الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

هل يأخذ المؤذن ثواب الأذان كاملا في الدول التي لاتسمح بالأذان الخارجي ؟

265258

تاريخ النشر : 31-07-2018

المشاهدات : 10515

السؤال

هل المؤذن الذي يستمع صوته داخل المسجد فقط ، كالمساجد التي في الدول الغربية ، يحصل على الأجور التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم ؟

الجواب

الحمد لله.

جاء في فضل الأذان أحاديث عدة، منها ما روى البخاري (615) ومسلم (437) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ، لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا .

وروى مسلم (387) عن مُعَاوِيَة رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:  الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ .

وروى البخاري (609) عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ، جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ، إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ .

وزاد ابن ماجه (723) :  وَلَا شَجَرٌ، وَلَا حَجَرٌ، إِلَّا شَهِدَ لَهُ .

وروى أحمد (9935) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:   يُغْفَرُ لِلْمُؤَذِّنِ مَدَّ صَوْتِهِ، وَيَشْهَدُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ، وَشَاهِدُ الصَّلَاةِ يُكْتَبُ لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ، وَيُكَفَّرُ عَنْهُ مَا بَيْنَهُمَا  وصححه محققو المسند.

وروى النسائي (646) عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ، وَالْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ بِمَدِّ صَوْتِهِ ، وَيُصَدِّقُهُ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ رَطْبٍ وَيَابِسٍ، وَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ صَلَّى مَعَهُ   .

وصححه الألباني في صحيح النسائي.

فهذه الأحاديث تدل على فضل الأذان والمؤذن، والأول منها والثاني لا يختلف الأجر فيه بكثرة السامعين وقلتهم .

وكذلك الزيادة التي عند النسائي، وأن المؤذن له مثل أجر من صلى معه، فهذا يتوقف على من يحضر للصلاة في المسجد.

وبقي الكلام في شهادة من يسمع مدى صوت المؤذن، ولعل هذا محل سؤال السائل، فنقول:

 إذا قصرت الدولة الأذان على داخل المسجد، فهنا يقال :

يحتمل أن يعطى المؤذن تلك الفضيلة ، فضيلة "الشهادة" له على أذانه ، مما كان يبلغه صوته ، لو سمح له برفع الأذان ؛ لأن منع انتشار الصوت ليس من جهته، وقد دلت عمومات الشريعة على أن من عزم على الفعل، وحبسه العذر أنه يشارك الفاعل في الأجر، فأولى أن يشارك فيه من أتى بالفعل وتخلّف بعض أثره لمانع من غيره.

روى البخاري (4423) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالَ : إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وفيه أن المرء يبلغ بنيته أجر العامل إذا منعه العذر عن العمل" انتهى من فتح الباري (6/ 47).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "من نوى الخير وعمل منه مقدوره، وعجز عن إكماله: كان له أجر عامل كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم. قالوا: وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة حبسهم العذر ..." انتهى من الفتاوى الكبرى (1/ 212).

غير أن الأقرب والأظهر هنا أن يقال :

إن هذه الفضيلة ، فضيلة الشهادة للمؤذن بأذانه : إنما تتعلق "بالسماع" ؛ فكل من بلغه صوت المؤذن ، و"سمعه" : فإنه يشهد له .

وأمام من لم "يبلغه" صوت المؤذن ، ولم "يسمعه" : فإنه لا يشهد له .

وإذا كانت هذه الفضيلة معلقة على "السماع" ؛ فما لم يبلغه صوت المؤذن ، ولم يسمعه : كيف يشهد له ؟ وما ضابط ذلك ؟ 

وهذا أمر لا تعلق له بالتقصير وعدمه ؛ فإنه قد يؤذن المؤذنان على نفس الصوت ، وبنفس الصفة ، فيسمع صوت هذا من البشر وغيرهم : ما لا يعلمه إلا رب العالمين . ويسمع صوت الآخر : قلة قليلة من الخلائق ، من غير تقصير منه ؛ فلا يستويان فيمن يشهد لهما . وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .

وأما ما دلت عليه أصول الشريعة من أن عزم على الفعل، وحبسه العذر أنه يشارك الفاعل في الأجر ؟!

فيقال فيه : نعم ، لكن مشاركة الفاعل : إنما هي في "أصل الأجر" ، دون مضاعفته ، كما سبق تقريره في جواب السؤال رقم (219763) و (127714)

وهذا يدل على أنهما لا يستويان من كل وجه ، ويخدش في جريان هذا الأصل في مسألتنا .

وبعد ، فالمسألة من مسائل الاحتمال والاجتهاد ، وليس من مسائل القطع ، وذلك أمر مغيب ، وفضل الله واسع على عباده ، ولعل الله عز وجل أن يعوض المؤذن في تلك البلاد ، مع الغربة ، والتضييق ، وقلة المعين والنصير : ما هو أفضل وأعظم بركة من مجرد تلك الشهادة . والله ، تعالى : شكور حليم .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب