السبت 11 شوّال 1445 - 20 ابريل 2024
العربية

التقييم الاجتماعي للزواج من الزاني

260973

تاريخ النشر : 23-03-2018

المشاهدات : 3479

السؤال

أنا طالبة في إحدى جامعات ماليزيا، ولدي صديقات وزميلات يوجهن لي أسئلة حول ديننا الإسلام، رغم أن تخصصي القرآن والسنة في جامعتي ، لكن عندي سؤال طرحته زميلتي عن حكم نكاح الزانية وتأثيره في الواقع المعاصر. فمن المعلوم لدينا أنّ الله تعالى يقول: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) ، فأطلب منكم أن توضحوا لي عن حكم الزنا وتأثيره في الواقع المعاصر، وهل لنكاح الزانية دور في مكافحة جريمة الزنا ؟

الجواب

الحمد لله.

نعتقد أن زواج الزاني أو الزانية يمكن أن يكون علاجا اجتماعيا لهذه الآفة، كما يمكن أن يكون استمرارا للمشكلة ، وتفاقما لها بجميع مضارها:

أما العلاج فيبدأ من إدراك الزاني أن طريق الزواج هو الطريق الصحيح والسليم لكل إنسان يبتغي العفة والسعادة والمسرة، وأن العلاقة مع الجنس الآخر ليست علاقة حيوانية جسدية،  لتحقيق متعة عابرة منقضية، وإنما هي علاقة حب وود ورغبة في الاجتماع على العيش الواحد، والهم الواحد، والسعي الواحد في تكوين أسرة ناجحة صالحة، تنتج الجيل المبدع المتخلق بالفضيلة، واختبار أخلاق كلا الزوجين في حسن المعاملة للآخر، وتحقيق النجاح في وجه تحديات الدنيا ومصاعبها.

فمن الطبيعي أن الزاني أو الزانية إذا أراد أن يحقق هدف الزواج هذا، ويصحح طريق الفساد الذي سار فيه بإقدامه على معصيته، أن يمهد له بالإيمان بتفهم وتعقل هذه الغاية الجليلة، ويوطن في نفسه هذه المعاني السامية للعلاقة الزوجية، إلى جانب تحقيق المتعة المباحة التي هي مقصد أساسي أيضا في الزواج. فإذا استحضر هذه المعاني، وتعقلها في قلبه حق التعقل، أدرك أن طريق "الزنا" ليس سوى انحدار بالجنس البشري إلى الدناءة والحيوانية، وأن الله سبحانه حين حرم هذه الفاحشة، لم يحرمها سدى ولا عبثا، وإنما لما في هذا الطريق من مفسدة على مستوى الفرد والمجتمع.

فإذا تفاعلت في قلبه هذه المدارك والمشاعر، وتتوجت بالصلة بالله ، والتعلق بمحبته ، والرغبة في القرب منه ومناجاته، والندم على ما بدر منه تجاه خالقه : حصلت التوبة ولا شك، وبدأت مسيرة تصحيح الطريق، وحقق الزواج هدفه في هذه الحالة.

أما إذا لم يدرك الزاني خطأ ما وقع فيه، ولم ير فرقا بين الزواج والزنا، ولم يؤمن بالسمة القيمية الراقية التي تُميِّز عقد الزواج عن سائر العقود، فضلا عن تميز الزواج عن مجرد العلاقة الجسدية الشهوانية، فليس من المرجح - لِمَن هذا حالُه - أن يُمثلَ الزواجُ له صفحة جديدة لعلاقة شرعية سليمة، فهو - بهذا التوصيف – سيظن أن الزواج متعة جسدية عابرة، كما وقع في الزنا من قبل لإشباع هذه الشهوة، وهو يعلم أنها علاقة عابرة، غالبا ما لا تدوم؛ لأنها لم تؤسس أصلا كي تدوم، ولم يسلك بها سبيل الاستقرار المؤسس على الميثاق الغليظ .

فالزاني لا يدرك أبدا أن استباحة الاستمتاع بالجسد لا بد أن تقترن بكل الالتزامات الأخلاقية الزوجية الأخرى، هذه الالتزامات هي فقط التي تبرهن على وعي صحيح بالمعاني الروحانية لهذه المتعة الجسدية، وبغير ذلك لن يتمكن الزانيان من إقناع أحد أن علاقتهما الجسدية أعلى من درجة البهيمية، حتى تؤطر بإطار من فلسفة الزواج.

يقول ول ديورانت مل:

"لما كان زواجها ليس زواجا بالمعنى الصحيح – لأنه صلة جنسية لا رباط أبوة – فإنه يفسد؛ لفقدانه الأساس الذي يقوم عليه، ومقومات الحياة. يموت هذا الزواج لانفصاله عن الحياة وعن النوع. وينكمش الزوجان في نفسيهما، وحيدين ، كأنهما قطعتان منفصلتان.

وتنتهي الغيرية الموجودة في الحب ، إلى فردية يبعثها ضغط حياة المساخر.

وتعود إلى الرجل رغبته الطبيعية في التنويع، حين تؤدي الألفة إلى الاستخفاف، فليس عند المرأة جديد تبذله أكثر مما بذلته.

وإذا كانا بغير أطفال فإنهما يلتمسان ألف سبب وسبب للشقاق، وتصبح لفظة "عزيزي" التي كانت تهز مشاعرهما عند سماعها ، أشيع لفظة في اللغة، يسيرة، ولا معنى لها.

وتصاب المرأة بخيبة أمل، فهي لا تجد في هذا البيت شيئا يجعل جدرانه تحتمل في الليل والنهار، لا تلبث إلا قليلا حتى تهجره في كل مناسبة ، ولا تعود إليه .

ويخيب أمل الرجل، فهو لا يستطيع أن يتجول في أنحاء هذا البيت ، يعزي شعوره ببنائه وإصلاحه، ويكتشف بعد قليل أن هذه الحجرات تشبه تمام الشبه ، تلك التي كان يعيش فيها وهو أعزب، وأن علاقاته مع زوجته ، تشبه شبها عاديا تلك العلاقات غير البريئة التي كان يعقدها مع المستهترات من النساء...

وهكذا ينتهي الأمر بالطلاق...

وسنة بعد أخرى يتأخر الزواج ، ويتقدم الطلاق !!

ولا يجد الإخلاص إلا قلة بسيطة من الناس يمجدونه، والمطلقات لسن إلا عددا قليلا من التعيسات في الزواج" انتهى باختصار من "مباهج الفلسفة" (ص224-228) .

ولهذا ؛ نعتقد أنها معادلة صفرية، كما تُسمَّى، يمثل فيه الزنا خطرا حقيقيا على مؤسسة الأسرة واستقرار العلاقات المجتمعية، ولا يمكن أن يكون ثمة حل وسط بين هذين الطرفين اللذين تربطهما علاقة عكسية.

ونحن لا ننكر وقوع بعض الاستثناءات هنا أو هناك، كما لا ننكر أن مجتمع الفضيلة العامة والمتجذرة : قد يغسل بعض الآثار السلبية المترتبة على بعض حالات زواج الزاني قبل التوبة، الأمر الذي يبدو أن مذهب جمهور الفقهاء ممن أجاز زواج الزاني والزانية قبل التوبة، ينحو إليه، ويستند إليه – على المستوى الاجتماعي – بالإضافة إلى الأدلة الفقهية.

ولكننا رجحنا في موقعنا مذهب الحنابلة الذي حرم الزواج بالزاني أو الزانية حتى تتحقق التوبة، ورأيناه أوفق في مصلحة الأفراد والمجتمعات. ينظر (122639)، (85335)

وهكذا نجد عند الحكماء والعقلاء من المسلمين وغيرهم ما يؤكد على أن الزواج إذا لم يكن عن وعي حقيقي بقيمته وقدسيته ومقاصده – وهذا لا يكون عندنا إلا بالتوبة من فاحشة الزنا -، فإن مآله هو التعاسة والفساد والخيبة.

والله أعلم.       

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب