السبت 11 شوّال 1445 - 20 ابريل 2024
العربية

قوله: ( إني ذاهب إلى ربي ) وقوله: ( يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ) هل يحتاج إلى تأويل ؟

261411

تاريخ النشر : 17-03-2018

المشاهدات : 5295

السؤال

لماذا يرفض أهل السنة تأويل آيات الصفات، بينما يؤولون آيات مثل (إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ) ، ومثل (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ) ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

التأويل الذي يرفضه أهل السنة هو : صرف اللفظ عن معناه الظاهر ، إلى معنى مرجوح من غير دليل يقتضي ذلك ، بل لمجرد شبهات قامت بقلب المتأول ، كتأويل اليد بالقدرة، أو القوة، وتأويل الاستواء بالاستيلاء .

والتأويل إذا اقتضاه المقام وقام عليه دليل فلا ينكر .

ومن أمثلة ذلك: قوله تعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) النحل/98 ، فإن ظاهره أن الاستعاذة تكون بعد القراءة، ودلت السنة على أن الاستعاذة قبل القراءة، فيكون المراد: فإذا أردت القراءة فاستعذ بالله.

ولا دليل على امتناع حمل آيات الصفات على ظاهرها المتبادر من جهة اللسان العربي ، أو يستلزم تأويل شيء من الصفات؛ لأن التأويل فرع عن استحالة المعنى الحقيقي، أو أنه يلزم منه باطل، يتنزه الشرع عنه، كالتشبيه .

ونصوص الشرع منزهة عن هذا الظن الفاسد وهو أنها توهم التشبيه؛ إذ لو أوهمت ذلك لم تكن حقا ونورا وبيانا، ولوجب على النبي صلى الله عليه وسلم تحذير أمته من هذه الظواهر، ولم يقع هذا، وتأخير البيان ممنوع، فدل على أن ظواهر النصوص حق لا توهم التشبيه.

وحيث انتفت القرينة، تعين حمل الكلام على الحقيقة وهي الأصل.

وقد أجمع أهل السنة على أن الصفات كلها محمولة على الحقيقة دون المجاز.

قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله: " أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز ، إلا أنهم لا يكيفون شيئاً من ذلك ولا يحدّون فيه صفة محصورة. 

وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج : فكلهم ينكرها، ولا يحمل شيئاً منها على الحقيقة . ويزعمون أن من أقر بها مشبه . وهم عند من أثبتها : نافون للمعبود.

والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله ، وهم أئمة الجماعة والحمد لله" انتهى من "التمهيد" (7/ 145).

فالدليل على منع التأويل أمور:

أنه مترتب على قول عظيم البطلان ، وهو أن ظواهر نصوص الصفات توهم التشبيه.
أن التأويل خلاف الأصل، ولا يصح إلا مع وجود القرينة، والقرينة عند المؤولة هي الاستحالة العقلية ، أي استحالة اتصاف الله بالوجه واليدين والنزول، وهذا من أعظم الطعن في كتاب الله، وفي بلاغ النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يصف الله نفسه بما هو محال، وكيف لا يبين النبي صلى الله عليه وسلم لأمته هذا المحال.
وانظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (262799) .

ثانيا:

قوله تعالى: (إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ) الصافات/99، مفسر في موضع آخر، وهو قوله تعالى: (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) العنكبوت/26.

فالذهاب هنا هو الهجرة، والهجرة كانت لأرض الشام، كما قال سبحانه: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء/71 ، والقرآن يفسر بعضه بعضا .

ثم إنه لا استحالة في أن يذهب إبراهيم إلى ربه حقيقة، كما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكما رفع الله عيسى إليه . غير أنه غير مراد في هذه الآية ، بل هي واضحة المعنى ، بينتها الآيات الأخرى .

والتأويل كما قدمنا فرع عن استحالة الحمل على الحقيقة، فلا تأويل هنا بالمعنى الاصطلاحي المتأخر، وإنما هو تفسير للنص بما ورد في نص آخر بما يزيده بيانا ووضوحا.

ثالثا:

قوله تعالى: (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا) مريم/85 لا تأويل فيه، وهو على ظاهره، فإن المتقين يحشرون إلى الله، ويلقونه، ويزورونه، ويرونه !!

وأي استحالة في هذا ؟! وأي حرمان : أن يؤول مثلُ هذا النص المشتمل على أعظم كرامة لأهل الإيمان ؟!

قال ابن كثير رحمه الله : " يخبر تعالى عن أوليائه المتقين، الذين خافوه في الدار الدنيا، واتبعوا رسله وصدقوهم فيما أخبروهم، وأطاعوهم فيما أمروهم به، وانتهوا عما عنه زجروهم: أنه يحشرهم يوم القيامة وفدا إليه.

والوفد: هم القادمون ركبانا، ومنه الوفود ، وركوبهم على نجائب من نور، من مراكب الدار الآخرة، وهم قادمون على خير موفود إليه، إلى دار كرامته ورضوانه...

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا ابن خالد، عن عمرو بن قيس الملائي، عن ابن مرزوق: يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا قال: يستقبل المؤمن عند خروجه من قبره أحسن صورة رآها، وأطيبها ريحا، فيقول: من أنت؟ فيقول: أما تعرفني؟ فيقول: لا ، إلا أن الله قد طيب ريحك ، وحسن وجهك. فيقول: أنا عملك الصالح، وهكذا كنت في الدنيا، حَسنَ العمل طيّبَه، فطالما ركبتك في الدنيا، فهلم اركبني، فيركبه. فذلك قوله: يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا .

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا قال: ركبانا" انتهى من "تفسير ابن كثير" (5/ 263).

وقد قال الله تعالى: (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا) الأحزاب/44 .

وروى البخاري (2441) ، ومسلم (2768) عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ المَازِنِيِّ ، قَالَ: " بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي ، مَعَ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا آخِذٌ بِيَدِهِ ، إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ ، فَقَالَ: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي النَّجْوَى؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي المُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ، فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا، أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ، قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الكَافِرُ وَالمُنَافِقُونَ، فَيَقُولُ الأَشْهَادُ: هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود: 18] ).

وهذا في الموقف .

وأما في الجنة : فالأمر أعظم وأجل.

روى مسلم (181) عَنْ صُهَيْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ ).

قال ابن قدامة رحمه الله: " والمؤمنون يرون ربهم في الآخرة بأبصارهم ويزورونه، ويكلمهم ويكلمونه" انتهى من "لمعة الاعتقاد"، ص10 .

فالمتقون يحشرون إلى الله تعالى، فيلقونه في الموقف ويرونه، ويلقونه في الجنة ويرونه، وذلك أعظم نعيم يحصل لهم.

نسأل الله أن ينعمنا بالوفد إليه ، والنظر إلى وجهه الكريم .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب