الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

خطاب الذكور هل يدخل فيه النساء؟

264003

تاريخ النشر : 24-02-2018

المشاهدات : 12051

السؤال

لدي سؤال حول قوله تعالى : ( فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) الآية ، فهذا خطاب للرجال والأزواج ، ولكن هل ممكن نقول إنه يشمل النساء؟ بمعنى أن المراة إذا كرهت زوجها فالأفضل لها أن تعاشره بالمعروف ، وأن تصبر على ذلك ؛ لأن في ذلك خيراً كثيرا ، أم إن هذا خاص بصبر الرجال على النساء؟ وكذلك الحديث المشهور (لا يفرك مؤمن مؤمنة إذا كره منها ) الحديث ، فهل يشمل النساء؟ فأنا أريد أن أستدل بهذا الحديث على أن المراة لا تكره زوجها لمجرد صفة سيئة فيه ، كما يدل عليه الحديث ، وعندي درس ألقيه مرة في الإسبوع ، ولكني متردد من الاستدلال بهذا الحديث حتى أتأكد أنه ينطبق على النساء أيضاً.

ملخص الجواب

المرأة داخلة في خطاب الآية المذكورة ، فتؤمر بمعاشرة زوجها بالمعروف . ويقال لها: فإن كرهت زوجك، فعسى أن تكرهي شيئا ويجعل الله فيها خيرا كثيرا .

الجواب

الحمد لله.

​الجواب  :

قول الله عز وجل : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) النساء/ 19 .

وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لَا يَفْرَكْ [ أي : لا يبغض ] مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً ، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ )  رواه مسلم (1469).

خطاب للرجال، وتدخل فيه النساء، وإنما ذكر الرجال تغليبا .

وهذا الخطاب المتعلق بالأحكام لا خلاف في دخول النساء فيه، وإنما الخلاف في دخولهم تحت جمع المذكر كالمؤمنين، والصحيح أنهن يدخلن أيضا ، إلا ما دل الدليل على خصوصيته بالرجال .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " واعلم أن الناس قد اختلفوا في " صيغ جمع المذكر ، مظهره ومضمره ، مثل: المؤمنين والأبرار، وهو : هل يدخل النساء في مطلق اللفظ ، أو لا يدخلون إلا بدليل؟ على قولين:

أشهرهما عند أصحابنا ومن وافقهم : أنهم يدخلون، بناء على أن من لغة العرب إذا اجتمع المذكر والمؤنث غلبوا المذكر، وقد عهدنا من الشارع في خطابه أنه يعم القسمين ويدخل النساء بطريق التغليب.

وحاصله أن هذه الجموع تستعملها العرب تارة في الذكور المجردين، وتارة في الذكور والإناث.

وقد عهدنا من الشارع : أن خطابه المطلق يجري على النمط الثاني.

وقولنا: المطلق، احتراز من المقيد مثل قوله: والمؤمنين والمؤمنات .

ومن هؤلاء من يدعي أن مطلق اللفظ في اللغة يشمل القسمين.

والقول الثاني: أنهن لا يدخلن إلا بدليل.

ثم لا خلاف بين الفريقين أن آيات " الأحكام " و " الوعد " و " الوعيد " التي في القرآن : تشمل الفريقين ، وإن كانت بصيغة المذكر .

فمن هؤلاء من يقول: دخلوا فيه لأن الشرع استعمل اللفظ فيهما ، وإن كان اللفظ المطلق لا يشمله ، وهذا يرجع إلى القول الأول.

ومنهم من يقول: دخلوا ، لأنا علمنا من الدين استواء الفريقين في الأحكام ، فدخلوا ؛ كما ندخل نحن فيما خوطب به الرسول ، وكما تدخل سائر الأمة فيما خوطب به الواحد منها. وإن كانت صيغة اللفظ لا تشمل غير المخاطب" انتهى من "مجموع الفتاوى" (6/ 437).

وقال ابن قدامة رحمه الله : "ويدخل النساء في الجمع المضاف إلى "الناس" ، وما لا يتبين فيه لفظ التذكير والتأنيث ، كأدوات الشرط .

ولا يدخلن فيما يختص بالذكور من الأسماء، كالرجال والذكور.

فأما الجمع بالواو والنون، كالمسلمين، وضمير المذكرين، كقوله، تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا : فاختار القاضي أنهن يدخلن فيه، وهو قول بعض الحنفية وابن داود.

واختار أبو الخطاب والأكثرون: أنهن لا يدخلن فيه، لأن الله -تعالى- ذكر "المسلمات" بلفظ متميز . فما يثبته ابتداء، ويخصه بلفظ "المسلمين" : لا يدخلن فيه إلا بدليل آخر، من قياس، أو كونه في معنى المنصوص، وما يجري مجراه.

ولنا: أنه متى اجتمع المذكر والمؤنث، غلب التذكير، ولذلك: لو قال، لمن بحضرته من الرجال والنساء: "قوموا واقعدوا" ؛ يتناول جميعهم.

ولو قال: قوموا، وقمن، واقعدوا، واقعدن: عُدَّ تطويلًا ولكنة.

ويبينه قوله تعالى: وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ، وكان ذلك خطابًا لآدم وزوجه والشيطان.

وأكثر خطاب الله -تعالى- في القرآن بلفظ التذكير، كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا و يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا، و هُدىً لِلْمُتَّقِين، وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِين، وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِين، والنساء يدخلن في جملته" انتهى من "روضة الناظر" (3/ 45).

وقال الشيخ الأمين الشنقيطي في التعليق عليه: "وقوله المؤلف في هذا الفصل: ويدخل النساء في الجمع المضاف إلى الناس وما لا يتبين فيه لفظ التذكير والتأنيث الخ ...

خلاصته: أن له طرفين وواسطة:

طرف يدخل فيه النساء مع الرجال ، اتفاقاً ؛ نحو الخطاب بـ ( يا أيها الناس ) ، وكأدوات الشرط نحو : ( مَن ) .

(ب) وطرف لا يدخلن فيه معهم ، إجماعاً ؛ نحو: الرجال والذكور، كما لا يدخل الرجال في لفظ النساء والإناث ، ونحو ذلك.

(ج) وواسطة: اختلف فيها ، وهي: الجموع المذكرة السالمة ، كالمسلمين ، وضمائر جماعة الذكور ، نحو : ( كُلُوا وَاشْرَبُوا ) .

والمؤلف يميل إلى دخولهم في الجموع المذكورة ، ونحوها .

وذكر أنه اختيار القاضي ، وقول بعض الحنفية وابن داوود , وعزا عدم دخولهن للأكثرين ، وهو اختيار أبى الخطاب..." انتهى من "مذكرة في أصول الفقه" ، ضمن آثار الشنقيطي (332) .

والحاصل :

أن المرأة داخلة في خطاب الآية المذكورة ، فتؤمر بمعاشرة زوجها بالمعروف .

ويقال لها: فإن كرهت زوجك، فعسى أن تكرهي شيئا ويجعل الله فيها خيرا كثيرا .

مثل ذلك الحديث المذكور :

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ) أَوْ قَالَ: (غَيْرَهُ) رواه مسلم (1469) .

فيقال لها: لا تبغض المؤمنة زوجها، فإنها إن كرهت منه خلقا رضيت آخر.

قال الملا علي القاري رحمه الله : " وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الصَّاحِبَ لَا يُوجَدُ بِدُونِ عَيْبٍ فَإِنْ أَرَادَ الشَّخْصُ بَرِيئًا مِنَ الْعَيْبِ يَبْقَى بِلَا صَاحِبٍ وَلَا يَخْلُو الْإِنْسَانُ سِيَّمَا الْمُؤْمِنُ عَنْ بَعْضِ خِصَالٍ حَمِيدَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاعِيَهَا وَيَسْتُرَ مَا بَقِيِّهَا " انتهى من "مرقاة المفاتيح" (5/2118) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الاسلام سؤال وجواب