، الْمُوجِبَاتِ لِلذَّاتِ النَّفْسِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ الدِّينِ ، وَلَا مُتَعَلِّقَةً بِأُمُورِ الدِّينِ .

فَلَمَّا عَظُمَتْ عِنْدَهُمْ اللَّذَّتَانِ : غَلِطُوا فَظَنُّوا أَنَّ مَجْمُوعَ اللَّذَّةِ إنَّمَا حَصَلَ بِالْمَعَارِفِ وَالْأَحْوَالِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ؛ بَلْ الْأَغْلَبُ عَلَيْهِمْ حُصُولُ لَذَّاتِ النُّفُوسِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ الدِّينِ بِشَيْءٍ.

وَقَدْ حَرَّمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ التَّصْفِيقَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ ، وَلَعَنَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ، وَالْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ .

وَمَنْ هَابَ الْإِلَهَ وَأَدْرَكَ شَيْئًا مِنْ تَعْظِيمِهِ : لَمْ يُتَصَوَّرَ مِنْهُ رَقْصٌ وَلَا تَصْفِيقٌ، وَلَا يَصْدُرُ التَّصْفِيقُ وَالرَّقْصُ إلَّا مِنْ غَبِيٍّ جَاهِلٍ، وَلَا يَصْدُرَانِ مِنْ عَاقِلٍ فَاضِلٍ .

وَيَدُلُّ عَلَى جَهَالَةِ فَاعِلِهِمَا أَنَّ الشَّرِيعَةَ لَمْ تَرِدْ بِهِمَا فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحَدُ الْأَنْبِيَاءِ ، وَلَا مُعْتَبَرٌ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الْجَهَلَةُ السُّفَهَاءُ الَّذِينَ الْتَبَسَتْ عَلَيْهِمْ الْحَقَائِقُ بِالْأَهْوَاءِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل: 89] .

وَقَدْ مَضَى السَّلَفُ ، وَأَفَاضِلُ الْخَلَفِ ، وَلَمْ يُلَابِسُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ .

وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ ، واعْتَقَدَ أَنَّهُ غَرَضٌ مِنْ أَغْرَاضِ نَفْسِهِ ، وَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ إلَى رَبِّهِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ، وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ مَا فَعَلَ ذَلِكَ إلَّا لِكَوْنِهِ قُرْبَةً ؛ فَبِئْسَ مَا صَنَعَ ، لِإِيهَامِهِ أَنَّ هَذَا مِنْ الطَّاعَاتِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ أَقْبَحِ الرَّعُونَاتِ.

 وَأَمَّا الصِّيَاحُ وَالتَّغَاشِي وَالتَّبَاكِي تَصَنُّعًا وَرِيَاءً :

فَإِنْ كَانَ حَالٌ لَا تَقْتَضِيهِ : فَقَدْ أَثِمَ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إيهَامُهُ الْحَالَ التَّامَّةَ الْمُوجِبَةَ لِذَلِكَ.

وَالثَّانِي: تَصَنُّعُهُ بِهِ وَرِيَاؤُهُ .

وَإِنْ كَانَ عَنْ حَالٍ تَقْتَضِيهِ : أَثِمَ إثْمَ رِيَائِهِ ، لَا غَيْرَ .

وَكَذَلِكَ نَتْفُ الشُّعُورِ وَضَرْبُ الصُّدُورِ، وَتَمْزِيقُ الثِّيَابِ مُحَرَّمٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَأَيُّ ثَمَرَةٍ لِضَرْبِ الصُّدُورِ وَنَتْفِ الشُّعُورِ وَشَقِّ الْجُيُوبِ إلَّا رَعُونَاتٌ صَادِرَةٌ عَنْ النُّفُوسِ" انتهى من قواعد الأحكام في مصلحة الأنام (2/ 220).

ثالثا:

ينبغي أن تنصح صديقك وتعظه بترك سماع هذه القصائد، أو حضور مجالسها، وليس في ذلك كسر لقلبه ، ولا إظهار للفضل عليه، بل هو إحسان وشفقة ، ودليل على صدق المحبة، فإن من أحب أخاه : صدَقه القول، ومحضه النصح، ولم يرض له الهلاك.

وأما المراء : فقد جاء في مدح تاركه: ما روى أبو داود (4800) والترمذي (1993) وابن ماجه (51) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ) والحديث حسنه الألباني في صحيح أب داود.

والمراء نوع من الجدال، لكنه يتضمن الاعتراض على الخصم لإظهار عيبه والتنقص منه.

 وفي الموسوعة الفقهية (15/ 126): " المراء والمماراة: الجدال، وهو مصدر مارى ، يماري، أي جادل، ويقال أيضا : ماريته ، إذا طعنت في قوله ، تزييفا للقول، وتصغيرا للقائل .

قال الفيومي: ولا يكون المراء إلا اعتراضا ، بخلاف الجدال فإنه يكون ابتداء واعتراضا " انتهى.

وقال الصنعاني رحمه الله: "وحقيقة المراء طعنك في كلام غيرك ، لإظهار خلل فيه ، لغير غرض سوى تحقير قائله ، وإظهار مزيتك عليه.

والجدال هو ما يتعلق بإظهار المذاهب وتقريرها، والخصومة لجاج في الكلام ليستوفي به مالا أو غيره . ويكون تارة ابتداء وتارة اعتراضا، والمراء لا يكون إلا اعتراضا .

والكل قبيح إذا لم يكن لإظهار الحق وبيانه ، وإدحاض الباطل وهدم أركانه.

وأما مناظرة أهل العلم للفائدة، وإن لم تخل عن الجدال : فليست داخلة في النهي، وقد قال تعالى: ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن [العنكبوت: 46] ، وقد أجمع عليه المسلمون سلفا وخلفا" انتهى من سبل السلام (2/ 674).

وأما قوله تعالى: (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى) الأعلى/9، فيدل على أنه إذا لم يستجب الإنسان للنصيحة ، وكان الكلام معه يزيد في الشر : فإن الأولى تركه.

قال السعدي رحمه الله في تفسيره، ص920 : " فَذَكِّرْ بشرع الله وآياته إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى أي: ما دامت الذكرى مقبولة، والموعظة مسموعة، سواء حصل من الذكرى جميع المقصود أو بعضه.

ومفهوم الآية أنه إن لم تنفع الذكرى، بأن كان التذكير يزيد في الشر، أو ينقص من الخير، لم تكن الذكرى مأمورًا بها، بل منهيًا عنها .

فالذكرى ينقسم الناس فيها قسمين: منتفعون وغير منتفعين.

فأما المنتفعون، فقد ذكرهم بقوله: سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى الله تعالى، فإن خشية الله تعالى، وعلمه بأن سيجازيه على أعماله ، توجب للعبد الانكفاف عن المعاصي، والسعي في الخيرات.

وأما غير المنتفعين، فذكرهم بقوله: وَيَتَجَنَّبُهَا الأشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى وهي النار الموقدة، التي تطلع على الأفئدة" انتهى.

ولهذا نقول: استمر في نصح صاحبك، إلا إن ظهر عناده، وكان الكلام معه يحمله على مزيد من الانحراف والشر، فتوقف عن ذلك، واحرص على اختيار أصدقائك من أهل الاستقامة والسنة، فقد قال تعالى: ( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ) الزخرف / 67 .

وعن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا ، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ ) رواه الترمذي ( 2395 ) وحسنه الألباني في " صحيح الترمذي " .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ ) . رواه أبو داود (4833) ، وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب