الحمد لله.
أولاً:
المولى يطلق ويراد به معان كثيرة .
قال الجوهري : " والمَوْلى: المُعْتِقُ، والمُعْتَقُ، وابنُ العمّ، والناصرُ، والجارُ " .
انتهى من "الصحاح" (6/2529) .
وقال الفيروزآبادي : "والمَوْلَى: المالِكُ، والعَبْدُ، والمُعْتِقُ، والمُعْتَقُ، والصاحِبُ، والقريبُ كابنِ العَمِّ ونحوِه، والجارُ، والحَليفُ، والابنُ، والعَمُّ، والنَّزيلُ، والشَّريكُ، وابنُ الأُخْتِ، والوَلِيُّ، والرَّبُّ، والناصِرُ، والمُنْعِمُ والمُنْعَمُ عليه، والمُحِبُّ، والتابعُ، والصِّهْرُ" انتهى من "القاموس المحيط" ص(1344) .
وأسئلة السائل تدور حول المولى الذي هو بمعنى العتيق .
ثانيا :
كل من أُعتق فهو مولى ، وللمعتَق أن يتنقل في أي أرض الله حيث شاء ؛ لأنه أصبح حرا ، ولا أمر لسيده السابق عليه .
والعتق سبب من أسباب الإرث ، فمن أعتق عبدا فإنه يرثه في بعض الأحوال ، وأما العتيق فلا يرث من معتِقه أبدا .
قال الرحبي :
أسباب ميراث الورى ثلاثه ... كل يفيد ربه الوراثه
وهي نكاح وولاء ونسب ... مابعدهن للمواريث سبب
وقال في الوارثين بالتعصيب :
والأخِ وابنِ الأخ والأعمامِ ... والسيدِ المعتِق ذى الإنعامِ .
ثالثا :
العتيق ينسب إلى أبيه وقبيلته ، وينسب إلى قبيلة معتِقه بالولاء ، فيقال : فلان بن فلان مولى بني فلان ، كما هو شائع في كتب التراجم .
فمثلا الليث بن سعد المصري الفهمي ، نسب إلى "بني فهم" لأن معتِقه فهمي .
وكذلك عبد الله بن المبارك المروزي الحنظلي مولاهم ، نُسب إلى "بني الحنظل" وغيرهم كثير .
ولا عيب في ذلك ولا غضاضة ، وقد جاء على الناس زمان ، ورؤوس الناس وعلماؤهم أغلبهم من الموالي .
وكما قال الزهري: "إنما هو أمر الله ودينه ، من حفظه ساد ، ومن ضيعه سقط " .
قال ابن الصلاح :
"وفيما نرويه عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: " لما مات العبادلة صار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي ، إلا المدينة ، فإن الله خصها بقرشي، فكان فقيه أهل المدينة سعيد بن المسيب غير مدافع ".
قلت: وفي هذا بعض الميل، فقد كان حينئذ من العرب غير ابن المسيب : فقهاء أئمة مشاهير، منهم الشعبي والنخعي، وجميع الفقهاء السبعة ، الذين منهم ابن المسيب : عرب ، إلا سليمان بن يسار، والله أعلم" انتهى من "مقدمة علوم الحديث" ص(404) .
رابعا :
يبعد أن يكون في هذا الزمن عبيد من آل البيت ؛ لأن العبودية سببها الأسر في حال الكفر ؛ لكن لو قُدر أن أحدا من بني هاشم نشأ كافرا في بلد كفر ، وتم أسره مع الكفار ، فإنه يكون عبدا كغيره من الكفار إذا وقع في الأسر واستُرقّ ، والعرب والعجم في هذا سواء .
مع أنه تقدير افتراضي محض ، لا واقع له في الناس اليوم .
وقد صح في الحديث الصحيح أن سبيّة من بني تميم َكَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم (أَعْتِقِيهَا فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ) رواه البخاري (2543) ، (2525) .
قال ابن بطال "فى هذه الآثار أن النبى، عَلَيْهِ السَّلام، سبى العرب ، واسترقهم ، من هوازن وبني المصطلق وغيرهم، وقال، عَلَيْهِ السَّلام، لعائشة فى السبية التميمية: (أعتقيها، فإنها من ولد إسماعيل) .
فصح بهذا كله : جواز استرقاق العرب ، وتملكهم ، كسائر فرق العجم".
انتهى من "شرح صحيح البخاري" (7/57) .
وقال ابن حجر "وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ : ( ابْتَاعِيهَا فَأَعْتِقِيهَا ) : دَلِيلٌ لِلْجُمْهُورِ فِي صِحَة تَمَلُّكِ الْعَرَبِيِّ ، وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ عِتْقَ مَنْ يُسْتَرَقُّ مِنْهُمْ ، وَلِذَلِكَ قَالَ عُمَرُ : مِنَ الْعَارِ أَن يملك الرجل ابن عَمه ، وَبنت عَمه . حَكَاهُ ابن بطال عَن الْمُهلب " انتهى من "فتح الباري" (5/173) .
فهذا يدل على أن المسبي من ولد إسماعيل : يراعى ، وله منزلة خاصة ، فكيف بمن هو من أرفع منه ، ومن بيت النبوة ؟ لا شك أن ذلك أولى .
مع اعتبار ما سبق : أن هذا افتراض محض ، لا واقع له في الناس اليوم ؛ بل ولا من أزمان .
خامسا :
إذا أعتق العبد : ارتفع عنه وصف العبودية ، وصار حرا .
وأما إطلاق لفظ العبودية على كل أسود : فهو من الجهل المحض ، والجاهلية العمياء ، ومنتقِص غيره بهذه الألفاظ : آثم ، مفتر ، لأنه يسب غيره ، وينسبه إلى العبودية ، وهو منكر ، لو كان صدقا ؛ فكيف إذا جمع مع ذلك الكذب والبهتان ؟!
روى البخاري (30)،ومسلم (1661) عن أَبي ذَرٍّ قَالَ :"سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (يَا أَبَا ذَرٍّ ، أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ)".
قال ابن حجر : "فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ" أَيْ نَسَبْتُهُ إِلَى الْعَارِ ، زَادَ فِي الْأَدَبِ "وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً فَنِلْتُ مِنْهَا" . وَفِي رِوَايَةٍ : "قُلْتُ لَهُ يَا بن السَّوْدَاءِ" .
وَالْأَعْجَمِيُّ : مَنْ لَا يُفْصِحُ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ سَوَاء كَانَ عَرَبِيًّا أَوْ عَجَمِيًّا " انتهى من "فتح الباري" (1/86) .
وما أشد وأفظع أن يكون في المسلم الذي أكرمه الله بالإسلام ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم خصلة من خصال الجاهلية النتنة !
وينظر جواب السؤال:(258177) .
والله أعلم .
تعليق